عندما تخرج الصراصير
قصة قصيرة
ينظف.. يغني.. يعمل.. ومنهمكاً في ذلك..
خرج عليه فجأة.. وقال له أتسمح لي -أو لا تسمح -أن أشاركك في التنظيف فجسدي مُتسخ ولقد مللت من سكني هذا..وأريد التحدث معك بإرادتك أو رغماً عنك..
لم يلتفت إلي الصوت الضئيل..لم يسمع شيئاً واضحاً ولم يهتم بمحاولة سماع شيء في الأساس..فهو مشغول بالفعل...
عاد صاحب الصوت الضئيل يقول له من جديد بصوت أعلي:
أنت!...أنا هنا!...لقد طلبت منك المشاركة.. وأنا لي صوتي ومسموع وأري أن لك أذن آدمية كبيرة....
هنا التفت إلي الصوت الضئيل- بالنسبة له- ولم يصدق عينه فهناك من يحدثه بالفعل.. وانتظر قليلاً ليتأكد من ماهية هذا المُتحدث...
تهللت أسارير المُتحدث صاحب الصوت الضئيل وقفز لأعلي فرحاً ويقول وهو مُبتسم أراك قد رأيتني الآن...
اندهش وفرك عيناه ولم يصدقها تماماً... فمُحدثه هو صرصور...
الصرصور: لقد خرجت للتو من تلك البلاعة المُملة وأردت أن أتمشي قليلاً ، فلقد سئمت منظر البلاعات ومن تلك الحياة المعتادة وأحتاج للتغيير وأتمني أن تخرج من اندهاشك العبيط هذا في وقت قصير...هؤ هؤ هؤ هؤ... حتي لايضيع الوقت..اتفقنا..؟
هو: وقد تظاهر أنه خرج من اندهاشه) مالذي تفعله..!! أكنت تضحك الآن..أم تسعلْ..؟! هل هذا الهؤ هؤ.. هي طريقتك في الضحك أما السخرية أم ماذا بالضبط..! ولماذا أنت هنا!.. لقد اعتقدت أنني هنا لوحدي.. وها أنت الآن تخرج .. وتُحدثني وتضحك..من أين جئت ..!؟
الصرصور:أولاً..نعم هي ضحكات من الإنبساط وأيضاً ضحكات تبرز القوة بالتأكيد... ولقد كنت في مكاني المعهود في تلك البلاعة هناك مع بعض اللهو هنا وهناك...وأنت أين كنت قبل حدوث الكارثة..!؟
هو: أنا أيضاً كنت في مكاني في العمل إلي أن حدثت الكارثة.. ولم يعد إلا أنا وانت الآن في ذلك المكان ولكن أعلم جيداً إني لست مثلك وأنا شأني أعلي من شأنك تماماً..فأنا بني آدم لي عقل وأنت مجرد صرصور فلا تحاول الإستمرار في حديثك وانصرف...
الصرصور: نعم من الواضح أن لك عقل لذلك أنصحك بألا تخبر أحداً أنك كنت تكلم صرصوراً.. أيها العاقل...(وأطلق ضحكته)..... هؤ هؤ هؤ هؤهؤهؤ هؤهؤ .
مهلاً..مهلاً.. شأن ماذا الذي تتحدث عنه!.. ألا تري هذه الكارثة العالمية والعالم يغرق ويضيع وأنت تقول لي بكل فخر.. شأن!.. طُظْ فيك وفي شأنك ده...!
هو: في غضب) لولا هذه الفوضي التي نعيشها الآن.. لدهستك تحت قدمي كما تعتاد دائماً منا.. ياكلب..
الصرصور: (مهدداً وقد انتصب شاربه ورفع قامته) لا.. لا.. توقف.. أنا موش كلب وأحذرك من الخطأ في الحديث.. فأنا سيدك الصرصور.. والآن تحدث معي بأدب...
هو: نعم سأتحدث بأدب فأنت الآن السيد حقاً في ظل هذه الفوضي .....متأسف لك ياسيدي الصرصور ثم قال في نفسه متوعداً ( هذا مؤقتاً إلي ننتهي مما نحن فيه وسألقنك درساً قاسياً.. سأعلقك من شنبك هذا الذي تتغني به أيها القذر.. فقط انتظر!!)
الصرصور:(مُنبهاً) ها.. أنت معي!..أين ذهبت!..أظنك تفكر هل سأقبل عذرك أم لا حتي لاتنال مني عقاباً..حسناً.. سأكون الكبير هنا وأتقبل أسفك.. فأنا لن أنزل لمستواك الوضيع هذا...
ثم أردف في تكبر واستعلاء:
دعنا الآن نتحدث عن المفيد...فأنا أعرفكم جيداً تعشقون الرغي واللغو...
هو: ماهو المفيد بالنسبة لك..وكيف عرفت عن هذا الرغيْ...!!؟
الصرصور: إنني أسكن في الحمام ونراقبكم جيداً...!! ولقد امتلأت رؤوسنا بتلك الأغنية حتي أصابتنا بالصداع..."الميه تروي العطشان و تطفي نار الحيران"...ألا يرتوي هذا العطشان أبداً...وهذا الحيران ألم تنطفئ ناره بعد..!!ولكن لن نتسمع لهذا الهراء بعد الآن....جاء الوقت لأن تستمعوا أنتم لنا..وتحسنوا الإستماع!..
