تذكرت يوماً أيام طفولتي وقتما كنت أذهب الى المدرسة حاملاً حقيبة ظهري وبها جميع ادواتي , فأردت التعبير عن كل ما يوجد بها , فأجد نفسى بادئاً بتلك الحقيبة التى كانت تمثِّل الدنيا وما حولها لاجد كل ما بداخلها يذْكُر موقفاً يجبرنى أن أُعبر عنه فبداخلها دفاتري التي مَثَّلت حياتي وكل ما يُكْتب فيها تكبته تلك الأدوات الأخرى.
فهناك القلم الرَّصَاص ذُو المِمْحَاه والذي يكتب أحزاناً تَتْلُوها أفراحاً في صفحات ذلك الدَّفتر - فكل صفحة تُمثِّل يوماً من حياتي - فَتْغَار منه المِمْحَاه فتَمحِي أفراحي يوم حُزنِي , فتصير أفراحي صفحة بيضاء - فيَعُم الحُزْن بداخلي - فيُعَانِدها ذلك القلم لُيعِيد كتابة أَفراحي مرةً أُخرى - وكأنه جزء الذاكرة المَرِح داخلي - فهُما نَقِيضَان في شئ واحد يريد كل منهما أن يُثْبِت جدارته في وجه تلك الصفحة حتى تتمزق ويستمران في رحلتهما حتى يصلا إلى الصفحة التالية.
وهذا القلم العنيد - الذى لا يمحى ما يكتبه - الذي لَطَالَما تمنيت أن يَكُون هو من يكتِب أفراحي حتى لا تصل إليها أيدي تلك الممحاة , لكن ما يحدث هو العكس فهو يختَصّْ بكتابة النقاط السوداء في حياتي وطالما أردت أن توجد قوة هائلة لكي تُخفيها عني ,وأثناء كتابته لها يكتب ذكرياتٍ لا تُنسى من أجمل أيام حياتي , لكن تصميمه الشديد على إنْهَائِها يجعلها دوماً تنتهي نهاية غَيرُ مُرْضِيَة.
والمسطرة التي يستخدمها هذان القلمان لوَضْع حدود يومي وكتابة حياتي - كما يحلو لهما - على سطورها تاركين علامات التعجب والاستفهام لى محاولا وضعها فى مكانها الصحيح , لكن كيف سأضعها بدون احدهما ؟!! وأجِدُهَا فَرِحَة بما تفعل , فقد أُجْبِرَت لفعل ذلك ! وعندما تحاول أن تقف أمامهما - وتشعر ببعض الخجل مني - يأْمُرَانِها بصنع العديد من السطور , ويُزِيدَا في عنادهما , فتبتسم - ابتسامة صفراء - وتَمضِى في عملها , وكأنها تقول : عملي سر سعادتك واحتجاجي عليه سيزيدك شقاءاً.
وأجد ذلك القلم الاحمر - المعروف بحَزْمِه وقُوتِه - مُقبلاً ليضع حدوداً لمواقفي , ويرغب فى وصولها إلى قمة الاتقان , قَائِلاً الحق في كل وقت - مُتَجَاهِلا ما أريد - فيُخبرني خَطأي - فأتمنى أن يكون قلمي الرَّصاص من كتبه - لكن مع الاسف لا يخبرني كيف أصح ذلك الخطأ , وعندما يقترب هذا القلم من القلمان السابقان أجد حرباً تُشَنّ , فهما لا يُرِيدان أي تعديل فيما يكتباه.
وهناك تلك الكتب التى طالما حملتها متناسيا أنها دروس تلك الحياة التي يجب ألا أعيشها بل يجب أنن أتعلم منها لكن جهلي ويأسي يدفعاني إلى القائها بعيدا لكي أتعلم بمفردي.
وهناك ذلك الغلاف المُصْطَنَع الذى يُغلِّف دفاتري ليجعلها أجمل - مُنكراً الصِّرَاعَات التي تحدث داخلها فأتسائل ماهو أ غُلافٌ أم قناع ؟ لا أدري ما أسَّمِيه لكنَّه يُجِيد الكَذِب والتَّصَنُّع.
أخرج سريعاً من تلك الحقيبة , فكل أدواتها تتصارع مع بعضها من أجل إثبات ذاتها - وتحقيق تعاستي - لكنني دوما أحملها خلف ظهري , فإن رميتها انقطعت حياتي.