بقلم: أ. د. شرف القضاة
أولاً: معنى العيد:
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ" (حديث صحيح، أخرجه أبو داود وأحمد).
لقد كان المسلمون الأوائل يفهمون العيد جيدًا؛ لأنهم كانوا يفهمون الإسلام فهمًا عميقًا، فالإسلام دين مترابط لا يُفهم شيء منه إلا ضمن إطاره العام، الذي يتلخص في أنه نظام إلهي، ينظِّم حياة الإنسان: الفكرية، والشعورية، والجسدية بالله سبحانه، وبالكون بكل ما فيه، وبالناس جميعًا، والمسلم الحق هو الذي يلتزم بهذه التنظيمات كلها، عقيدةً ومشاعر وسلوكًا.
ومن هذه التنظيمات الإسلامية الصوم الذي فرضه الله لحِكم كثيرة، فهو دورة عملية سنوية ترتفع بمستوى المسلم، فكريًّا فتزيده إيمانًا بالله، وشعوريًّا فتزيده حبًّا لله ورسوله ودينه، وسلوكيًّا فتزيده طاعةً لله في كل مجال، ونفعًا للناس، هذا إذا أدَّى المسلم الصوم حقَّ الأداء.
وهكذا فالعيد يوم فرحة المسلم بإتمام ركن من أركان الدين، فهو يفرح لحصوله على أسمى هدف في حياته وهو رضوان الله، وأداء أحد الواجبات عليه نحو ربه، وتعبير عن فرحته بالنجاح في هذا الامتحان؛ ولذلك كان أحد العيدين بعد أداء ركن الصوم، والآخر بعد أداء ركن الحج؛ ولذلك يستحب أن تكون التهنئة بالعيد بالقول (تقبل الله منَّا ومنكم)، فقبول العمل هو الذي يجعل المسلم يفرح.
ولذلك كان التكبير في العيد شعارًا للانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء، وعلى الشهوات المحرَّمة، وعلى الشيطان، وعلى كل العقبات، فالله أكبر من كل شيء، أكبر من شياطين الإنس والجن، ومن الأعداء مهما تجبَّروا، ومن أذنابهم في بلادنا، ومن الذين يتاجرون بالإسلام والمسلمين وقضاياهم، ومن المتآمرين والمنافقين.
وإذا كان هذا هو معنى العيد في الإسلام؛ فهل يحقُّ للعصاة أن يفرحوا مع الطائعين!؟، وهل يحقُّ للمخفقين أن يفرحوا مع الناجحين!؟ تصوَّر لو أنه بعد ظهور نتائج الثانوية العامة استقبل غير الناجحين المهنئين ووزعوا الحلوى، وفرحوا كما يفرح الناجحون بل ربما أكثر، ماذا تقول فيهم؟ سيقول الناس: إنهم قد أصابهم الجنون من شدة الصدمة.
أخي الكريم وأختي الكريمة.. إن فهم بعض الناس للعيد- عافانا الله وإياكم- لا يختلف عن فهم الأطفال، الذين يفهمون العيد لباسًا جديدًا وحلوى ونقودًا وما شاكل ذلك.
ولكن الفرحة بالعيد منقوصة، وفي الحلق غُصَّة، فبلاد المسلمين ومقدساتهم تحت الاحتلال، وأعداء الإسلام يتفننون في إذلال الأمة وانتهاك حرماتها، وقد تحالف بعض أبناء الأمة مع أعدائها، فمتى تفرح الأمة بالعزة والكرامة والاستقلال والتقدُّم في كل مجالات الحياة؟ إن ذلك لن يكون إلا بالتزام الأمة بشريعة ربها في كل شئون حياتها، في القوانين ومناهج التربية والإعلام والاقتصاد وغيرها.
نعم.. نرجو أن يكون المسلمون قد تعلموا طريق النصر وأسبابه من رمضان شهر الجهاد والنصر، وعلموا أن النصر لا يكون إلا بالإيمان الحق، والوحدة، والإعداد المادي والمعنوي، والتوكل على الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾ (محمد).
ورضي الله عن عمر الذي يقول: "إنَّا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزة بغيره"، ورضي الله عن أبي عبيدة الذي يقول: "إنا كنَّا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله".. فلنراجع أنفسنا ماذا حققنا من شروط النصر؟ ولنعمل على استكماله؛ لأنك أخي المسلم إما أن تكون سببًا من أسباب النصر، وإما أن تكون- لا سمح الله- سببًا من أسباب الهزيمة.
ثانيًا: آداب العيد وسننه:
للعيدين آداب وسنن كثيرة أهمها:
1- الغسل والتطيب، ولبس أجمل ما لديه من ثياب، دون مبالغة أو تكليف نفسه فوق ما تطيق، فقد ثبت أنه كانت للنبيحُلة (إزار ورداء) يلبسها للعيدين والجمعة والوفود.
2- الأكل قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر، وبعد الصلاة في عيد الأضحى.
3- صلاة العيد في المصلى، وليس في المسجد، إلا لعذر كالبرد والمطر، فقد صح أنه كانيترك المسجد النبوي الذي أجر الصلاة فيه بألف صلاة، ويخرج إلى الصلاة خارج البلد، لما له من الأجر.
4- خروج النساء حتى الحُيَّض (من عليهن الدورة الشهرية) واصطحاب الأطفال؛ ليستمعوا الخطبة، وليشاركوا الآخرين فرحة العيد، وفرصة اللقاء، وتبادل التهاني.
5- مخالفة الطريق، فيستحب- إن تيسَّر- الذهاب من طريق والعودة من أخرى؛ وذلك ليتصافح المسلمون في الطريقين، ويبارك لهم بالعيد.
6- إظهار الفرح والتوسعة على الأهل في النفقة دون إسراف أو تبذير، والترويح المباح عن النفس.
7- التهنئة بالعيد بالدعاء بمثل: "تقبَّل الله منَّا ومنكم" أو ما شاكل ذلك.
8- الجهر بالتكبير، قال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)﴾ (البقرة: من الآية 185)، ووقت التكبير في الفطر من ثبوت العيد، وقيل من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة، وأما في الأضحى فمن يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.
9- البعد عن معاصي العيد مثل: الاختلاط، المصافحة، التبرج، الموسيقى والغناء، الفن الهابط، الحفلات الماجنة، إذ كيف نحتفل بطاعة الله ونحن نعصيه!؟.
10- صلة الرحم، ففي الحديث الصحيح: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: "نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ"؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: "فَهُوَ لَكِ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾"؛ فهل تحب أخي أن تكون ممن وصله الله أم ممن قطعه الله.
11- التواصل الاجتماعي مع الجيران والأصدقاء، والتصافح بالقلوب قبل الأيدي؛ ليكون ذلك مقدمة للتعاون على البر والتقوى، فما أحوج الأمة للتعاون على الخير... "تقبَّل الله منَّا ومنكم، وأعز الله الأمة، وكل عام أنتم بخير".
-----------
* أستاذ الحديث- كلية الشريعة- الجامعة الأردنية.