شكرا يا د/ هووبة و د. /O.R.S على ما طرحتموه من رؤى ناضجة و تجارب و حلول مقترحة.
ما طرحته من تساؤل حول نظرة المجتمع نفسه لوسيلة الدروس الخصوصية تلك النظرة التى تدفع بالأبناء لكليات القمة يضع عدستنا المكبرة على بذرة الخلل. المجتمع تغير كثيرا بمفاهيمه و هذا التغير فى مجمله ليس حميدا بل مرضيا. حتى فترة منتصف السبعينات من القرن الماضى لم تكن هذه الظاهرة موجودة بل من كان يعطى أبنه درسا كان يعاير بضعف ابنه. و كان الأبن لايصرح لأقرانه بهذا الأمر حتى لايوصم بالضعف العقلى. هذا بالرغم أن العملية التعليمية كانت قريبة جدا مما نعايشه الان. إذن مالذى تغير؟.
فى ظنى ان هذا التغير فى المفاهيم بدأ مع بداية الطفرة المادية فى المجتمع المصرى فى نهايات السبيعنات بوفرة المال المستجلب من المصريين العائدين و الذاهبين الى أرض البترول فى الخليج و السعودية. نقلت كثير من الأسر بالتدريج من الطبقة الضعيفة ماليا الى الطبقة الوسطى ثم الى الطبقة فوق الوسطى. فكانت أحد أعراض هذه الحقبة هى تجميل هذا المستوى الإجتماعى الجديد بمستوى أدبى محترم (بأبناء فى كليات القمة) فهذا عند تلك الأسر يعتبر استثمارا لهذا المال الفائض و علو منزلة فى المجتمع. أنا مازلت أتكلم فى ظاهرة و نسبة لم تزيد عن 20 % فى هذا الوقت. بالتالى اصبحت النظرة للمدارس الفنية و التجارية و كليات الجامعة الأخرى (و التى لا تقل أهمية بحال فى المجتمعات السوية عن الكليات الطبية و الهندسة) نظرة دونية فى نظر الجميع اباء و ابناء على السواء حتى أنها تكاد تكون فضيحة للأسر ان يكون أحد أولادهم فى هذه المجالات التعليمية الفنية أو الحرفية أو الأدبية. زد على ذلك ان رواسب قديمة فى المجتمع (لها أسبابها و ليس مجال الخوض فيها هنا) جعلت شرائحة فى حالة تنافس و تحاسد تصاعدى أدت الى استفحال هذه الظاهرة حتى عمت معظم الأسر تقريبا لدرجة ان الأب يمكن ان يشتغل على فترتين ليماشى هذه الظاهرة فى وضع أولاده فى هذا الخضم (اموال --- دروس -- مجموع اعلى --- كليات قمة) و حتى لايسبقه جاره أو معارفه.
طبيعى جدا فى نظام تعليم يعتمد أساسا على التعلم بالحشو ثم التذكر ثم الإسترجاع و هى أقل المهارات التعليمية المطلوبة فى إنشاء عقلية الطالب تصير الدروس هى الحل الأمثل لتقوية الذاكرة بشئ من الفهم و تكرار الشرح. حتى ماتفضلت الدكتورة هووية بتفصيلة مازالت فى إطار عملية تعليمية ليست نموذجية برغم تفوقها على النظام التعليمى المصرى فى كفاءته من حيث المعلم و الطالب و قياس معايير الإنجاز. إذن ماهو النظام التعليمى الأكثر كفاءة.
هو هذا التعليم الذى يعتبر ان الطفل عند ولادته هو مشروع مواطن مؤسس لحضارة و ليس مصيبة على البلد يجب وقف نموه و الخلاص منه بالتهجير أو بالكبت عندما يكبر و يصير مجرد رقم قومى.