هو:لحظك السعيد.. وللأسف.. أنا الآن لست مؤهل لفزلكتك المملة هذه!.. ألا تري أننا في كارثة!!...
الصرصور: بالتأكيد أري ذلك وسعيد بهذا.. فأنتم سبب هذه الكارثة العالمية بسبب غبائكم وجهلكم أيها الإنسان العاقل.. أظن قد وصفت نفسك بهذا من قبل: عاقل..
أي لديك مخ أليس كذلك!!.. أتسائل في غيظ: أين أجد هذا المخ!؟.. أظن أنكم قد وضعتموه منذ زمن في رغيف خبز وأكلتموه بالهنا والشفا...أليس هذا صحيح..؟!!
هو: للأسف نعم نحن سبب الكارثة التي أعيشها الآن...وسبب خروج أمثالك رغماً عنا...وسبب استماعي لحديثك العبثي هذا.. يالأ شكالكم البشعة المُريعة.. كلما أنظر إليك أشعر برعشة تزحف بأرجلٍ مشعرة علي جسدي!.. ياللبشاعة...!!
الصرصور: أراك تهزأ!.. اعلم عاقبة سخريتك جيداً.. فنحن كثرة.. ألوف مُؤلفة.. نستطيع التهامك وهضمك في ساعة واحدة.. وتخيل إحساس جيش من الصراصير يزحف علي جسدك.. تخيل الآن.. حتي تتعرف جيداً علي مصيرك المُنتظر!.. ولن ينقذك أحد لأنك ببساطة وحدك هنا في هذ العالم الضائع..
هو:اتركني وفقط.. دعني الآن في عملي ألا تري أني مشغول....
الصرصور: نعم أراك جيداً.. وأراك أيضاً تحاول تصحيح مافعلتموه.. ولكن انسي ذلك فلن تستطيع فعل شيء.. وتقبل الوضع...فأنا الآن هنا السيد وأنت أصبحت خادماً لي ولعشيرتي فنحن لنا القدرة علي البقاء في ظل جميع الكوارث النووية ولنا اليد العليا هنا..أما جنسكم فقابل للفناء.. ولذلك تقبل بروح رياضية أن تكون خادماً لنا.. أو يكون رغماً عنك...(وأطلق ضحكته)
هؤ هؤ هؤ هؤ هؤ....
هو: حان الآن انهاء هذا الحديث العبثي...واختفي من أمامي الآن وإلا...........
الصرصور: (متعجباً) أتأمر..وتتوعد!!.ألا تري أنني يجب أن أقوم بهذا الأمر والتوعد وليس أنت.. أظنك لم تفهم جيداً ماقلته وتحتاج درساً قاسياً حتي تتعلم..
هو: قال في عصبية) أظنني أنا الذي سألقنك هذا الدرس إن لم تصمت أوتغادر.. ألم تري جيداً بعينيك الضيقتين أيها الضئيل الإنتهازي أن الفوضي قد انتهت والعالم الذي تظنه مُنهار من القنابل النووية التي تدعيها قد تم اصلاحه..انظر من حولك!!
الصرصور: وقد رفع شاربه لأعلي متعجباً) أي عالم الذي تم اصلاحه!!!!
هو: (متهكماً) اسمحي لي أيها الحقير أولاً قبل أن أجيبك أن أطلق ضحكة الإنسان العالية..هاهاهاهاهاهاها...هذه هي الضحكة القوية التي تصدر عن الأقوياء وليست الضحكة المكتومة الضعيفة الباهتة التي تخرج من بغيض انتهازي مثلك..
خاف الصرصور وانتفض جسده من الضحكة القوية الرنانة ومن حديثه شديد اللهجة...وترقب أن يفهم الوضع الآن...
هو: أين ذهب عقلك الآن.. بالمناسبة.. كم هو حجم عقلك أيها المُتحذلق!...
ثم أردف بلهجة قوية صارمة :
ادخل الآن إلي بلاعتك القذرة حيث مكانك المعتاد ألأ تري أني قد أصلحت ماسورة المياه المنفجرة..ولم تعد هناك فوضي كما تعتقد..لقد صورت لك ضئالتك أنا عالمنا قد انهار بقنبلة نووية...هاهاهاهاهاهاهاها.. ولم تكن إلا مجرد ماسورة مياه أيها الأبله البغيض.. كان يجب أن تتأكد أولاً حتي تستطيع التذاكي علي حق.. هاهاهاهاهاها...ثم تجهم وجهه فجأة وصاح في شدة بعيون حادة:
هيا ادخل الآن إلي مكانك.. وإلا دهستك تحت قدمي وأرقت دمائك البيضاء العفنة..
انخرص الصرصور ولم ينطق بأي كلمة واندفع خائفاً مرتعداً لينجو بنفسه داخل البلاعة ولم يخرج بعدها أبداً..
تمت
بقلم: محمد فهمي الزحاف
منتظر:
آرائكم
ملحوظاتكم
ونقدكم