صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: بصائر فى الفتن.........متجدد باستمرار ان شاء الله

  1. #1
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    780

    افتراضي بصائر فى الفتن.........متجدد باستمرار ان شاء الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد:
    فلا شك ان ما نمر به من ازمه فتنه عظيمه ولعلها لم تقتصر على مصرنا الحبيبه وفقط بل وعلى كل الدول
    فمحاوله منى تجاه دينى وبلدى واخوانى ان انقل بعض مماجاء به الشرع فى الفتن والتعامل ومعها
    عفا الله عنى وعن كل اعضاء المنتدى وادخلنا فسيح جناته


    حلقه رقم (1)

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فلقد خلقنا الله -تعالى- في دار المحنة والاختبار للابتلاء، فقال الله -تعالى-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك:2)، وقال الله -تعالى-: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يقول الله -تعالى-: نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال".

    (فِتْنَةً): أي لأجل الفتنة.

    (وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ): فنجازيكم بأعمالكم.

    - وبيَّن -عز وجل- أنه ابتلى العباد بعضهم ببعض لينظر ماذا يعملون؟ قال الله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) (الفرقان:20)، أي: اختبرنا بعضكم ببعض لنعلم من يطيع ممن يعصي.

    فالرسول فتنة للمرسل إليهم، واختبار للمطيعين من العاصين، والرسل فتناهم بدعوة الخلق، والغني فتنة للفقير، والفقير فتنة للغني، وهكذا سائر أصناف الخلق في هذه الدار؛ دار الفتن والابتلاء والاختبار.

    - والقصد من تلك الفتنة: (أَتَصْبِرُونَ)، فتقومون بما هو وظيفتكم اللازمة الرائقة، فيثيبكم مولاكم أم لا تصبرون، فتستحقون المعاقبة، (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) يعلم أحوالكم، ويصطفي من يعلمه يصلح لرسالته، ويختصه بتفضيله، ويعلم أعمالكم فيجازيكم عليها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر" اهـ بتصرف من تفسير السعدي.

    (أَتَصْبِرُونَ): استفهام للحث على الصبر والتحمل في ذات الله -تعالى-، والثبات على الأمر حتى يأتيكم الموت وأنتم على ذلك.

    - وجعل الله -تعالى- التمكين والاستضعاف فتنة لينظر ماذا يعملون؟ كما قال الله -تعالى- عن موسى -عليه السلام-، وهو يُصبِّر قومه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:128-129).

    وقال الله -تعالى- مذكرًا الصحابة -رضي الله عنهم- بنعمته عليهم: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال:26)، ولقد صبروا -رضوان الله عليهم- ومكَّن لهم، وجعلهم أئمة يُقتدى بهم، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج:41).

    - وفي زمان تمكينهم فُتنوا بأنواع الفتن فصبروا -رضوان الله عليهم- بعكس بني إسرائيل الذين نجاهم الله -تعالى- من فرعون وملئه، وأقر الله أعينهم من عدوهم بأخذه أخذ عزيز مقتدر أمام أعينهم، لما جاوز بهم موسى -عليه السلام- البحر: (فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (الأعراف:138).

    - ولما واعدهم الله -تعالى- جانب الطور الأيمن ليتم عليهم نعمته الدينية بإنزال التوراة على موسى -عليه السلام-، وتعجل موسى شوقًا إلى لقاء ربه ليزداد عنه رضا، واستخلف هارون -عليه السلام- على قومه ليأتي بهم على أثره، ففتنهم الله -تعالى- بالعجل؛ فمنهم من وقع في الفتنة -عياذاً بالله -تعالى-.

    قال الله -تعالى-: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى . قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى . قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) (طه:83-85)، وقال الله -تعالى- عن هارون -عليه السلام-: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (طه:90)، فماذا قالوا؟ (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) (طه:91). نسأل الله العافية.

    - (لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ بَلاَءٌ وَفِتْنَةٌ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، هكذا قال النبي --، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى نلقى ربنا -عز وجل-، وأخبرنا -- أنه ستكون فتن تموج كموج البحر؛ إشارة إلى شدتها وتتابعها، ووصفها بقطع الليل المظلمة التي لا قمر فيها ولا نور، الساري فيها على شفا هلكة إلا من عصمه الله بنور البصيرة والعلم، واليقين، والبرهان! وأنها عمياء صماء، يعمى كثير من الناس فيها عن الحق، ويصم بعضهم بعضًا آذانهم عن سماع الحق وقبوله أيضًا -عياذاً بالله-، ومن شدتها أن كثيرًا من الناس يبيع دينه بعرض من الدنيا ولو كان تافهًا حقيرًا.