تعال مع الى اليابان مثلا (اقول ان حضارة امتنا الإسلامية اسبق من قبل) فالطفل هناك من أول الحضانة تجند له الجيوش من التربويين و المدربين ليس الغرض هو حشو الدماغ ولكن التعليم بحل المشاكل و المشاركة الجماعية التى تحفز فصوص المخ و ترتب المنطق الإستدلالى و تجعل التعليم متعة. زد على ذلك غرس أهداف الدولة فى هذا الطالب ليتعود و يتدرب على تجسدها مثل تنمية المسئولية الفردية تجاه نفسه و تجاه الأخرين من ناس و حيوان و بيئة (مثال: يعطى الطفل بذرة نبات لتزرع فى أصيص خاص به و عليه رعاية النبات و متابعة و تسجيل النمو و عدد الأوراق مثلا و الزهور و على التلميذ حمل هذا النبات فى أجازة نصف العام لمتابعة مسئوليته عنه فى البيت ثم حمله مرة اخرى الى المدرسة بعد انتهاء الاجازة ثم اعطاء درجات على درجة الاهتمام). تنمية روح الجماعة و روح الفريق (مثال: كل فصل دراسى - اقصد مجموعة الحجرة الدراسية -عليه واجب يومى أداءه يقيم و معهم معلمهم المرشد, مثال: تنظيف الحوش بالكامل - المساعدة فى طهى طعام المدرسة - لم أوانى الطعام بعد الغداء ....... الخ, هناك المدرسة يوم كامل من 8 صباحا حت الثالثة بعد الظهر). الخروج عن أسوار المدرسة الى الغابة و المصنع و المؤسسات لتعريف النشأ بالمجتمع. ملحوظة لدينا نشأ الان لايعرف ماذا يحدث فى مصر. كانت هذه أمثلة لأهداف و وسائل زرعها فى نفوس مواطنين المستقبل. تعال معى و انظر الى التربويات العالية (مثال: محرم على الطالب فى التعليم قبل الجامعى حمل مصروف جيب معه و الزى و شنطة المدرسة موحد بالقانون) حتى لاتظهر اثار الفروق الطبقية على نفوس الطلاب من خلال ملابسهم أو نوعية طعامهم الإستهلاكى حتى ينضج الطلبة فى مرحلة المراهقة فينمون كمواطنين اسوياء متعاونون متحابون متكاملون. و الكثير الكثير من المناهج المهدفة لـتأسيس هذا المواطن النافع. حتى فى دخول الكليات. لا يدخل الطالب أى كلية إلا بـ Enterance exam شفوى و تحريرى تريد الجامعة فيه معرفة ميوله الحقيقية و مدى عمق معلوماته و خبراته. و يمكن لطالب حصل على مجموع ممتاز ان لا يدخل كلية طب مثلا و ذلك لأن المجموع وحدة لا يكفى لدخولها بل هو مجرد عامل من ثلاث عوامل. اللهم الا كان مصمما فليدخل جامعات خاصة ذات مصاريف عالية جدا. حتى هذه لها نفس الإمتحانات و إن اختلفت حدتها.
ما تكلمت عنه سابقا هى العملية التعلمية المتكاملة الغرض منها بناء انسان يكمل و يعلى حضارة الاباء حتى يكون لبلده موضع قدم وسط الأمم .
نجىء لمسئولية الفرد (حتى لو هو يعيش فى بيئة غير مثالية).
و هو ان يكون (و ذلك بعد البلوغ و الرشد) رائد نفسه. انت تفتح مستقبلك بنفسك و على حسب زاوية النظر للمستقبل تكون دافعية الفرد للتعلم المتكامل الجاد و ليس بقوة دفع المجتمع الذى أصبح ينظر الى الدروس على انه طعام يومى مستمر و ليس دواء وقتى.
أحيانا أظن انه يجب ننسيان جيل الأباء و نبدأ البرنامج التعليمى المتكامل مع البذرة الأولى فى بداية معترك الحياة التعليمية (الإبتدائية) حتى يخرج جيل بعد 12 عام من التعليم المتكامل يكون هو بداية مصر ام الحضارات بحق. لا أقول هذا كحل أوحد و لكن خطوة مهمة يمشى معها بالتوازى علاج المجتمع الحالى حتى يكون محضن جيد لنمو الجيل البذرة بلا عوائق.
بالطبع لا أستطيع أن اتجاهل عوامل استراتيجية و هامة لابد ان تصاحب و تخدم تلك المرحلة حتى يصبح حلم مصر العظيمة حقيقة و هى:
1. تعميق مفهوم الحرية فى المجتمع (مجتمع بلا حرية ينتج عنه مجتمع بلا إبداع مجتمع تابع).
2. تعميق مبدأ التمكين لأهل الخبرة لا أهل الثقة فى كل مناحى الحياة المدنية.
3. استجلاب طيورنا (عقولنا) المهاجرة و التى يعصرها الغرب حاليا للمشاركة فى تلك النهضة مع التمكين لها.
4. تنقية الأجواء من مفسدات النهضة.
5. ان لا ننغلق على أنفسنا فأمتنا المصرية تملك مايؤهلها لقيادة و ريادة تلك البقعة الوسطى من العالم و هذا يزيدنا قوة على قوة.
أخيرا هذه مجرد خواطر حول قضية الدروس التى هى عرض من أعراض شتى و سبب فى نفس الوقت لبعض ما نعانى منه من تشوه فى الثروة البشرية. لا أطيل عليكم و افتح المجال لكم ايها الأحباب لإقتراح خطوات عملية تحلمون بها أو نماذج مجربة تعلمونها أو عايشتموها مع فتح المجال ايضا لمزيد من التحليل حول التعليم بصفة عامة و الدروس الخصوصية بصفة خاصة.
محاور المداخلات كثيرة فتفضلوا.