حين تأتي هذه العطلة ينقسم شباب الإسلام إلى ثلاثة أقسام:
1- ظالم لنفسه.
2- مقتصد.
3- سابق بالخيرات
أولاً- الصنف الظالم لنفسه
فأما الظالم لنفسه، فشاب ظن أن الحياة غناء ورقص، ولعب ولهو، وأكل وشرب ونوم، وذهاب وإياب، وما عَلِمَ أن الله سوف يسأله عن كل دقيقة من دقائق حياته.
شاب جعل هذه العطلة، أو الإجازة للشهوات؛ وتناول المخالفات، ولزيادة السيئات، ونسي رقابة الواحد الأحد رب الأرض والسموات.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
شاب نسي مراقبة الله، وعين الله، ولقاء الله، يسمع العود والغناء، يرقص مع كل راقص، نسي أنه ابن لـخالد بن الوليد الذي أسمع أذن الدهر، وخطب على منبر الدنيا، وأسال دم الوثنية في الأرض لترتفع راية لا إله إلا الله.
نسي أنه ابن لـسعد بن أبي وقاص الذي دك إيوان كسرى ، وكبّر في الإيوان فلما انصدع قال: ((كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ)).
نسي أنه ابنٌ لـعمر بن الخطاب الذي إذا ذكر في مجالس القياصرة والأكاسرة أغمي عليهم!
يا من يرى عمراً تكسوه بُردته والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرطاً وملوك الروم تخشاه
فيا رب، هذه هي الأمة التي رفعت اسمك على النجوم، لا تضيِّع آخرها، واحفظها كما حفظت أولها، يا رب، هؤلاء أبناء الذين أسكتوا البشرية ليسمعوا كلامك الإنسانية.
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا
هذا الصنف من الشباب يتحرَّى الإجازة بلهب ليذهب في كل مذهب، أما الصلوات فلا تسأل عنها فقد ضيعها، وأما القرآن فهجره، وأما الذكر فلا يعرفه، وأما المسجد فما اهتدى إليه.
ثانياً: الصنف المقتصد
وأما الصنف الثاني: فمقتصد، لم يستغل الإجازة في معصية الله، بل استغلها في المباحات، يؤدي الفرائض وينتهي عن ا لمحرَّمات.
ينام نوماً عميقاً، فإذا استيقظ اشتغل بالزيارات والنزهات والفسحات.
فأين استثمار الوقت؟
أين القراءة؟
أين التلاوة؟
أين التحصيل العلمي؟
يقول بعض أهل العلم من نام من كل أربع وعشرين ساعة ثمان ساعات، فقد نام من عُمُره، ستون سنة، عشرين سنة، ثم تبقى له أربعون سنة ما بين لهو ولغو ومعاصي ومخالفات، وشغل بالدنيا وبالدرهم والدينار.
ثالثاً: صنف السابقين بالخيرات
هم شباب الإسلام، وهم نجوم التوحيد، وهم كوكبة محمد، وهم الفجر لهذا الدين، إنهم شباب عرفوا الحياة، وعرفوا أنهم سوف يقفون بين يدي علاَّم الغيوب، وعرفوا أن الستين سنة والسبعين هي مزرعة للآخرة،
كان إذا أصبحتُ في القبر فمن يصوم عني؟
ومن يصلِّي عني؟
ومن يقرأ عني؟
((وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ)).
هل رأيتم ميتاً في قبره يصلي؟
هل رأيتم ميتاً يصوم؟
هل رأيتم ميتاً يذكر الله؟
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البَين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقينا ولا بقوا
خُرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق
هذا الشاب سابق بالخيرات، كتاب الله ِخدنه ورفيقه، صديقه ورضيعه وربيع قلبه. لا تفوته الصلوات ولا تكبيرة الإحرام في جماعة.
هؤلاء الشباب مقبلون على العلم إقبالاً جازماً وعازماً على تحرير المسائل، وعلى التحقيق، وعلى استثمار الوقت، لا تفوتهم دروس الهدى، والخير ومحاضرات العلم والإيمان.
دروسهم دعوة، وجلساتهم إيقاظ وصحوة، وحركاتهم طاعة، فهؤلاء
الذين سبقوا بالخيرات
( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ (
فيا شباب الإسلام! يا أيها الفضلاء! يا أيها النبلاء! ألا تريدون أن تكونوا من السابقين بالخيرات الذين ليلهم طاعة، ونهارهم تسبيح وزلفى وقربى من الله، كـمصعب بن عمير ، و سعد ، و خالد ، كـطارق و صلاح الدين ؟
فهم:
عُبَّاد ليل إذا جُن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه
وأُسدُ غاب إذا نادى الجهاد بهم هَبُّوا إلى الموت يَستَجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يُشيدون لنا مجداً أضعناه
في كتب الحديث بسند صحيح:
(أن شباباً أتوا رسول اللهفقال: ماذا تريدون؟
فكل منهم طلب من مطالب الدنيا ومن مقاصد الحياة، هذا يريد ثوباً فيعطيهثوباً، وهذا يريد دنانير ودراهم فيعطيه
دراهم ودنانير، والثالث يطلب طعاماً فيعطيه.
أما أحدهم فتوقف وقال: يا رسول الله! أريد أن تناجيني لطلب بيني وبينك فخلا به.
قال: إنني لا أريد دنيا يا رسول الله، ولكني أريد مرافقتك في الجنة.
فقال: أو غير ذلك؟
قال: هو ذاك يا رسول الله.
قال: فأعِنّي على نفسك بكثرة السجود)
وفي حديث ثوبان أيضاً: أنه سأل الرسولعن عمل يدخله الجنة أو بأحب الأعمال إلى الله فقال له النبي
عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط منك خطيئة
هؤلاء شباب الإسلام، وهذه طريق الجنة، وبهذا يستثمر الوقت.
قال الذهبي : ثبت عن الإمام أحمد أنه كان يصلي غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، فلما سُجن وضرب في سبيل الله ومن أجل رفع لا إله إلا الله، ما استطاع أن يصلي إلا مائة وخمسين ركعة من غير الفرائض.
قال الذهبي : وممن كان يصلي صلاة طويلة من العشاء إلى الفجر علي بن الحسين زين العابدين كان إذا أطل عليه الليل، وأقبل عليه النهار توضأ وأتى إلى فراشه، وقال: ما أحسنك، وما أدفأك، وما أروَحك، ولكن في الجنة أحسن منك، وأروح منك، وأدفأ منك، والله لا أنام حتى الصباح، فكان يصلي حتى الفجر، فإذا طلع الفجر رؤي على وجهه قبس من نور، وشعاع من ضياء.
قالو للحسن البصري : ما للذين يقومون الليل على وجوههم نور؟
فقال: خلوا بالله فأكسبهم نوراً من نوره.
يا شباب الإسلام أنتم مرشحون للعودة إلى الله، وأنتم مرشحون لقيادة البشرية، وأنتم مرشحون لقيادة الإنسانية.
من يقود الناس إلا أنتم؟
ومن يهدي ويدل إلى الخير إلا أنتم؟
ومن يوجه الناس إلا أنتم؟
اللهم رُدَّنا إليك رداً جميلاً، وكفر عنا سيئاتنا، وأصلح بالنا، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا ممن يقود الناس إلى جنة عرضها السموات والأرض، وصلى الله على سيدنا محمد. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
***
-----
من كتاب سياط القلوب لفضيلة الشيخ عائض القرني