    - وأخبرنا -- أن أهل ذلك الزمان تنزع عقولهم -عياذاً الله تعالى-، قال --: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ). قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ). قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ، إِنَّا لَنَقْتُلُ كُلَّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا! قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: (إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ -قليلو العقل، أراذل- مِنَ النَّاسِ، يَحْسِبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

    - ويبلغ الأمر بالمؤمن انه يتمنى الموت تخلصًا من البلاء كما قال --: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ) (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: (وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلا الْبَلاءُ).

    - وإذا كانت الفتن بهذه المثابة، فلابد للمؤمن من بصائر يستبصر بها طريقه في أزمنة الفتن التي لابد من وقوعها، كما قال الله -تعالى-: (الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:1-3).

    أولاً: فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد:

    إن الدين المقبول عند الله هو دين الإسلام، وهو دين المحاسن، وشريعته شريعة المصلحة، وحيثما كانت شريعة الله كانت المصلحة، والعدل والخير.

    قال ابن القيم -رحمه الله-: "إن الشريعة مبناها وأساسها: العدل، وتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل" اهـ.

    جاءت هذه الشريعة العظيمة -ولله الحمد-؛ لتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعليلها، فما من أمر إلا ومصلحته خالصة أو راجحة، وما من نهي إلا ومفسدته خالصة أو راجحة، وطريق معرفة ذلك الشرع؛ لا العقل، ولا الذوق، ولا العرف، ولا القانون، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)، وقال الله -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء:26-28).

    وقال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).

    ونهى الله عن الفساد في الأرض، فقال: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (محمد:22)، وأخبر الله -تعالى- عن صنف من المنافقين يفسدون في الأرض، ويسعون في الأرض بالفساد الذي لا يحبه الله (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205).

    ومن الفقه الذي يجب على كل مؤمن أن يفقهه في هذا الباب:

    1- إذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة، ولا نبالي بفوات المصلحة؛ لقوله -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (البقرة:219)، فحرمهما الله -تعالى-؛ لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد؛ فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنًا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له؛ فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورًا به، بل يكون محرمًا كانت مفسدته أكثر من مصلحته" اهـ.

    2- درء المفاسد مقدم على جلب المصالح إذا تساوتا، وإلا قدم الأعلى، قال --: (يَا عَائِشَةُ لَوْلا قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ وَبَابٌ يَخْرُجُونَ) (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية له أيضًا: (وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ) (رواه البخاري).

    قال ابن حجر -رحمه الله-: "فيه: اجتناب ولي الأمر ما تسرع الناس إلى إنكاره، وما يخُشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب، وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وأنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة، وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة.." اهـ من الفتح.

    3- لا يُنه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، ولا يُنه عن منكر يستلزم وقوع منكر أعظم منه: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما شُرع لتحقيق ما يحب الله ورسوله، فإذا ترتب على ذلك ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الشارع؛ فإنه لا يسوغ إنكاره، وترك الإنكار في هذه الحالة لا يعني إقرار المنكر.

    ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه.

    - وقد كان النبي -- يرى بمكة أكبر المنكرات، كالأصنام، ولا يستطيع تغييرها، ولما فتح مكة عزم على تغيير البيت، ورده على قواعد إبراهيم -عليه السلام-، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه؛ خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك؛ لقرب عهدهم بالإسلام، ولهذا لم يأذن بالإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من المفاسد.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد تُرك واجب وفعل محرم، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده، وليس عليه هداهم" اهـ بتصرف من الأمر بالمعروف لخالد السبت ص257 وما بعدها.

    4- الضرر يزال، والضرر لا يزال بالضرر: ثانيًا: الرجوع لأهل العلم وعدم سؤال الجهال أو الاستجابة لعواطف العامة، وأهل العلم هنا هم علماء الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة الذين آتاهم الله فقهًا وعلمًا وبصيرة الذين أمرنا النبي -- بلزوم غرزهم عند ظهور الدعاة على أبواب جهنم، الذين يدعون إلى البدع والفجور والمعاصي كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه- حيث قال: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي.. " وفيه: فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: (نَعَمْ. دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا؟ قَالَ: (نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ) (متفق عليه).

