الحلقة التاسعة والعشرون ( بين قضبان حديدية ,,,,,,,,)
شعور غريب يملأ عالمي الآن ,, شعور متناثر في شتى أرجاء فضاء خيالي ,, لو حاولت رسم نفسي لخرجت اللوحة كمجموعة من الألوان المسكوبة بشكل عشوائي على صفحة بيضاء لا يحدّها إطار ,,,
الحياة الهادئة في العنبر والظلام المستبد قد يمنحاني ما افتقدته في بيتي أثناء محاولتي اليائسة لاتخاذ قرار مناسب في موضوع الخطوبة ,, مع صاحبي عبد البر بدأت التفكير حيث جلسنا طوال الليل نبحث عن حل ولو مؤقت لتلك المشكلة التي قلبت حياتي الحالمة الهادئة رأسا على عقب ونزعت الفرح والسعادة من بين أحضاني ,, وفجأة سقط قناع الصمود والثبات وبدأ الضعف يستعبد حيرتي ويحرق آخر حبّات الصبر فصرخت بصوت أيقظ جميع الزملاء في العنبر :-
نعم أنا ذاك الشاب عشت عمرا في بحر من الترف واللعب أتنقّل بين القلوب وأعبث بخيالها ,, لا أحمل أي مسؤلية تجاه أي حدث يحدث من حولي فعشت في عالم خاص بعيدا عن الحياة متجاهلا لقوانين الكون التي لا تدم طويلا على حالها فتارة تعطيك وجهها الجميل وتارة تستدير نحوك بوجه قبيح يعيدك إلى رشدك ,, كنت الأبن الوحيد لأبي أنعم بحياة لطالما واجهت بشأنها الكثير من نظرات الغبطة ,, حتى جاء أخي ( فارس ) واضطررت لدخول الجيش ليس كعسكري بل كضابط يخدم ثلاث سنوات من حياته داخل منظومة لا يتمنّى الكثير منّا دخولها ,, ولأوّل مرة قبلت أكاديمية الضباط دفعة استثنائية في شهر يوليو على عكس ما جرت العادة بقبول الدفعات في شهري ( إبريل و أكتوبر ) ,, لم يكن لنا مكان داخل الأكاديمية لذا كان علينا تحمّل المعاناة التي يتحمّلها العسكري العادي صاحب المؤهل المتوسط بل والعسكري غير المتعلم ,,, من سوء معاملة وسوء التقدير ,,, والطعام المتعفن وشتى أنواع الإهانة والذل ,,, ويكفي ما عانيناه أثناء محاولة ترحيلنا على مدار خدمتنا البالغ عمرها أربعة أشهر .............
هل تعرفون يا رفاق عنوانا مناسبا لهذه القصة ,, ربما يهرع الكثير بصوت واثق ( مذكرات ضابط إحتياط ) لكنّي أنظر للأحداث من زاوية عكسية وأرى أن هناك عنوان يتناسب مع أحداث حياتي قبل وأثناء القصة وأراه يروي في طيّاته سطورا من حياتي لم أكتبها ولم أقصّها على مسامعكم ,,, ( مذكرات صف ظابط ) وإن كان يحمل معناً بعيداً عن الحقيقة ولكنّه معنى مناسب جدا فهو يعني أنني تطوعت في الجيش بملئ إرادتي وهذا ما حدث بالفعل ,, أظنّه كان اختبار بسيط من الله لهذا العبد الضعيف ربما ليشتد عوده ويريه فصولا من الحياة لم يكن يتخيّل صاحبكم خوضها في يوم من الأيام ,,,
حاولت كثيرا الوقوع في الحب عمداً وصنعت الأجواء المناسبة لتلك المحاولات كي تنمو وتكبر لكنّها كانت كالوردة الجميلة التي لا ترتكز على جذور قوية ثابتة تمكنها من الثبات في وجه عقبات الحياة المختلفة لذا كانت محاولات فاشلة بجدارة ,,, وعندما طرق الحب الحقيقي بابي وأركاني بكل قوة وعشت في ثناياه إحدى روايات الحب الخالدة لم أستطع توفير المناخ المناسب لتلك النبتة الحقيقية لتنمو وتذدهر وها هي الآن تحتضر أمام عيني ولا أستطيع فعل شيء لها حتى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة قررت أنا أن أكون بعيدا عنها ,,,,,,
ثم التفت إلى باب العنبر وبدأت بالجري نحوه مسرعا وأنا أصرخ بصوت يكاد يمزّق حنجرتي ( أنا بحبك يا سارة ,,, بحبك رغم كل شيء وعاوز أتجوزك ) ,,, ولكن تلك القضبان الحديدية تعطّل مسيرتي نحوها وتعيدني خائبا لنقطة الصفر عندما يلحق بي عبد البر ومجموعة من الزملاء ويتعلقون بي ويحاولون سحبي بعيدا عن الباب حتى لا يلتفت إليّ أحد المسؤلين وعندها سأواجه العقاب خاصة وأنّنا سنبدأ غدا بانوراما حرب أكتوبر بزخيرة حية ,,,
وثقت جدا في كلام عبد البر حين أخبرني أنّني عليّ التركيز غدا لأنّنا سنخوض مناورات لا تقل خطورة عن الحرب وإن شاء الله يعثر إبي على عنوان سارة وبمجرد حصولي على أجازة أتكمن من إصلاح كافة الأمور ..
لكن حينما تتضح صورة سارة بدموعها الحزينة في مخيلتي أعيد الكرة ثانية وهكذا دواليك .......................
الحلقة القادمة ( ............................................)
إبراهيم رأفت
ضوابط المشاركة
رد مع اقتباس
