تحففففففففففففففة يا دكتور رااااائعة جداااااااااااااا
أنا اندمجت معاها جدااااااااا وماكنتش عايزاها تنتهى
يا ريت يا دكتور متتأخرش علينا بالحلقة القادمة :) ، فى شوق ٍ لقرائتها
وأكيد متابعة مع حضرتك ،بالتوفيق
:hi::hi:
تحففففففففففففففة يا دكتور رااااائعة جداااااااااااااا
أنا اندمجت معاها جدااااااااا وماكنتش عايزاها تنتهى
يا ريت يا دكتور متتأخرش علينا بالحلقة القادمة :) ، فى شوق ٍ لقرائتها
وأكيد متابعة مع حضرتك ،بالتوفيق
:hi::hi:
الحلقة السادسة
كانت حمدية محبطة وبائسة ووقفت أمام عم إبراهيم وهي متدلية الرأس ومتهدلة الأكتاف
نظر اليها عم إبراهيم وشعر بما يعتمل بها من انفعالات ومشاعر
فمد لها كرسيه وقال لها اجلسي يا حمدية
جلست حمدية وهي لا تشعر بالأرض من تحتها
وقال لها عم إبراهيم بصوته الحنون ..
.. (( وجدت الكلية صعبة ولا قبل لك بها ؟ ))
سالت دمعة صامتة من عيون حمدية وهي تقول ..
.. (( بل وجدت الحياة كلها لا قبل لي بها .. لست أنا من توهب لها الحياة بهذا الشكل .. ))
رق قلب عم إبراهيم وقال لها ..
.. (( أين حمدية الأمس الصامدة الصابرة المتمسكة بحقها في الحياة ؟ .. ))
قالت حمدية بانكسار ..
.. (( كانت صحوة الموت يا عم إبراهيم .. كأني تعاطيت مخدرا وأفقت بعدها على الحقيقة المرة وهي أني لا شيء .. ))
نظر اليها الرجل بتمعن وقال لها متسائلا :
.. (( والآن ماذا ستفعلين ؟ ))
هزت رأسها بأسى وقالت .. (( لا شيء سأستمر في العمل معك ولأنهل من المعارف التي تيسرها لي وفقط .. ))
توقف الرجل مفكرا بعمق وأخيرا نطق بصوت جاد وضع به كل تركيزه وقال لها ..
.. (( هذا الكلام لن أعيده عليك مرة أخرى يا حمدية .. لقد كنت أسعى لمساعدتك لأني كنت أرى الثمار سيكون جنيها قريبا جدا .. أما وأن يضيع كل شيء هكذا .. فمعذرة بنيتي .. ابحثي عن مكان آخر بعيدا عني .. ))
نظرت اليه حمدية مندهشة وقالت له ودموعها تغشي بصرها ..
.. (( هل تتخلى عني يا عم إبراهيم .. ))
قال لها الرجل بصرامة .. (( نعم أتخلى عنك إذا تخليت أنت عن حلمك .. اذا أكملت بالكلية سأكون دعما لك .. مشكلة الكتب سأسعى لدي معارفي بسور الأزبكية للحصول على الكتب القديمة والمستعملة وبأسعار زهيدة
مشكلة أن الظروف صعبة ... فلن تكون أصعب مما مررت به من قبل
لذا اذا استسلمت هكذا بسهولة فلن تكوني حمدية ابنتي التي أعرفها ))
قالت حمدية بصوتها الباكي .. (( ولكن الكلية فعلا فوق طاقتي .. فأنا لم أفهم حرفا واحدا مما بها .. ))
قال لها بود .. (( لست وحدك لو نظرت لجميع من حولك ستجدين أنهم مثلك .. فهم جدد بها ولم يسبقوك فيها بشيء .. ))
ظل الرجل يحاورها ويحاول الرفع من عزيمتها
وأخيرا عندما وجد هذا اليأس متمكنا منها
طلب منها ألا تعود إليه مطلقا إلا إذا كانت تريد منه كتبا تتعلق بكلية الطب وفقط
وصرفها من عملها ومن رياضها التي كانت تتنعم فيها
وانطلقت حمدية وهي تشعر بأنها قد خسرت كل شيء حقا
ما أصعب أن تضع اللقمة بفم جائع ثم تنتزعها بسرعة وقوة قبل أن يبدأ في مضغها
ظلت حمدية تتفكر كثيرا في كلمات عم إبراهيم لها ..
هي تعلم بأنه يضغط عليها بحيث لا تجد لها منفذا سوى كلية الطب
ووجدت جملة قد وقعت منها موقعا خاصا
كل هؤلاء الطلبة .. الكلية جديدة بالنسبة لهم وحتما مسألة عدم الفهم هذه مشتركون فيها
وإن كان هناك البعض يظهر عليهم غير ذلك
ولهذا
قررت أن تستمر فيها لمدة أسبوع آخر لتستكشف الكلية أكثر ولا تحكم عليها من أول يوم لها فيها
وقد كان ..
في اليوم التالي لها بالكلية .. بدلا من العزلة التي كانت تتحاشى بها الجميع
بدأت تتفحص بعينها كل من حولها .. وأخيرا وقعت عيناها على طالبة تجلس أيضا في ركن قصي ويظهر عليها كل آمارات اليأس والإحباط وضعف الإمكانات مثلها تماما
فذهبت اليها وسلمت عليها وقالت لها ..