    وجماعة المسلمين هم أهل العلم المتمسكين بما كان عليه النبي -- وأصحابه، كما سئل إسحاق بن راهويه -رحمه الله- عن الجماعة، فقال: "عالم متمسك بأثر النبي -- وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة، ثم قال: لم أسمع عالمًا منذ خمسين سنة كان أشد تمسكًا بأثر النبي -- من محمد بن أسلم" اهـ.

    - وسئل ابن المبارك أيضًا عن الجماعة الذين ينبغي أن يُقتدى بهم؟ فقال: "أبو بكر وعمر، فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت، والحسين بن واقد. قيل له: من الأحياء؟ قال: أبو حمزة السكري".

    - وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك" انظر الاعتصام للشاطبي.

    - هؤلاء هم العلماء الذين تلزم غرزهم، ولا تصدر في أمر من أمورك اشتبه عليك إلا عنهم، قال الحسن البصر -رحمه الله-: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".

    4- التثبت وإنزال ما اشتبه بأهل العلم:

    أرشدنا ربنا -تعالى- إلى أنه إذا نزل بنا أمر من الأمن أو الخوف ألا نذيعه إلا بعد التثبت منه، ومراجعة أهل العلم، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً) (النساء:83). وأولو الأمر: هم العلماء الربانيون، والأمراء الذين يقودون الناس بكتاب الله -تعالى-.

    قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "هذا إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها، ويفشيها وينشرها وقد لا يكون لها صحة، وقد قال --: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) (رواه مسلم في مقدمة صحيحه بسند صحيح)، وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن رسول الله --: "نَهَى عَنْ ثَلاثٍ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ"، أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر، ولا تبين، وفي سنن أبي داود أن رسول الله -- قال: (بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

    - وقد نزلت هذه الآية بسبب ذلك حين أذاع الناس أن رسول الله -- طلق نساءه، فاستأذن عمر على رسول الله --، فاستفهمه: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: (لا). فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. (متفق عليه).

    وعند مسلم: "فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الأَمْرَ". ومعنى (يَسْتَنْبِطُونَهُ): أي يستخرجونه من معادنه.

    5- إشغال النفس بطاعة الله -تعالى-:

    إن النفس في أوقات الفتن مولعة بأحاديث الباطل، وتناقل الأخبار دون تثبت أو تروٍ، فالمؤمن في هذه الأوقات يُشغل نفسه بطاعة الله -تعالى-، ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

    قال --: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) (رواه مسلم)، و(الْهَرْجِ) هو: الفتنة واختلاط أمور الناس.

    - وتقوية الصلة بالله -تعالى-، التي فيها الخير والثبات، والهدى والأجر العظيم، قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (النساء:66-68).

    ويوم القيامة يكون مع الذين أنعم الله عليهم: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء:69). ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليمًا.

    - وأمرنا رسولنا -- بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل نزول الفتن؛ لأنها من المثبتات والحافظات، والسبب لمعية الله الخاصة.

    قال --: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا) (رواه مسلم)، وقال -- لابن عباس -رضي الله عنهما-: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية: (تَعَرَّفْ إلى الله في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ) (روه أحمد، وصححه الألباني).

    كما أن الله -تعالى- لا يُخزي من كان بهذه الصفة كما جاء في حديث بدء الوحي أن النبي -- قال لخديجة -رضي الله عنها-: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي). فقالت: "كَلا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" (متفق عليه).

    قيل: لقد خشى على نفسه الموت أو المرض أو دوام المرض أو الجنون أو غير ذلك إلى اثني عشر قولاً لأهل العلم.

    فقالت له خديجة -رضي الله عنها-: "فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا"، ثم ذكرت مكارم أخلاقه التي علمتها منه، وهي ألصق الناس به، صلوات الله وسلامه عليه.

    فمن كان بهذه الأخلاق وبهذه الصلة العظيمة بالله -تعالى-، فإن الله -تعالى- لا يخزيه، وإنما يكون معه بمعيته الخاصة معية الكلأ والحفظ والرعاية والنصرة والتوفيق والتسديد.

    - وقال الله -تعالى-: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (البقرة:200)، وقال الله -تعالى-: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:19)، وقال الله -تعالى- عن مؤمن آل فرعون بعد أن وعظ قومه: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) (غافر:44-45).

