من الغناء إلى القرآن...

من ترك شيئاً لله



هذا مبتلىً بذنوب ومعاصي تركها من أجل الله فجاءه العوض من الله جل في علاه .. كان مولع بالغناء محباً للطرب ، ومما زاد حبه لهذه المعصية ذلك الصوت الجميل الذي وهبه الله له .. صوت شجي خلاب يحرك المشاعر والأحاسيس .. لم يكن يفكر في حرمة الغناء وعواقبه .. كان تفكيره كيف يكون مشهوراً ويظهر أمام الناس .. فسعى إلى شهرة الباطل وأخرج شريطاً غنائياً وأخذ يوزعه بين أهله وأصحابه وأقاربه .. زاره يوما أحد أقاربه من مدينة بعيدة ومعه شاب صالح ، وباتا عنده ، فلما سمع ذلك الشاب الصالح عنه وعن أغانيه وعن صوته الجميل قال له : ليت هذا الصوت الجميل كان يرتفع ويصدح بالقرآن بدل من مزامير الشيطان ..أما سمعت قول الله : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى وقال أأسجد لمن خلقت طينا ، قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ، قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤهم جزاءً موفورا ، واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) فأثرت تلك الكلمات والآيات فيه ووجدت قبولاً في قلبه .. فلما جنَّ الليل ونام النائمون.. استيقظ التائبون .. يقول قريبه الذي كان يزوره بينما نحن نائمون يغطينا ظلام الليل الدامس والسكون يملأ المكان استيقظت على صوت بكاء فإذا بقريبي المغني ساجد لله في صلاته يشهق من البكاء ألماً وندماً على ما فرط في جنب الله .. ففرحت لبكائه ..ففرحت لبكائه وندمه .. ترك الماضي بكل ما فيه وأقبل على الله يرجو ما عنده .. فكان العوض من الله .. عوضه الله خيراً مما ترك .. أصبح يحب القرآن .. يغدو ويروح مع آياته .. يترنم بالآيات بالليل والنهار .. أخذ يتعلم علم القرآن وفن التلاوة حتى صار إماماً وقارئاً يشار إليه بالبنان لجمال صوته وخشوعه في صلاته .. فسبحان مغير الأحوال ..صدق في توبته فصدق الله معه .. وترك من أجل الله فعوضه الله خيراً مما ترك وأي عوض أجمل من القرآن .. أي عوض أجمل من القرآن ..

جاسوس القلب قال ابن القيم رحمه الله: "الغناء هو جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسُوسُ العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويدب إلى محل التخييل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة، فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقل حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه وشكا إلى الله إيمانه، وثقل عليه قرآن





يا الله ما أجمل التوبة وما أجمل العودة إلى الله ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )




قل للذي ألف الذنوب وأجرما

لا تيأسن من الجليل فعندنا
يا معشر العاصين جودي واسع
لا تقنطوا فالذنب مغفور لكم
وإني لغفار لمن تاب وآمن







وغدا على زلاته متندما

فضل ينيل التائبين تكرما
توبوا ودونكم المنا والمغنما
إني الجدير بأن أجود وأرحما
وعمل صالحاً ثم اهتدى







اعلم واعلمي ..أن الذنوب الصغيرة تكبر وتعظم بأسباب ..منها الإصرار والمواظبة .. لذلك قيل لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ..



قال ابن سيرين محمد رحمه الله : والله لا أبكي على ذنب أذنبته ولكني أبكي على ذنب كنت أحسبه هيناً وهو عند الله عظيم .. وتعظم الذنوب أيضاً باستصغارها ، فإن الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله تعالى ، وكلما استصغره العبد كبر عند الله تعالى ..