مسرور و مقرور
لا رواية ... تبدأ أحداثها بعد الموت
بقلم ... أحمد بهجت
مقدمة واعتراف
هذه ليست رواية
إن الرواية تبدأ من الموت وتنتهي بالموت
و لكن هذه اللارواية تبدأ من الموت و تنتهي بالبعث
و تستمر أحداثها حتى نقف وراء أبواب الجنة و النار
فمن الأفضل أن نسميها لا رواية

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Anas
قرأت هذه الرواية منذ ما يقارب السنوات التسع
عندما كنت في الصف الثاني الإعدادي
و رغم صغر سني آن ذاك ... إلا أني استوعبتها حرفا حرفا
و ظلت محفورة في ذهني بكامل تفاصيلها و تفصيلاتها
و لكن ... مع التقدم في الدراسة و الانشغال بأمور الدنيا
بدأت تأخذ جانبا في الذاكرة ... و يتراكم عليها غبار الزمن
و حتى لحظة كتابة هذه الحروف ... فأنا لا أدري ما الذي نفض عنها ذلك الغبار و جعلها تشغل ذلك الحيز غير القليل من التفكير
--------------------------
الحلقة (1)
قصة مسرور ومقرور
فى قديم الزمان ، و حاضر العصر والأوان ، عاش رجلان مختلفان
كان اسم أحدهما "مسرور" والثاني اسمه "مقرور"
و مثلما يقع فى الحياة أن يكون للناس من أسمائهم نصيب
كان لمسرور نصيب ، و لمقرور نصيب ...
أما مسرور فكان أغنى رجل فى المدينة ... و أقوى رجل فى المملكة ...
و لم يكن غناه يشبه غنى قارون ... كان أقل منه بمقدار مفتاح أو مفتاحين
كانت كنوز قارون توضع فى صناديق و غرف لها مفاتيح ،
و كانت مفاتيح كنوز قارون لا يستطيع حملها إلا عصبة من الرجال ... سبعة رجال مثلا أو ثمانية
بينما كانت مفاتيح كنوز مسرور يحملها ستة رجال فقط ...
أما مقرور فكان فقيرا لا يملك مفتاحا لباب كوخه الخشبى الذى ورثه عن جده ،
و كان يكتفي فى ليالى الشتاء بأن يضع قطعة من الحجر وراء الباب لتسنده
و قد بدأت أحداث قصتنا ذات ليلة شتائية عاصفة ...
و قد دأب كثير من الكتاب على أن يكتبوا فى بداية روايتهم
أن أسماء الأبطال و الأحداث التى سيقرءونها لم تقع إلا فى خيال المؤلف ،
و أن اى تشابه بينها وبين أسماء الأحياءهو تشابه غير مقصود ...
ماذا نكتب نحن فى بداية قصتنا ؟
سنقول إن أسماء الأبطال خيالية ... وإن أحداث القصة حقيقية
و إن هذه الأحداث لم تقع بعد ... و لكنها وقعت بالتأكيد أوستقع بالتأكيد ...
و هذا كله محير جدا ... رغم أنه حقيقة ...
أين كنا ؟
ليلة شتائية عاصفة ... انحدرت السحب الملبدة فحجبت نور القمر الشاحب
و هبت الرياح بعنف و هى تعول فى صفير يدفع الشؤم لأقسى القلوب
و انفتح باب مقرور الخشبى بعد أن نجحت الرياح فى زحزحة قطعة الحجر التى وضعها لتسنده
اندفعت الرياح فى الكوخ فانطفأت الذبالة التىكان يوقدها مقرور ،
و جلدت عظامه فارتعش ... و من ثم نهض مسرعا من تحت فروة الخروف التى كان يغطى نفسه بها ،
أسرع نحو الباب و أعاد إغلاقه و وضع قطعة الحجر وراءه
و أسندها بقدمه العارية قليلا
و انتظر حتى هدأت الرياح ... و عاد يرتعش إلى فراشه ...
----------
الحلقة (2)
العشاء الأخير
نفس الوقت ... جلس مسرور أمام مائدة العشاء
جدران القصر من حجرالجرانيت اللامع المصقول ،
و أرضه من المرمر الفضى الشاحب
و سجاجيد العجم تتناثر على الأرض كيفما اتفق
و بإهمال يكشف عن ذوق مترف ...
أما مائدة العشاء فكانت من حجر الجاد الكريم ،
أما أقدام المائدة فقد صنعت من الذهب الخالص
كانت الأطباق من الذهب ، أما الكؤوس فمن زجاج نادر أغلى من الذهب ،
و كان مسرور يجلس فى صدر المائدة على كرسي ذهب
ألقى عليه فراء ثعلب ضخم ... كان وجه الثعلب طويلا "ببوزه" الممدود
و كان الفراء يبعث بمجرد وجوده على الدفء
انحنت الجارية و صبت لمسرور كأسا من النبيذ
كان النبيذ جيدا توحي رائحته بحقل كامل من العنب
و دارت رأس مسرور فالتقط قطعة من لحم الطاووس المشوي وراح يمضغها على مهل ...
كان يفكر فى لا شئ ... و راحت الرياح تصفر حول قصره
و لكن الرخام المصقول كان يتأمل الرياح بنظراته الجليدية غير العابئة
قال مسرور و هو يتأمل ميل الأشجار فى حديقة قصره من خلال نافذته الكريستال :
- يبدو أن شياطين الرياح قد أطلقت من عقالها ... قال كلمته وضحك ...
واهتز المدعوون إلى مائدته بالضحك مجاملة له
و عاد مسرور إلى سمومه و ابتلع جرعة أخرى من النبيذ فى لون الورد فأحس أن رأسه يثقل
رفع رأسه وسأل الحاضرين :
- هل تعرفون كم أنا غنى ؟
تطلعوا إليه بعيون مستخذية يوشيها التلهف :
-لا نعرف ... حدثنا أيها السيد العظيم
- إن كل ثانية تمر ... و مع كل حبة رمل تسقط
من الساعة الرملية ... تزيد ثروتى مائة جنيه من الذهب
شهقوا من الدهشة !!!
و ...
وعاد الباب ينفتح فى كوخ مقرور
---------------------
و للحديث بقية ... ما دام في العمر بقية