    - هذه من صفة المؤمن في صلته بالله توكلاً عليه، وتفويضًا لأموره إليه، إن حزبه أمر صلى وإن اشتبه عليه أمر أكثر السجود؛ ليزداد اقترابًا من ربه فيهديه ويُبصره.

    - ومن دعا إلى الله -تعالى- فهو ولي الله وحبيبه، يحبب الناس إلى الله -تعالى-، ويحبب الله -تعالى- إلى الناس فهذا لا يمكن في جوده وكرمه أن يخزيه ويدعه لأعدائه، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).

    قال الحسن البصري -رحمه الله-: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته".

    - فأقبل على شأنك، وسر في طريقك التزامًا ودعوة إلى الله -تعالى-.

    5- العمل بما كان عليه النبي -- في مكة:

    فالله -تعالى- أمر رسوله -- بالصدع بما أمر، والإعراض عن المشركين، وعدم المبالاة بهم، مع الصبر وكف الأيدي واحتمال الأذى والصفح والعفو، والاستعانة على ذلك بعبادة الله -تعالى-، قال الله -عز وجل-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (النساء:77)، وقال الله -تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ . الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:94-99).

    - وقال الله -تعالى-: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) (ق:45).

    - وقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (ص:65).

    - وقال: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) (البقرة:109).

    - وأوذي -- في الله -تعالى-، وعُذب أصحابه واضطهدوا، وشكوا إليه فلم يشكهم، وذكرهم بمن قبلهم ممن عذبوا في الله، وما صدهم ذلك عن دينهم، وقال: (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).

    بل ومنهم من مات تحت التعذيب من المشركين، وكان يمر عليهم وهو يقول: (صَبْرًا آلَ يَاسِر؛ فَإنَّ مَوْعَدَكُمْ الجَنَّةُ) (رواه الحاكم وأبو نعيم في الحلية، وقال الألباني: حسن صحيح).

    نسأل الله -تعالى- أن يقينا وإخواننا وأحبابنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. آمين.

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  2. #2
    Pharma Student
    تاريخ التسجيل
    Oct 2008
    المشاركات
    1,064

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا
    ..................

  3. #3
    Pharma Student
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الدولة
    Ask Me
    المشاركات
    466

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا .

    يا حبيبي

    ربنا يسرلك الحال

  4. #4
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    at a home of my dreams
    المشاركات
    1,961

    افتراضي

    جزاك الله كل خير يا دكتور
    وجعله الله في ميزان حسناتك
    اللهم قنا شر الفتن

  5. #5
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    780

    افتراضي

    حلقه(2)
    للشيخ محمد اسماعيل المقدم-حفظه الله- بتصرف


    ما أحوجنا في هذا الزمان المملوء بالفتن والأكدار إلى أن نستبصر بطبائع الفتن، وكيفية النجاة منها، من خلال هدي القرآن الكريم والسنة الشريفة، وكذا هدي الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.

    فإن الفتن تترى كالسحب المتراكمة، وتتواتر عمياء صماء مطبقة، كقطع الليل المظلم، أو كالأمواج المتلاطمة، تطيش فيها العقول، وتموت فيها القلوب، إلا من عصم الله عز وجل، ومن هدي رسول الله ـ الذي هو خير الهدي ـ الاستعداد للفتن قبل نزولها، بالتسلح بالعلم والبصيرة، مع العمل والاجتهاد، والاستعداد ليوم المعاد، عسى أن ننتبه عن الذنوب، وتلين منا القلوب، ونستيقظ من الغفلة، ونغتنم المهلة قبل المباغتة والوهلة.

    ومن هنا جاء هذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن ألا وهو (بصائر في الفتن) لمؤلفه الدكتور (محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم)؛ تذكرة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، وقد جاء الكتاب من مقدمة وثلاثة نقاط محورية كالتالي:

    المقدمة:

    وفيها تحدث الشيخ عن (اهتمام الشرع الشريف بباب الفتن) وقد بين لنا هنا أن الشرع الحنيف قد أولى الفتن قدرًا عظيمًا من الاهتمام، ولقد حفلت دواوين السنة بالنصوص التي تحذر منها، ثم بين لنا الشيخ أن (الفتن واقعة لا محالة)، فهي واقعة في أمة محمد كونًا وقدرًا، ولابد من أن يقع ما أخبر به المصطفى كما أخبر، ومن ثم فلابد من التبصير بها، والاستعداد لها، بل يجب مضاعفة الحذر منها في عصرنا؛ لأننا صرنا أقرب إلى أشراط الساعة مما كان عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرنًا، فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه، أن رسول الله قال: (إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، ولمن ابتُلي فصبر) [رواه أبو داود، كتاب الفتن، باب في النهي عن السعي في الفتنة (4265)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (975)].

