لماذا الحَـزَن ؟؟
لماذا نحن في حياتنا لدينا المهارة الكبرى على خلق الحزن وأسبابه ، وليس لدينا المهارة فيها على خلق الفرح وأسبابه ؟
إذا حدث في حياتنا ما يستوجب الحزن أفرطنا فيه ، وبالغنا في الحزن على أي شيء يحصل لنا .
كثير منا إذا لم يجد سبباً من أسباب الحزن أو الاكتئاب أوجده ، بدلاً من أن يسعى في إيجاد أسباب الفرح ، كأن الفرح عليه حرام .
ينازع في الشيء التافه والحقير فيحزن من أجل ذلك فيجعل من الشيء الصغير كبيراً.
والبعض ولو فرح بالحياة وابتهج فيها أو بها ، فابتهاج قليل يعقبه حزن طويل ..
الإنسان المسلم قائم بواجباته تجاه ربه ، مبتعدٌ عما حرم الله عليه ، فلماذا يحزن ، لماذا يجلب الحزن على نفسه وعلى من حوله ؟
بعض الناس يظن أن أسباب الفرح والسعادة كلها في الظروف الخارجية .
وهذا ليس بصحيح ، فالسعادة تعتمد على النفس أكثر مما تعتمد على الظروف ، وفي الناس من يشقى في النعيم ، ومنهم من ينعم في الشقاء ..
كما قال الشاعر :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ومن الناس من لا يستطيع أن يشتري ساعة واحدة سعيدة ضاحكة مستبشرة يعيشها في حياته بأغلى الأثمان ، ومنهم من يستطيع أن يشتريها بأتفه الأثمان .
يشتريها بلا شيْ .
من الناس من لا يستطيع أن يضحك ضحكة عميقة من قلبه .
ولو ضحك تفاءل شراً وقال لنفسه ولمن حوله : نعوذ بالله من شر هذا الضحك .
يتوقع أن شراً سوف يحصل بعد هذا الضحك وهذه السعادة ، فيعود إلى حزنه ، كأن الأصل فيه الحزن والهم .
هَمٌ ، واستسلام للحزن ، و خوف من توقع المكروه ، وإفراط في تقدير الآلام ، وتهويل الصغائر ، وجزع من توافه الأمور .
والنتيجة : ضعف في الحياة ، ضعف في الإنتاجية ، كآبة وبؤس وعدم فأل ، وتأفف ، وأمراض نفسية ، وغير نفسية .
في النهاية عدم إنتاجية ..
وحُرقةٍ أورثَتْها فُرقةٌ دَنفاً *** حَيرانَ لا يهتدي إلاّ إلـى الـحَزَنِ
فـي جسمه شُغُلٌ عن قلبه وله *** فـي قلبه شغلٌ عن سائر البدنِ
فديننا عظيم ، والحياة فيه سعيدة ، بل هي والله من أجمل الحياة .
الرضا والفرح والسرور بالله سبحانه من أعظم أنواع الفرح والسرور في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْأُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) ( النحل97 ) فهذا في الدنيا ، ثم قال : ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ َعْمَلُونَ ) ( النحل97 ) فهذا في البرزخ والآخرة . حكاه ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الوابل الصيب ( ص 94 ، 95) .
فالمحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه .
ذكره ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الوابل الصيب ( ص 96) .
والرسول ـ
ـ تعوذ بالله من الهم والحزن . كما في حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ في الصحيحين .
وغيّر أسماء بعض الصحابة من الحزن إلى السهل .. ففي مشاهير علماء الأمصار لابن حبان (1/32) في ترجمة : سهل بن سعد بن مالك أبو العباس الساعدي ، وكان اسمه حزن فسماه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ سهلا " .
وجاء في التاريخ الكبير للإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ( 3/111) في ترجمة : حزن بن عمرو بن عائذ المخزومي القرشي .
" قال علي ومحمود ، حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبيه ، عن جده ؛ أنه أتى النبي ـ
ـ فقال : " ما اسمك " ؟
قال : حزن .
قال : " بل أنت سهل " .
قال : لا أغير اسماً سمانيه أبي .
قال ابن المسيب : فما زالت الحزونة فينا بعد . " أهـ
فاسعد مادامت أسباب الحزن والهم بعيدة عنك ، فإذا وقعت وقدرها الله فقابلها بالرضا عن الله ، والصبر ، والاحتساب ، وادفعها بأسبابها بشجاعة ، واعتدال ، وتوكل على الله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) ( الشرح 5 ، 6)
وافرح واحمد الله على ذهابها : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) (فاطر34) .
فالحياة مرحلة عابرة لا تستحق أن يقضيها الإنسان بكثرة الهموم والغموم المتعلقة بها
إذا بليت فثق بالله وارضَ به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله
أما هم الآخرة والعمل لذلك فليس بهم ينغص على الإنسان حياته ، بل هو سبب سعادته ورضاه في الدنيا والآخرة .
فلماذا نحزن ؟؟
منقـول
-----
أبيات من الديوان المنسوب للإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -
دَعِ الأيام تفعـل مـا تشـاء
وطب نفساً إذا حكم القضـاء
ولا تجزع لحادثـة الليالـي
فما لـحوادث الدنيا بقـاء
وكن رجلاً على الأهوال جلداً
وشيمتك السماحـة والوفـاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسَرَّك أن يكـون لهـا غطـاء
تستر بالسخاء فكـل عيـبٍ
يغطيه كمـا قيـل السخـاء
ولا تَرَى للأعـادي قـط ذلاً
فإن شماتـة الأعـدا بـلاء
ولا تَرْجُ السماحة من بخيـلٍ
فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأنـي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سـرور
ولا بؤس عليـك ولا رخـاء
إذا ما كنت ذا قلـب قنـوعٍ
فأنت ومالـكُ الدنيـا سـواء
ومن نزلت بساحتـه المنايـا
فلا أرض تقيـه ولا سمـاء
وأرض الله واسعـة ولكـن
إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كُلَّ حينٍ
فما يُغني عن الموتِ الدواءُ