الحلقة الثالثة
لا أستطيع القول أن أول اختبار حقيقي للوداع مر بنجاح أو أي مؤشرات إيجابية ,, الآن يجب أن تذهب لبيتها أختي ( هبه ) ,,, كالعادة خرجت لوادعها بكثير من الثقة لكن أمام دموعها الغزيرة وتشبثها بصدر هذا الأخ الذي طالما كان إلى جوارها دائما يدافع عنها متخطيا الحدود والعادات والتقاليد لنصرتها ,,, كادت أن تسقط أولى دمعاتي على استحياء لكنها أبت فتمسكت بكل ما لديها من قوة في أطراف الرموش محاولة النجاة من سوط عتابي لها عندما نختلي .......
دقت ساعة منزلنا وأعلنت الثانية بعد منتصف الليل ,,, الطابق الأول من المنزل حالته أشبه بالسكون الذي يسبق العاصفة ,, لا تستطيع التنبؤ بما سيحدث ,, أبي يجلس في غرفة الجلوس ,,, أمي تتوارى بدموعها في المطبخ وأختي ( سالي ) التي قررت المبيت تحاول جاهدة إيجاد سبب لبكاء ابنتها (روضة) التي لم تبلغ سنتها الأولى بعد وكأنها تحس بالموقف فبكت وقهرت دموعها جدران الصمود التي كانت تتحلى بها أمها فأجهشتا تبكيان .....
الطابق الثالث من المنزل ,,, صديقاى العزيزين نائمان فأحدها أرهقه طول السفر والآخر أنهكه يوم شاق من العمل كما أنهما يستريحان استعدادا لرحلة شاقة معي إلى المطار ,,, لم أكن أعرف ماذا أفعل ,, كنت أتنقل بجنون بين جنبات المنزل , أحفظ ثناياه وأدق تفاصيله ,, وبينما أنا في حالة من اللاوعي استفقت على تليفون من صديقي ( أحمد السعيد ) المكلف بمهمة توصيلي للمطار يخبرني أن سيارته تعطلت وأنه الآن يحاول إيجاد سيارة أخرى ,, لم يشكل الخبر صدمة كبيرة بالنسبة لي لأن ما تبعه كان أشد قسوة وهو أنه في أحسن الأحوال لن أستطيع اصطحاب أكثر من شخص معي للمطار ,, مايعني أن صديقاي لن يأتيا معي ...
أعدت أمي وجبة سريعة وجلست أحاول الأكل لكن أي طعام قد تستشعر طعمه ,, أي شراب قد تتلذذ به وأنت لا تملك حاسة واحدة تعمل فكل الحواس معطلة , وما زاد الطين بلة رفض أبي الأكل معي .......
حان الوقت لأبدل ملابسي ,, دخلت غرفة نوم أبي حيث وضعت الملابس هناك واستغرقت حوالي نصف ساعة لأتم المهمة ,,, خرجت من الغرفة وسط ترقب لكل حركة من حركاتي ولكل نظرة تتفوه بها عيوني كانت تحت رقابة صارمة من لهفة أمي ... صعدت إلى حيث يرقد صديقاي وأنا أحمل لهما الطعام ,, أيقظتهما ولم أخبرهما أنهما لن يتمكنا من توصيلي إلا بعد أن فرغا من طعامهما ,, أخبرتهما وخرجت من الغرفة مسرعا ,, توجهت لغرفة نوم جدي وجدتي وزوجة عمي التي قررت هي الأخرى المبيت اليوم وتوهت في أحضان الجميع وألقيت نظرة خوف تجاه جدتي خوف من ألا أراها مجددا نظرة كادت تقتل الجلد وتبدي ما أحاول إخفاءه ....
بدءت المراحل الأصعب الآن حين جاء دور الأخت والأم والصديقة التي طالما تسابقنا وتشاجرنا وتخاصمنا من أجل اللعب والفوز بنصيب وافر من الدلع ,, هي التي وضعتني على طريق النجاح وصنعت من أجلي المستحيل ,, كانت تلخص لي المناهج وتلقيني في وسط صراعات ومنافسات ساخنة مع زملائي من أجل إثارة حماسة هذا الطالب الخامل الذي حقق المعجزة فيما بعد وحقق المركز الأول على مستوى قريتة لعامين متتاليين بفضلها ,, ( سالي ) اختفت في حضني وتوقف بنا الزمن وهنا كدت أنهار وسارعت بالهروب من خلال ضحكة حزينة , مكتومة ومتقطعة ...
أما أمي فلم أستطع أن أرفع عيني في عينيها ,, كنت حريص كل الحرص فأي دمعة قد تقتلها ,, كانت تسألني في ضعف أهذا وعدك لي بألا تسبب لي الحزن وأن تقتل الألم إن اقترب مني ,, انظر نفسك الآن انت من يسبب لي الألم ............
كان علي أن أذهب فالسيارة تنتظرني منذ فترة طويلة فحملت شنطتي و وضعتها في المكان المخصص ,, ودعت صديقي و ركبت السيارة مع أبي من ثم أخذت السيارة تتحرك في بطء مبتعدة عن والدتي التي لم تستفق من حلمها بعد ....
ما أصعب فكرة ألا تعرف المستقبل كل ما عليك أن تتخذ كل قراراتك وانت معصوب العينين ,, لن أسامح نفسي أبدا إن عدت وقد رحل أحدهم ,,,, أو لم أعد لهم وقد وعدتهم بالعودة قريبا.............
إبراهيم رأفت