    ثم أوضح الشيخ مسألة هامة وهي أن (الحذر من الشر باب من أبواب الخير) فقد قال حذيفة رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني)، فلاشك أن الدفع خير من الرفع، والتخلية مقدمة على التحلية، والوقاية خير من العلاج، وقد تبين لنا ها هنا منهج حذيفة رضي الله عنه في الاستبصار بالفتن.

    المحور الأول: من طبائع الفتن

    وفي هذا المحور، فتح لنا الشيخ باب من المعرفة خطير، فأوضح أن للفتن طبائع وخصائص يُعين الاستبصار بها على توقِّيها والنجاة منها، وما أكثر الفتن التي وقعت بسبب غياب البصيرة بهذه الطبائع، وقد ذكر الشيخ من هذه الطبائع:

    - أنها تتزين للناس في مباديها، حتى تغريهم بملابستها والتورط فيها.

    - والفتن تذهب بعقول الرجال، وتستخفهم ببُداءاتها:

    فعن حذيفة رضي الله عنه قال، قال رسول الله : (تكون فتنة تعرج فيها عقول الرجال، حتى لا تكاد ترى رجلًا عاقلًا).

    - والفتنة ـ إذا جففت منابعها، وسُدت ذرائعها، وحُسِمت مادة أوائلها، وأُخذ على أيدي سفهائها، ولم يُلتفت لقولهم: (ما أردنا إلا الخير) ـ سَلِمت الأمة غوائلها، وكُفي الناس شرها.

    - ومن طبائع الفتنة أنها متى ما وقعت؛ فإنها سرعان ما تتطور، وتخرج عن حدود السيطرة، حتى إنها لتستعصي على من أشعلوها إن حاولوا إطفاءها.

    المحور الثاني: نور اليقظة يبدد ظلمات الفتنة

    أما في ذلك المحور، فقد بين لنا الشيخ، أن الناس يتفاوتون في مدى استبصارهم بحقيقة الفتنة، واستجلاء عواقبها، تبعًا لما أوتوه من التقوى والفقه.

    فالقلب كالعين في إبصارها، فتجد عينًا لا تبصر البعيد، وأخرى لا تبصر بمجرد وجود ضباب طفيف، أو غبار خفيف، فضلًا عن أن تكون في ظلام، فإبصار القلب تابع لقوة الفقه، ونور الإيمان، ومقدراهما.

    ولذا قد شبه النبي الفتنة بقطع الليل المظلم، أي: الذي لا قمر فيه ولا ضياء، وما لبث حذيفة رضي الله عنه يذكرنا أنه: (لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل).

    وفي وقت الفتن ما أحوج الناس إلى العلماء، الذين يبصرون الناس بحقيقتها، فذهاب العلماء ولاشك مقترن برواج الفتن، ولذا بين الشيخ أن الالتحام بالعلماء عصمة للأمة من الضلال، فالعلماء كما أوضح الشيخ سفينة نوح، من تخلف عنها ـ لاسيما في زمان الفتن ـ كان من المغرقين، وقد قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، فالعلماء للناس كالمصابيح، تضيء لهم الطريق، فالدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء، فمهمة المبصرين هي التبصير، ولاسيما في أوقات الفتن؛ حيث يكون العلماء الفاقهون وحدهم هم المستشرفين لنتائجها في لحظات إقبالها، وعلى إثر ذلك بين الشيخ أن الجاهلين، إنما هم لأهل العلم أعداء.

    المحور الثالث: (الصبر زمن الفتن)

    وهنا يطل علينا الشيخ ليحدثنا عن محور من أخطر محاور الكتاب، ولذلك أفرد له مساحة كبيرة من كتابه، وهو الصبر زمن الفتن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (يأتي على الناس زمان، الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر) [رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب الصابر على دينه كالقابض على الجمر، (2428)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (957)].

