ساعة..ل..روحك
وبقلمي أكتب خاطرتي...
المشهد فجري..
قبل اذان الفجربقليل..
يقف في بلكونة بيت مطل علي أراضي خضراء شاسعة...لايري نهاية لها.. تحيط بها أشجار الجزورين والصفصاف..واقفة في شموخ وكبرياء كأنها تريد ملامسة السماء...و تتراقص في هدوء لاتكاد تسمع حفيفها الصادر من مداعبة بعضاً من رياح خفيفة ...وتتدلي قطرات من الندي في خجلٍ وانطواء..
السماء تمتلء بالنجوم المضيئة كلألئ متجمعة بجانب بعضها البعض أو متفرقة لتكون شكلاً رائعاً.. وسحاب أبيض متقطع يسير في هدوء يعلوه قمراً خافت الإضاءة ينظر في خلسة من بين هذا السحاب..كأنه يبحث عن شيء...أويُراقب..!
الهدوء التام يسود المكان.....
وما أحلي لحظات الصفاء هذه التي تتسني للانسان..أو يختلسها من بين ظروف الحياة المتداخلة المليئه ...تلك الحياة.. التي عليه أن يجاريها ويسير معها ولا يتوقف حتي لا يسبقه أحد وكأنه يجري في سباق ويراهن علي نفسه ولا أعلم من الذي سيكسب الرهان...!
تلك الأوقات القليلة التي تأتي لتقول للمرأ : هيا فالتتوقف قليلاً عن هذا السباق اللعين الذي تخوض فيه...وانظر ماالذي حققته...وتأمل نفسك قليلا...اعرف مالذي حولك...وكيف أصبحت هكذا..وهل أصبحت شيئا من الأساس...وهل عشت منذ أن وُلدت انسانا مكرراُ معاداً لا جديد فيه... يأتي ويبدأ من مكان مظلم في رحم ..ويذهب وينتتهي الي مكان مظلم آخر...وما بين هذا وذاك لايعلم ماذا يريد...
- لعله سيعرف عندما يستقر في مكانه المظلم الثاني...!!!!
فأنت لم تأتي عبثا..فلماذا أنت تبحث عن عبثاً؟!!...ولم تأتي فجأة أو في لحظة..فلماذا تبحث أنت عن اللحظة وفقط؟!!
ينظر صاحبنا الي ذلك الهدوء ويأخذ نفساً عميقاً ويخرجه ببطئ شديد..إنه يتنابه الآن الشعور الذي يصيب المرأ عندما يشعر بشيء ثقيل علي صدره يريد أحد أن ينتزعه من علي صدره ويقذفه بعيداً أو يدخل يده بداخل هذا الصدر المتخم فينقيه ويطهره ولن يجد إلا حضرته سبحانة رب الأكوان الذي يزيل الهموم ويبعث في النفس الطمأنينة..ويغمر الأرواح بالأمن والأمان..
ماأســــــــعـدك أيــــــها الرجـــــــــــــل الــــذي ستـــــــــــحظي بذلك..؟!!
تعلو وجهه نظرات من التأمل ومراجعة النفس والخضوع التام وتدور أحداثاً في ذهنه ..ويبدو عليه أنه يريد شيء...!نعم هيا فالتفعلها الآن..!!
إنه يريد الإعتراف...يريد اخراج مافي صدره ..قبل أن تسوقه تلك الرذائل الي مذبحها لتنال منه..وتقضي عليه بلا رجعة..يريد أن يطهر نفسه التي تدنت وملأها الذل والهوان والصغر..وروحه التي مُسخت وقلبه الذي علي أعتاب أن يُطبع عليه..ذلك العقل الذي لجمه اللهث وراء الملذات الدنيئه..وألهبته كرابيج المعصيه وتركت له رواسبها من ذل وهوان وصغر النفس..ليبكي وحده في ظلامها..ويصرخ من ألامها القذرة النتنه..تسقط دموع من عينه في هدوء تام ليس بصخب ولا نواح
من تلك العيون النادمة..التي مازال فيها بصيصاً من خير..والتي تنظر للحرام المدنس حيناً وتنظر في كلام ربها العظيم أخري
فيكون كرجـــــــــلٍ ذكر الله خاليــــــــــــــــاً ففاضت عينـــــــــــــــــــــاه ..
تساعد تلك الأيدي التي تربت علي أكتاف اليتامي والضعفاء وتمسح بها رؤوسهم حيناً.. وتبطش يدها أحايين أخري..تسجد تلك الجباه لربها حيناً وتنساق وراء شهواتها أخري..
- فالتبكي في هدوء لأنك في حضرة الهدوء والسكينة...!
يتألم...يفكر....كيف ستكون خاتمتي ..كيف...كيف...؟؟..أتكون في اوقات صلاح نفسي أم ستكون عندما تجرها شهواتها....؟
يدعو....ربي أحسن خاتمتي...ربي أحسن خاتمتي..ربي احسن خاتمتي
يناجي.....هل ساكون صالحا..ثم تسوء نهايتي...ام سأكون عاصياً..ثم تحسن نهايتي...وكيف أعيش صالحا وتسوء نهايتي..؟..هل تقبلت صلاتي وصومي وعباداتي ..أم سأكون كرجل بلغ من العمر مابلغ ولم تقبل صلاته...ماذا أفعل ربي أرشدني ..ربي أحسن خاتمتي...!ربي أتيتك باكيا فارحم بكائي..
عبد آبـــــــــــــــق يرجــــــــــــــــــــــو رحمتــــــــــــــــــــــــــــــــك...
ربي أتيتك ذليلاً..عسي أن تجدني ذليلاً فترحمني...
أنا الصغير الذي ربيته....فلك الحمد
وأنا الفقير الذي أغنيته...فلك الحمد
وأنا المريض الذي شفيته...فلك الحمد
وأنا السائل الذي أعطيته...فلك الحمد
وأنا المحروم الذي أطعمته ...فلك الحمد ...فلك الحمد
وفي داخل صدره تنصهر ذنوبه من حرارة الندم والرجوع ليصعد بخارها المؤلم...وتتكون آهات مكتومة داخل نفسه في عذاب و صمت قاتل..
وتبدأ الابتهالات...ويسمعها في خضوع وتأمل... لعل ربه يرحمه..!!
سبحت لله في العش الطيور تُرسل الألحان عطراً في الزهور..
عيشُها في رزق من..!
..الله..
وهي أيضاً من صُنع من..!
..الله..
إلي.....تحلو مرارة عيش في رضاك...فلا وجود الآن لنفس آمارة بالسوء..وانما الآن نفس مطمئنة هادئة تناجي ربها في خضوع..يخمد وساوس الشيطان وأحاديث النفس
ولكن يبدو أن هذا اللعين لم ييأس و ساق أحدهم اليه....!
وفجأة.. أثناء هذه اللحظات الروحانيه التي تمتزج بها النفس بكل شيء.. وتحتضن كل خير...فتعقد عقداً جديدا مع خالقها..يخترق صوتا فظيعا يبدد أي روحانيه..ويُذهب أي هدوء ليحل محله ضوضاء حاده صاخبة..إنه صوت جرار عفا عليه الزمن يجر في زيله مقطورة تسحب هي الاخري "خلاطة بناء" قد أنهت عملها في أحد البيوت...ويصيح أحد العمال استني ياد...! استني ...! خد مني...ارفع...هيله هب...
وانتهي المشهد بأذان الفجر......
بعدما أطلق صاحبنا(الذي كاد أن يتطهر) سيلاً من الشتائم القبيحة علي هؤلاء.......!!!!!!!
(ودائماً تجذبنا المُلهيات...!)
وآسف علي الإطالة