الشجرة الطيبة
قصة مش
منقوووووله
أوراق تتناثر تتبعثر ..... أشجار تتمايل تتبختر .... وطيور تجمل في المنظر .
ذلك المشهد الذي أثار فضولي وحزني في نفس الوقت , المشهد الذي أراه كلما يأتي الخريف ومعه رياح التغيير التي تهب بإصرار علي كل مكان لتعلن احتجاجها علي بقاء الأوراق في أغصانها ولا تهدأ لحظة إلا وقد اقتلعت كل الأوراق من أغصانها وبذلك تظن بجهلها أنها انتصرت علي الأوراق وأنها القوية صاحبة القرار وأنها أخضعت لها الأشجار.
أري المنظر من زجاج سيارتي المغلق بإحكام وإلا سأنال نصيبا من زوبعة التراب الثائر بالخارج .
الشمس وهي تحاول التمسك بآخر أمل لها في النهار دامية بضوئها الأحمر الخافت تاركة لنا ليلا طويلا مظلما باردا , يزيد الموقف حزنا علي شيء لا أعرفه أو خوفا من مستقبل مجهول . قدت سيارتي أو قادتني نحو مكان غير مألوف ولكنه لي معروف.... بيتي القديم الذي نشأت فيه وتخرجت طبيبا مشهورا .
نزلت من السيارة مسرعا . . . لا أعرف إلي أين أذهب أو كيف تركت سيارتي هكذا خارج بيتها المألوف المسمي بالجراج , ونظرت إلي سلم خشبي عتيق كالبيت تماما .
انتابني شعور غامض من الخوف والفضول حتى صعدت وأنا متمسك بالترابزين حتى اتقي شر السقوط في حفرة مجهولة غير مرئية , وفتحت باب الشقة التي خلت من أي شئ عدا خيوط العنكبوت التي نسجت بإتقان محكم وكأنها ترفع علم بلادها في أراضي محتلة جديدة .
كانت الشقة خالية من العفش إلا كنبة بلدي قديمه من أيام الخمسينات فاتكأت عليها وحاولت ألا انظر إلي صورة والدي المعلقة علي الحائط وتركت هناك بشريطها الأسود كما كانت منذ أكثر من ثلاثين عاما .
سمعت صوت أبي يحدثني عن أشياء غريبة بصوته الخشن الهادئ المميز للجميع
" يا بني إني لا أفرض عليك البقاء في البيت ولا ألومك علي تركك إياه ,, ولكني أري أن الرياح قد خدعت بقوتها وأن الأوراق هي التي استسلمت وتركت أغصانها دون مبرر واضح .. ودليلي علي ذلك أن الرياح قد خلعت الأوراق دون أن تهتز الشجرة بأكملها بل بقيت متمسكة بجذورها في الأرض لحين زوال الرياح ثم تستأنف رحلة الغذاء المعروفة من جوف الأرض إلي السيقان ثم إلي الغصون وتبدأ تكوين أوراقا جديدة ,, يابني كن كالشجرة الطيبة , تمسك بجذورك ولا تتركها للرياح كالأوراق ....لا تتبعثر مع أول رياح تغيير , بل تشبث بأرض أصولك وجذور تقاليدك "
ثم استيقظت علي صوت آخر غير صوت أبي , يبدو انه صوت إنذار سيارتي الفخمة , فنزلت مسرعا من البيت وتركته وحيدا كما كان حتى أبحث عن بعض الأوراق المفقودة من مكتبي بالأمس , ولكني وجدت نفسي مره ثانية أمام تلك الشجرة الخالية من الأوراق والتي أطلقت عليها من تلك اللحظة .. الشجرة الطيبة.
انتـــــــــــــــــــــــــــهي ,,,
بقلم
محــــمد وجــــــــــــــدي