الحلقة الثانية
أحاول جاهدا إضافة أي ثقل يمنع هذا العقرب اللعين من الدوران بهذه السرعة الجنونية التي لم أعرفها من قبل ,,,,, يبدو أن أبي أضرب عن الحديث معي , لا يجيب على كلامي , لا يوجه كلمة واحدة لي كما أنه لم يسمح لعينيه بالنظر نحوي ...
في الصباح الباكر حضرت أختي ( هبه ) أولا تبعتها أختي ( سالي ) تحاولان تخفيف وقع الحدث على قلب أمي التي طالما تذوقت طعم البعاد واعتادت عيناها مواقف الوداع على مدار أكثر من ثلاثين عاما قضي والدي معظمها في المملكة الأردنية الهاشمية , ولكن هذه المرة عليها أن تودع روحها ,, فالمهاجر هذه المرة ابنها الوحيد والمدلل الذي طالما تسترت على أفعاله ووقفت بجانبه في مواجهة صعوبات الحياة .
أمي بالنسبة لنا لعبت في مشوار حياتنا دورا مزدوجا أجادت فيه لعب دور الأب والأم ولربما الصديق الوفي الذي يستمع إليك ويستشعر أحزانك المتوارية خلف سحب الصمت ويوجهك دائما نحو الإختيار الأنسب ...
مع اقتراب العصر كان البيت يفيض بالمودعين , جاءوا لإلقاء نظرة دعم على هذا الفتى النشيط الذي يبعث الطاقة في كل من حوله ,, يبدد أحزانهم حين يرسم بكلماته الضاحكة آمالا تفتح المجال لدخول الأفراح ,, نظرة ربما تكون الأخيرة من يدري ربما لن تلتق العيون ثانية ...
مع أذان المغرب جاء دور الأصدقاء لكني لن أتمكن من وداع معظمهم حيث منعهم الجيش من الحضور ,,, لكن أقرب الأصدقاء إلى قلبي ( أحمد عبد الدايم و محمد نجاح ) أتيا وقررا المبيت معي وتوصيلي للمطار ...
ألقى أبي نظرة أخيرة على الشنطة وتأكد من سلامة و وجود كل شيء ...أما أمي فمازالت على يقين بأنها في حلم أقصد كابوس سينتهي عندما تستيقظ في الصباح وتقرع باب غرفتي فتجدني نائما كالعادة غارقا في الأحلام ,, أمي مازالت تعتقد بأنني لن أرحل وتؤمن أنني في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل سأمزق تذكرة السفر وهذا الشيء اللعين الذي يدعى جواز السفر وألقي بهما في أعماق المحيط وأنهي هذا الكابوس المرعب ,, آه كل ما أفكر به هي تلك اللحظة التي ستغيب عن عينيها السيارة التي تقلني للمطار ...
بالنسبة للأصدقاء فقد حاولا بشتى الطرق إبعاد هواجس السفر عني ,, تسابقنا في البلاي ستيشن ولأول مرة في تاريخ مواجهاتنا المتعددة فزت في عشرة لقاءات متتالية دون تعادل أو هزيمة ,,, ثم جاءت لحظة النوم الوهمي وقبل أن يغرقا في النوم كانا راهنا وبكل ثقة على رؤية دموعي أخيرا ... ذاك الدمع الذي لم يره أحد سواي من قبل فأنا أكره فكرة إظهار ضعفي أمام الناس بل أخفيه أحيانا عن أصدقائي وأذكر مرات عديدة تغيبت فيها عن محاضرات وسكاشن مهمة لأنني كنت مريضا حينها وأنا لا أحب أن يراني أحد في موقف ضعف ,, أكره نظرات الشفقة في عيون الناس تجاهي وأكره الإستسلام لفكرة المرض ,,, ولربما حدثت مواقف عديدة هنا في ساحة المنتدى حيث حافظت على صلابتي ورابطة جأشي وأظهرت الرضا بينما كنت أنهار أمام المرآه وصديقي المقرب خاصة عندما يعجز قلمي عن تجسيد أفكاري ,, ولعل آخر تلك اللحظات حدثت منذ فترة ليست بالبعيدة ومازلت أعيش تبعاتها الآن ,,,,, لكن كل تلك المواقف التي عايشتها ونجحت في التحلي بالجلد أمام الناس لم يكن من بينها موقف شبيه بما أنا مقبل عليه .........................
إبراهيم رأفت
