الحلقة الثامنة والعشرون ( أنا مش عارف أخد قرار ,,,,,,,,,)
لم أشعر بنفسي إلاّ في صباح اليوم التالي ,,, نمت على الكنبة في الصالون ,, لم أشعر ببرودة الجو وكيف لي أن أشعر بالبرد وهناك حريق داخلي أشعل الحيرة في جميع ذرّاتي فانشغل عقلي في بحور التفكير ونسى كل ما يحيط به ,,,أيقظتني والدتي حوالي التاسعة صباحا ,,, صليت الصبح وحاولت تناول أى شيء فلم أستطع فسحبت نفسي بهدوء نحو غرفتي ,, همّت والدتي تلحق بي لكن أبي طلب منها تركي وحيدا ,,,,
جلست أستدرج في الدموع فلا تواتيني ربما لو نزلت دمعة تهوّن شدة الحدث ,,, غرقت في بحور من الذكريات صوري أنا وسارة في كل مكان في الغرفة وكل صورة تحمل في ثناياها قصة لم تشهد الدنيا لها مثيل ,,, وكأنّ الصور تعلم ما حدث للعاشقين ( حديث القرية بأسرها ) ,,, فبدأت تلك الصور تصطف في تتابع زمني لتعرض فيلما نادرا لم تكتبه أيادي البشر بل كتبته وباركته ايادي السماء ,,, معظم أحداثه لم تلتقطها كاميرات المصوّرين ولا عدسات الصحافة لأنّها حدثت في عالم الذّر قبل خلق البشر حدثت في رحم أمي وفي رحم أم سارة ,,, قصة من قصص ألف ليله وليله ,,, ربما لا تستطيع العقول البشرية محدودة التفكير أن تفسر كيف يرتقي الحب بين قلبين كما رقى بين قلبي وقلب سارة ,,, مازالت الصور تعرض أحداث من رحلة حبنا المجنونة ,,, لقطات من تلك اللحظات التي يفقد فيها العقل إدراكه ويسلّم بأمر القلب الذي لا يتوانى عن رسم الحب بأعذب الطرق وأكثرها صدقا وبراءة ,,, حب سارة لم يكن مجرد شعور دخل قلبي واستسلمت له بل حبا صنعت أنا وهي من اجله وتجمّعت حوله باقي أجزاءنا ................
أحاول بكل ما أمتلك من خيال واسع وأفق ممتد أن أرسم صورة لسارة الآن ,, أصارع بقايا تردد داخلي تأخّر إنطلاقي كالمجنون إلى بيتها ,,, وهنا تبدأ أصعب رحلة مررت بها في حياتي ,, بعنوان ( ماذا أفعل ) فهنا لم يعد الكلام الجميل المنمّق دليلا وبرهانا على الحب ,, هنا يجب للأقوال أن تندثر ويجب عل الأفعال أن تستكمل الرحلة .........
قاطعني في لحظات الصمت تلك صوت والدي يتحدث مع والدتي وكأنّهما حاولا إخباري شيء بطريقة غير مباشرة فأدارا الحوار التالي أمام غرفتي مباشرة وإليكم ما يلي :-
* أبي * وكيف حال أهل سارة ؟؟
* أمي * وكيف سيكون حالهم,,, يتملّكهم الحزن الشديد على ما حلّ بهم من ألم
* أبي * لا حول ولا قوة إلاّ بالله ,, اللهم ارزقهم الصبر وفرّج عنهم الكرب ,,,, وهل رأيت سارة ؟؟؟؟
* أمي * نعم ,, رأيتها ,,, كانت جالسة وحدها منعزلة في غرفتها تحاصرها صورها هي وابراهيم ,, والدموع مبتفرقش عنيها ,, أول ما شفتني ارتمت في حضني ,,, حاولت أتكلّم معاها بس معرفتش ,,, البنت بتمر بحالة نفسية سيئة جدا ,, أنا خايفة عليها قوي ,, سارة مش بس كانت هتبقى مرات ابني دي كانت هتكون بنتي وأكتر كمان
* أبي * ومين سمعك يا حاجة ,,, البنت زي البلسم وكل اللي بيشوفها بيحبوها كده على طول ومن غير سبب
* أمي * ابراهيم مخرجش من غرفته لحد دلوقتي ؟؟
* أبي * لأ مخرجش ,, الموضوع صعب برده عليه وانت عارفة ابراهيم بيحب الأطفال وبيعتبرهم أجمل مخلوق في الكون وانتي شايفة إزّاي بيحب ولاد خواته البنات وبيعاملهم بطيبة وحب أكتر من أبوهم وأمهم كمان
* أمي * طب ما تدخل تشوفه ,, هنسيبه لوحده كده ؟؟؟؟
* أبي * أنا كنت داخل له بس انتي جيتي فقلت أشوف سارة عمله أيه الأول ......