    وقد عرض الشيخ هنا بعضًا من مواقف التثبت في الفتن، كما اتضح لنا أن العجلة في ابتدار هي أم الندامات، ولذا قال قتادة بن دعامة رحمه الله: (قد رأينا والله أقوامًا يسرعون إلى الفتنة، وينزعون فيها، وأمسك أقوام عن ذلك هيبة لله ومخافة منه، فلما انكشفت، إذ الذين أمسكوا أطيب نفسًا، وأثلج صدرًا، وأخف ظهورًا من الذين أسرعوا إليها... ).

    ومن ثم عرض الشيخ لأسباب النجاة من الفتن، والتي كان من أهمها: التثبت من الأخبار ووجوب حفظ اللسان، واستحباب الصمت ففيه السلامة، واجتناب تكفير المسلم فهو مفتاح استباحة دمه.

    ومن أسباب النجاة أيضًا: اعتزال الفتنة والفرار منها، وضُربت ها هنا أمثلة ومواقف سلفية تطبيقية، لمبدأ كف اليد عن الفتن واعتزالها، فمنها مثلًا الذي كان من كعب بن سور؛ حينما حدث الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فما لبث أن دخل بيت، وطيَّن عليه، وجعل فيه كوة يُناوَل منها طعامه وشرابه؛ اعتزالًا للفتنة، وغير ذلك من الأمثلة والمواقف الكثير.

    وفي هذا المحور على وجه الخصوص عقد الدكتور محمد إسماعيل فصلًا فيه استطراد بذكر مواقف عملية للسلف في اعتزال الفتن، وآخر في تأكيد العزلة وقت الفتن على من يخاف على دينه، وما لبث الشيخ إلا وأطلعنا على فائدة العزلة وقت الفتن، متحدثًا عن تنبيهات تتعلق بمشروعية الفتن.

    كما كان كذلك من أسباب النجاة من الفتن: لزوم الجماعة، ومواجهتها ـ أي الفتن ـ بالعمل الصالح، وأهم الأعمال، هي الصلاة، وقد ذكر الشيخ ما لها من خصوصية في دفع الفتن، ومن سبل مواجهتها كذلك الدعاء والتضرع, فهما من أسباب كشف الغمة وتفريج الكربة في زمن الفتنة.

    ثم عرج الدكتور على المسألة المتعلقة بحكم تمني الموت في الفتنة، خاتمًا كتابه القيم بذكر أدلة السنة على جواز تمني الموت؛ إذا خاف المرء على دينه من الفتن.

  6. #6
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    الدولة
    al-mansoura
    المشاركات
    504

    افتراضي

    متابع
    جزاك الله خيرا والمسلمين

  7. #7
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    780

    افتراضي

    سمات المؤمن أثناء الفتن وتقلب الأحوال
    1- الابتعاد عن الغضب والاستعجال
    2- التأني في الفتيا ودفعها إلى أهلها
    3- الرفق والأناة والحلم
    4- اجتماع الكلمة عند الفتن
    5- السمع والطاعة لولاة الأمر
    6- توقير العلماء ومعرفة مكانتهم في الدين
    7- الاعتبار والعظة بتاريخ الأمم السابقة
    8- عدم الركون إلى الإعلام المغرض




    للشيخ : صالح ال الشيخ

  8. #8
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    780

    افتراضي

    حلقه رقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم (3)


    ماذا تفعل في وقت الفتن

    أولاً : الحرص على العبادة :
    روى مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي : " العبادة في الهرج – أي في الفتنة – كهجرة إليّ " .


    ثانياً : الإلحاح على الله بالدعاء :
    قال : " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " رواه مسلم ، وأن يحفظ الإنسان الأذكار المتعلقة بالفتن وينشرها كما في حديث : كان إذا خاف قوماً قال : " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] ، وما جاء في المتفق عليه أن النبي كان يقول في الكرب : " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " .


    ثالثاً : حسن التأمل للواقع والوعي بالحال
    ، والبعد عن العاطفة الزائدة التي تؤدي إلى الغفلة والسذاجة .


    رابعاً : الصبر وعدم الاستعجال
    يقول الله تعالى : (( فاصبر إن وعد الله حقٌ واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار )) قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله : ( فأمره بالصبر وأخبره أن وعد الله حق وأمره أن يستغفر لذنبه ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق ، وأمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر فالمظلوم المحق الذي لايقصرفي علمه يؤمر بالصبر، فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور ) .



    خامساً : الحلم والأناة :
    لأن ذلك يجعل المسلم يبصر حقائق الأمور بحكمة ، ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها ، كما قال عمرو بن العاص في وصف الروم : ( إنهم لأحلم الناس عند فتنة ) .


