الحلقة الرابعة
أعلم جيدا أنها نفس البيوت , نفس الشوارع , لكن ما عايشته كان حالة غريبة سيطرت على كياني فبدا كل شيء مختلف وكأنني أرى معالم قريتي للمرة الأولى ,, فغرقت في أدق تفاصيلها متشبثا بتلك الحالة التي فتحت عيني على عالم جديد لم أستشعره من قبل .......
كنت منهكا جدا أبحث عن أي فرصة للنوم أو مجرد الإسترخاء ,, لكن في ظل ثورة الأفكار لاسبيل للنوم ,, باغتتني أفكاري بسؤال كنت أهرب منه خلال الشهرين المنصرمين ,, هل ما تفعله الآن ضروريا ؟؟ حاولت البحث عن جواب اقنع به نفسي لا الآخرين لكن لم أستطع الجواب ,, فوجدت نفسي أمام السؤال ذاته لكن بصيغة مختلفة ,, ألا يوجد حل آخر بدل من السفر ؟؟ السؤال هذه المرة يبدو أسهل لكن الجواب مازال مستعصيا ,,, فسارع قلبي الذي كتم غيظه طويلا وصبر كثيرا على هذا العقل المتعجرف الذي طالما اتخذ قرارات قاسية لم يظلم بها نفسه وحسب بل طالت قسوتها كل الأعضاء وامتدت شظاياها إلى الأحباب والأصحاب الذين كان عليهم تقبل فكرة الرحيل دون نقاش أو جدال وربما دون معرفة أسباب ,, سارع يقول بلى هناك الملايين من الحلول التي ربما كانت أفضل .......
استغرقت رحلتي للمطار ساعتين ونصف ,, نشبت خلالها معركة لا بأس بها بين القلب والعقل وبدت العين من أكثر المناطق تضررا نتيجة ارتفاع حرارة المواجهة ,, حاولت الهروب والتحدث مع أبي لكنه مازال مضربا عن الكلام معي واكتفى فقط بقول ( انت كويس ) كلمات كانت كافية لعودة الأمل ,, فليس هذا وقتا مناسبا يا أبي لتحاسبني فيه على حماقاتي ...
خرجنا من السيارة ,, ودعت صديقي ( أحمد محمود ) صاحب السيارة ,, أخرجت حقيبتي وارتميت في أحضان أبي محاولا كسب تعاطفه ولو مؤقتا ,, وانطلقت نحو بوابة الدخول فنادني أبي قائلا ( مش عاوز قرش حرام يدخل بيتي ,, فاهم ؟؟ ) ,, مقولة أكدت ما كنت أخشاه وجاءت بالخبر اليقين ( أبي لم يعد يثق بي البتة ) ,, التفت بسرعة نحو البوابة وحاولت الإنطلاق لكن شعرت بقطرات أشبه بالمطر تنهمر على وديان وجهي وحدث مالم أكن أتوقعه يوما ,, نعم أنا أبكي و ليس دمعة أو دمعتين بل كل ما ادخرته عيني على مدار أكثر من عشرين عاما ...
إنها مرتي الأولى التي أدخل فيها المطار وبالتالي أول مرة سأركب الطائرة ,, تتبعت التعليمات وحاولت ألا أبدو جاهلا أو أصدر أفعالا تقلل من احترام الناس لي لدرجة أنني بالغت في التمثيل فبدأت أتلقى استفسارات من الأخوه المسافرين ,,, في وسط المتاهات اللي في قلب المطار لقيت نفسي رايح أوزن شنطتي مع الناس اللي مسافرين نيويورك ,, وبعد ما وقفت معاهم مش أقل من ربع ساعة بدأت أحس ان استحالة الناس دي يكونوا رايحين يشتغلوا في السعودية ,, فسألت من باب الاستفسار وعرفت الحقيقة ...
كنت أخشى أن يتجاوز وزن شنطتي الوزن السموح فلا أريد أن أخسر شيئا من محتوياتها ,, وكان لي ما أردت ,, عبرت البوابة نحو صالة الانتظار ودخلت لعالم آخر تتحكم به الثواني ,, جلست جوارهم أفعل كما يفعلون أراقب كل حركة يصدرها عقرب الثواني في ساعة الصالة ,, لم أحتمل التوتر كثيرا فهرعت لدورات المياة دخلت إحداها وخففت قليلا من الضغط الذي تمارسه الدموع على جفوني وفي نوبة من الجنون ضربت رأسي مرارا بالحائط أعاقب هذا العقل الغبي الذي اتخذ هذا القرار الظالم ......
كان من المفترض أن طائرتنا ستقلع في الثامنة والنصف لكن الساعة الآن قاربت التاسعة والطائرة لم تصل بعد من رحلتها السابقة ,,, خلال فترة الانتظار تلقيت عددا لا نهائي من المكالمات البعض يطمئن والبعض يعلم ما يمر به المسافر فحاولوا جاهدين إخراجي من هذا الوضع وإليكم مثال مكالمة بيني وبين صديقي ( محمد نجاح ) :=
( محمد) ___ السلام عليكم , عامل أيه يا نجم ؟؟
( أنا ) ___ وعليكم السلام ,, تمام الحمد لله ..
( محمد ) ___ انت في الطيارة ولا فين ؟؟
( أنا ) ___ لأ أنا ف المطار لسه
( محمد ) ___ ف المطار بتعمل أيه ؟؟ انت المفروض تكون طاير دلوقت ..
( أنا) ___ الطيارة لسة وصلة من رحلة دلوقتي ,, هتريح شويه ونطير على طول ..
( محمد ) __ أدي أخرة اللي يركب مصر للطيران ,, قولتلك احجز في ( air lines ) فضلت تقول المنتج المصري اشرب بقى ,,, ع العموم طيارة الخطوط السعودية هتكون طايرة جنبكم لو عاوزين منهم أستيكة سلف براية ,, شربة بنزين أو زيت متتكسفوش اطلبوا من الكابتن وهو مش هيتأخر ...
المكالمة انتهت وسمعت النداء ( السادة المسافرين على متن الرحلة 676 المتجهة لمدينة أبها عليهم التوجه للبوابة H1 ) ,,, لازم حلقة اليوم تخلص دلوقت عشان ألحق الرحلة ,,,, سلام عليكوا ,,,,,,,,,,,,,,,
إبراهيم رأفت 