استأذن أبي للدخول ,,, دخل واقترب من السرير حيث جلس جانبي ,, وطلب منّي الخروج لتناول الغداء ,,, لكنّي تمكنت من نطق جملة ( أنا مش هقدر آكل يا حاج ) ,, فطلب منّي النهوض لأداء الصلاة فهي الوسيلة المتاحة لكل مسلم يقع في ضيق ليناجي ربه ,,, فقمت وبدأت أصلّي محاولا فهم الكلمات التي ينطقها لساني لكن لم أستطع فقد غلبني البكاء وهذا نادرا ما يحدث ,,,, كل ما أتذكره عن صلاتي تلك أنّها فاضت بالخشوع والتذلل لله .....
مازلت أمتلك يوما آخر في أجازتي ,, وقد قررت العودة للخدمة العسكرية الآن ,, أعلنت هذا الخبر المدوّي على العائلة ,,, لكنّي لم أستطع قراءة ردّة فعلهم بوضوح حيث كانت الحيرة تجبر عينيّ على قراءة نصف الحقائق فقط ,,, فدخلت غرفتي وأذكر ,, أخذت وقتا طويلا جدا في تغيير ملابسي ,, لم أحلق ذقني ,, ملئت شنطتي بصور ( سارة ) وترددت كثيرا في الخروج ,, لكنّي خرجت لأنظر حالة من الصمت والحزن والخوف الشديد على ما يمر بالعائلة ( فقد كانت تعرف بعائلة أصحاب السعادة ) والآن بدت الديار وكأنّها لم تشهد يوما ذرّة سعادة ,,, أحضان عميقة جدا وقبلات وداع وصوت بكاء أمي أشياء أثقلت كاهلي ( فأنا لا أحب أجواء الوداع والحزن عادة وكنت أهرب من تلك المواقف طوال حياتي ,,, اعتدت على مواجهة الصعاب وتحمل نتائج قراراتي ) لكن تلك المرة بدوت ضعيفا ومنكسرا وهذا ما دفعني للعودة للجيش قبل يوم على انتهاء أجازتي لأواري هذا الضعف عن والدي الذين اعتادا رؤيتي قويا لا تقدر عليّ الصعاب ,,,, لم أقف أمام الباب ولم أنظر في ساعتي وهي علامات أظهرها عند رغبتي في رؤية سارة فبيل رحيلي في المرات السابقة.....
لكنّي عندما أمسكت ب ( أوكرة الباب ) فاجأني صديقي ( أحمد عبد الدايم ) أمام الباب وصرخ بوجهي ( لقد رأيت سيارة والد سارة وجميع أفراد العائلة في طريق السنبلاوين _ القاهرة الزراعي ,,,, وإليكم إطلالة سريعة :-
* أنا * انت بتقول أيه ؟؟؟؟
* أحمد * بقول لك شفتهم مسافرين القاهرة
* أنا * ومستنّي لحد ما توصل هنا وبعدين تقول !!!! ( وجررته إليّ من لياقة قميصه ) ,, متصلتش بالتليفون ليه يا غبي ؟؟؟
* أحمد * حاولت أتصل على موبايلك لكن كان بيديني مغلق ,,, والتليفون الأرضي كان بيرن ومحدش بيرد
* أنا * طلّعت تليفوني من جيبي فوجدته مغلقا بالفعل ,, وكدت أقتل نفسي عندما تذكرت أنني أغلقته منذ الصباح ,,, سارع أبي نحو التليفون الأرضي ليجده بدون حرارة..
* أبي * كانوا فين بالظبط يا أحمد لمّا شفتهم ؟؟؟؟
* أحمد * كانوا في ميت غمر
* أبي * يعني زمنهم داخلين القاهرة دلوقتي
* أمي * طب ياترى راحين فين في القاهرة ؟؟؟؟؟
* أنا * سارة ليها إبن عم أبوها ساكن في شارع مكرم عبيد في مدينة نصر ,, أكيد راحوا له
* أبي * طب انت هتعمل أيه دلوقت يا بني ؟؟ انت المفروض تستلم خدمتك بكره الساعة كام ؟؟؟
* أنا * الساعة أربعة العصر
* أبي * طب استنّى بقى أغيّر هدومي وننزل مصر انت تروح على معسكرك وأنا هحاول أعرف ( ابن عم أبوها ) دا ساكن فين باظبط في شارع مكرم عبيد
* أحمد * أنا جاي معاكم
الحلقة القادمة ( بين قضبان حديدية ,,,,,,,,,,,,)
إبراهيم رأفت