    سادساً : الرجوع إلى أهل العلم العاملين الصادقين
    ، والدعاة المخلصين لمعرفة المواقف الشرعية .


    سابعاً : عدم تطبيق ما ورد في الفتن - من نصوص – على الواقع المعاصر

    .. لأن منهج أهل السنة والجماعة إبّان حلول الفتن هو عدم تنزيلها على واقع حاضر .. وإنما يتبين ويظهر صدق رسول الله بما أنبأ وحدث به أمته من حدوث الفتن عقب حدوثها واندثارها ، مع تنبيه الناس من الفتن عامة ، ومن تطبيقها على الواقع الحالي خاصة .


    ثامناً : بذل السبب لخلاص الأمة ورفعتها
    .. بدلاً من الاشتغال بفضول الكلام .


    تاسعاً : الحذر من السير في ركاب المنكر ( لأن الكبار رضوا به ) :
    روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله قال : " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا ما صلوا " .. قال النووي : ( قوله : "من عرف فقد برئ " معناه : من عرف المنكر ولم يشتبه عليه قد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو لسانه ، فإن عجز فليكرهه بقلبه .. وقوله : " ولكن من رضي وتابع " ولكن العقوبة والإثم على من رضي وتابع ) .


    عاشراً : الوحدة والإتلاف وترك التنازع والاختلاف
    لقوله تعالى : (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )) .


    الحادي عشر : أهمية التأصيل العلمي القائم على منهج شرعي

    ، وهذا لابد منه وقت الفتن لأن كثيرين يخوضون بغير علم فيؤدي خوضهم إلى أنواع من البلاء والتفرق والتصرفات الطائشة .. وليحرص المسلم أن يتعلم المسائل العقدية المهمة والتي يخشى من الوقوع فيها بالخطأ مثل مسائل الولاء والبراء ونواقض الإسلام ونحوها من المسائل .

    الثاني عشر : الحذر من الشائعات والروايات الواهية ونقل الأخبار المكذوبة :
    يقول ابن عمر – كما رواه ابن حبان – " لم يكن يُقصّ في زمان رسول الله ولا أبي بكر ولاعمر ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة " ، ومما يعين على ذلك لزوم الرفقة الصالحة الناضجة سلوكياً وفكرياً .


    الثالث عشر : عدم الاعتماد على الرؤى في وقت الفتن

    لأنها في الغالب تكون أحاديث نفس

  9. #9
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    780

    افتراضي

    الوقفة الثانية
    كيف ندفع الأزمة عنّا
    أولاً : تحقيق الإيمان في القلوب

    .. وترجمته في الواقع العملي .. والله تعالى خرق سننه الكونية من أجل عباده المؤمنين الصادقين .. فهو سبحانه فلق البحر لموسى .. وأوقف الشمس ليوشع .. وصدق الله تعالى : (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا )) .


    ثانياً : التوبة والرجوع إلى الله تعالى

    ، قال بعض السلف : ( لما فقد قوم يونس نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المسوح وألهوا بين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة .. فلما عرف الله الصدق من قلوبهم .. والتوبة والندامة على ما مضى منهم .. كشف الله عنهم العذاب .. يقول الله تعالى (( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين )) ولذا قال بعض السلف : ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ) .


    ثالثاً : كثرة الاستغفار
    لقوله تعالى : (( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )) .


    رابعاً : كثرة الأعمال الصالحة

    ، كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله : " كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتقرئ الضيف ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق " .



    خامساً : التواصي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    ، لقول الله تعالى : (( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )) ولم يقل صالحون .. ، ويقول الرسول : " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده " صحيح الجامع 1970 .


    سادساً : الإكثار من الصدقة

    ، لقوله : " أكثروا من الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا " رواه ابن ماجه ، ويقول الرسول : " صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفيء غضب الرب .. " رواه الطبراني – صحيح الجامع 3797 ، وقال ابن أبي الجعد : ( إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء ) .


    سابعاً : اجتناب الظلم

    ، وهو التعدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعرضهم بغير حق .. يقول الله تعالى : (( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً )) .


  10. #10
    Pb Elite
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    780

    افتراضي

    يمتاز عصر الفتن


    بعدم سماع صوت الحق وضياعه فى تلاطم امواج الكلام

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •