تعلمت في درس قاس ألا أقدس أحدا .. قد أحترم الأشخاص ولكن علي أن أدرك مبدئيا أنهم ليسوا كاملين وأنهم معرضون للخطأ وقابلون للنقد حتي لو كانوا يتحدثون باسم الدين .. هذه الحقيقة الأولي . والحقيقة الثاني أنه ليس بالضرورة عدم موافقتي علي رأي ما لشخص ما هي انتقاص لقدر هذه الشخص .. وهذا هو الأساس الذي أحاول بناء هذه الكلمات عليه.
منذ يومين قرأت مقال الدكتور عصام العريان الذي يعرض فيه أسباب موافقته علي الدستور والتي لا أعتقد أنها فعلا الأسباب الحقيقية للترويج الرهيب الذي يقوم به الإخوان للتعديلات. ومارس الدكتور عصام العريان نوعا رديئا من الإرهاب الفكري واستخدم الهواجس السياسية والأمنية في محاولة لإقناع الناس بالموافقة علي التعديلات. والدكتور عصام ليس صبيا أو شخصا ساذجا ولذلك أزعم أنه تعمد الترويج للتعديلات بالطرق السليمة وغير السليمة مما يثير التساءل لماذا يتعمد الدكتور عصام المغالطة في العرض لتحقيق هدفه من أي طريق؟ . وذكرني هذا المقال بذكريات وتاريخ قبيح من الغباء الذي مارسه الحزب اللاوطني في التعامل مع المصريين. وابتسمت بعد قراءة المقال وقلت " الله لا يرجع أيامك يا الحزب الواطي "
كنت في الجامعة ومررت بالصدفة بجانب مؤتمر للدكتور صبحي صالح يدعوا للموافقة علي التعديلات. وأول فكرة تسللت إلي رأسي هي تساؤل عن صفة الدكتور صبحي في هذا اللقاء . هل هو هنا بصفته عضوا في لجنة تعديل الدستور ؟ أم بصفته أحد رموز الإخوان المسلمين؟ علي أي حال وقفت أمام المنصة واستمعت للطرح وقررت أن أقبل وأرد علي حسب ما يقال. ووجدت بالضبط ما وجدته في مقال الدكتور عصام العريان. ولذلك قمت برفع يدي وأشرت بلا وظللت علي هذا الوضع أستمع لطرحه حتي انتهي من الكلام. عندما بدأت في رفع يدي للتعبير عن الرفض قال لي " روح قول لا للتعديلات الدستورية" ولم أشوش عليه بأي شكل. كل ما فعلته أنني استخدمت حقي في التعبير عن رأيي دون التعدي علي حقوق الآخرين ولم أقل كلمة واحدة. قد يقول البعض أن ما فعلت تطاولا وليس حرية. والحقيقة أنه كما لم يمنع أحدا شباب الإخوان من التصفيق حين يعجبهم ما يقول فليس من حق أحد أن يمنعني من التعبير عن اعتراضي وخصوصا بهذه الطريقة التي أستطيع وصفها بالحضارية والراقية.
ولم يكن موقفي هذا إشارة لرفضي للتعديلات ولكني كنت أرفض المغالطة والرد علي الأسئلة بشكل ملتو يخدم هدفا واحدا وهو الموافقة علي التعديلات.
الدكتور صبحي كان يعرض وجهة نظر الموافقين ويسفه وجهة النظر الأخري. وشباب الإخوان يصفقون علي الفاضية والمليانة ويهللون لكلامه الحماسي الذي لم يكن كافيا لإقناعي ولا حتي إقناع كثيرين جدا من الحاضرين الذين لم يتبعوا الإخوان في تصفيقهم. لعل الدكتور صبحي نسي أنه أمام طلاب جامعة وكان أسلوبه في الطرح والنقاش لا يليق باختصار.
ومن ضمن الإرهاب الفكري الذي مارسه الدكتور صبحي أنه قال أنه في حالة عدم الموافقة علي التعديلات الدستورية سيكون العودة للدستور القديم خيارا مطروحا. وأزعم أن الدكتور يعلم يقينا أن كلمة لا هي رصاصة النهاية لهذا الدستور وأنها ليست سماحا بعودته. كما يعلم أن كثيرين لن يقولوا لا للتعديلات لأن عندهم مخاوف من أن لا هذه قد تعني عودة الدستور القديم. ومن باب الإنصاف كان يجب عليه ألا يستخدم هذا الأمر في صالحه بغير حق وأن يوضح الحقيقة بشفافية.
وفي هذا المؤتمر تكرر أمامي مشهدا قد خدعتني ظنوني حين قلت أنني لن أراه مرة أخري. فقد رأيت الحزب الواطي بشحمه ولحمه وبطريقة عرضه لمواقفه . وتذكرت مقالات في الصحف القومية المطبلاتية مليئة بتزوير الحقائق والمغالطة في عرضها بشكل فاضح من أجل فرض وجهة نظر الحزب. وهذا في رأيي الذي لا أجبر أحدا عليه هو ما فعله الإخوان ويتضح من مقال الدكتور عصام ومن طرح الدكتور صبحي.
ورأيت الحزب الوطني بشحمه ولحمه في التعامل مع المعترضين علي مواقفه حين أنهي الدكتور صبحي حديثه بغضب قائلا أنه لا رضي أن يسيء إليه شباب في سن أحفاده " ألا تذكركم هذه المقولة بشيء؟ " و"رزع" الميكروفون غاضبا. والحقيقة أن أحدا لم يتطاول عليه ولكنه لا يقبل أن يعترض أحد عليه. وظهر وجه الحزب الوطني القبيح علي شباب الإخوان ولا أعمم وأكرر لا أعمم عندما حاولوا أن يأخذوا المعارضين بالصوت وأن يمنعوهم من إبداء رأيهم بعدما أنهي الدكتور صبحي حديثه. والتف حولي عدد منهم لعله 10 من شباب الإخوان وبدأوا في دفعي ومعاملتي بشيء من العنف وبدأت الوجوه تتجهم والأصوات تتعالي وهذا يمسكني بقسوة وهذا يدفعني وذاك يجذبني وقد استفزهم صراخي فيهم الذي جاء بعد تطاولهم علي حين قلت لهم "انتم هتضربوني؟ هما دول الإخوان؟! هو ده الحق والدين؟! " وقد تأملت حينها في وجوههم ولا أخفيكم ابتسامة ارتسمت بداخلي حين تكشفت أمامي حقيقة كنت لا أظنها موجودة. وكان هناك خليط في التعامل فمنهم من كان يقول لي اهدأ ويعاملني برفق تارة ثم ينقلب إلي " العين الحمرا" تارة أخري . وتذكرت في هذا الموقف جمعة الغضب حين وقفت الشرطة بيننا بكامل الاحترام لها ولعل منهم من شجع المواطنين وحين جاءت اللحظة أوسعونا ضربا بالقنابل والرصاص المطاطي. وموقفا آخر وقفوا فيه صفا وتوقفوا عن الضرب حتي بدأ المواطنون في الهتاف " احنا اخواتكم المصريين " واقتربنا منهم وبدأنا نشعر بالأمان ثم بدأ الهجوم العنيف بلا هوادة. ومع الفرق في القياس لا أستبعد أبدا أن موقف الإخوان الآن يشبه موقف الشرطة ولا أستبعد أنهم سيضربون مع أول تعارض بين رغبات الشعب ومصالحهم.وأتعجب كثيرا من فرط الثقة التي يتسم بها حديثهم. وقلت في عقل بالي لو بتتكلم بالطريقة دي يا دكتور صالح ولو بتتكلموا بالطريقة دي يا إخوان واحنا لسة ع البر.. يا تري هيبقي ايه الحال وانتم بتشاركوا في قيادة الدفة.
واصلت الصراخ في وجوهمم رافضا أسلوبهم في المعاملة وبعدما كنت واقف أمام المنصة وجدت نفسي مبعدا عنها بعدة بأمتار . وأتذكر أحدهم حين قلت له انهم تطاولوا علي قال لي " اللي يضربك اضربه" وكأنه يعرض علي القتال واحنا يعني قادرين عليك لو قادر اضربنا وآخر قلت له ليس من حقك التطاول علي باليد أو باللسان قال لي " هو كدة" بدأت في العودة شيئا فشيئا وهم يحاولون منعي وأنا لا زلت رافعا يدي بلا وواصلت الصراخ فيهم " نزل ايدك". وبعد استخدام خليط من اللين والشدة لم يستطيعوا منعي من الوصول للمنصة مرة أخري ونجحت في الصعود للدكتور صبحي وسلمت عليه لابداء معتقدي الذي بدأت به هذا الكلام. قال لي ان أقل حفيدة لي في كلية طب الأسنان ولا أقبل التطاول. ورغم أن كلماته هذه خارجة عن السياق لم أعلق عليها فاحترامي للأشخاص ليس نابعا من كون أبنائهم في كليات الطب. قلت له هل من اللائق أن يتطاول علي شباب الإخوان لفظيا وبدنيا قال لي لا أقبل قلة الأدب حتي من شباب الأخوان. وكان هناك رجل دمث الخلق قبل رأسي قلت له العفو وعندما نزلت تجهم أحدهم في وجهي وقال لي بعنف لعله مثير للسخرية "" أخدت اللي انت عايزه؟" .. قلت في عقل بالي ليلتكم منيلة بستين نيلة يا مصريين وهتشوفوا ايام سودة