.. (( حمدية الشرنوبي .. )) وضحكت قائلة .. (( أعلم بأنه اسم من أيام ما قبل التاريخ ولكنه نصيبي .. ))
وكأنما كانت بساطة حمدية وتلقائيتها هذه هي المدخل المناسب لتلك الفتاة التي بادلتها الابتسام وقالت لها ..
.. (( زينب حسني )) من العباسية هنا بجوار الكلية
سألتها حمدية باهتمام وقالت لها .. (( أستحلفك بالله أن تخبريني هل فهمت حرفا من كل المحاضرات التي استمعنا لها ؟؟ ))
قالت لها زينب بأسى .. (( بالطبع لا .. أشعر أني جئت هذا المكان خطئا وأني لست أهلا له .. ))
شعرت حمدية بكل سعادة الدنيا وقالت لها .. (( لست وحدك وأشعر بأن كل من حولنا هكذا وإن كانوا يتظاهرون بالنقيض .. ))
واذا بها تتدخل في الحديث معهما قائلة .. (( بالفعل كل من حولك يتظاهرون بغير حقيقتهم .. ))
التفتت حمدية نحو هذه المتدخلة التي لم تسمع سوى صوتها الهاديء
فإذا بها تحمل وجها صبوحا ممتلئا شديد البياض يشع طيبة ونورا عجيبين وببسمتها الجميلة أكملت قائلة .. (( رحاب الصبان .. زميلة لكما بنفس الدفعة ))
تفحصتها حمدية بشبه دهشة فقد كان يظهر عليها آثار العز .. فما الذي دفعها للحوار مع هاتين المشردتين ؟ ! ..
في حين قالت لها زينب بدهشة .. (( لا تقولي أنك قريبة له .. ))
ضحكت رحاب وقالت .. (( نعم أنا ابنته ))
قالت لهما حمدية بتساؤل شديد .. (( أشعر أني أجلس في المكان الخطأ .. فلست أفهم شيئا ))
شدت زينب بقوة على يد رحاب مرحبة بها وقالت لحمدية .. (( إنها ابنة رجل الأعمال الكبير سعد الصبان والذي اسمه وصورته يملئان كل وسائل الإعلام .. ))
إزدادت دهشة حمدية أضعاف ما كانت ..
فأبناء هذه الطبقات لهم وسط معين لا يخرجون عنه
وأسلوب حياة مخصص لهم
كيف تجلس معهما هكذا في المدرجات الأخيرة وهي التي تتقرب لهما بكل بساطة على غير العادة
سلمت حمدية عليها بحذر شديد .. وحاولت الخروج بالحوار خارج دائرة الانبهار برحاب وأبيها .. فقالت ..
.. (( ولكن ليس أبدا من التظاهر أن بعض الطلبة يتجاوبون مع الأساتذة بشكل رائع .. ))
قالت رحاب بهدوء .. (( هم بضعة طلبة إما أبناء لأطباء أعطوهم بعض المفاتيح قبل البدء في الدراسة .. او أنهم طلبة متعجلون وبدءوا الدروس الخاصة مبكرا ))
شعرت حمدية بالراحة الشديدة لهذا التبرير
كان خروجها عن عزلتها امرا رائعا بالفعل فقد اقتنعت الآن قناعة تامة بأنها ليست وحدها العاجزة .. وهذا مؤشر جيد على أن الأمل ما زال باقيا لها ..
ولم تتمالك نفسها من سؤال رحاب قائلة .. (( وترى هل بدأت دروسك الخاصة مبكرا مثلهم ؟؟ ))
ضحكت رحاب وقد فهمت مغزى السؤال فربتت عليها وقالت لها بكل بساطة ..
.. (( أريد أن أخبرك بشيء هام جدا .. أنا لا أحب أبدا التعامل على أساس أني ابنة رجل ثري أو رجل أعمال شهير .. فهو قد صنع نفسه .. وأنا أيضا أريد أن أصنع نفسي بنفسي ولا أكون قائمة على عظام آبائي .. ))
ضحكت حمدية وقالت .. (( قولي مصطلح أنك تريدين أن تكوني عصامية لا عظامية ))
بادلتها رحاب الضحك وقالت لها .. (( هي كذلك بالفعل .. فهل تقبلان صحبتي على هذا الأساس .. ))
قالت زينب بفرحة .. (( بالطبع نقبلها ونشرف بها ))
في حين قالت حمدية بتحفظ .. (( والله طالما لم نر منك سوءا فهو مكسب رائع لنا .. ))
وبدأت المحاضرة التالية لتنهي هذا الحوار الثلاثي بينهن .
يتبع بإذن الله
:)
http://dc534.4shared.com/img/xbFe1FEQ/s3/Page1.png
راااااااااااااااااااائعة
متابعة مع حضرتك
:hi:
الحلقة السابعة
كان عبد الجليل عائدا من عمله الذي يستنزفه بدنيا تماما .. كانت كل آمارات الإرهاق والتعب بادية عليه .. حتى أنه كان يتوق إلى أي فراش ليرتمي عليه بسرعة ..
كان الجو هادئا ولا صوت بالداخل مما يوحي بعدم تواجد أحد به .. وبرر ذلك بأنه جاء مبكرا ولم يتعطل في المواصلات اليوم ..
وبينما هو ينسل بهدوءه المعهود .. اذا بأذنيه تلتقطان صوت نهنهة مكتومة ..
توقف مكانه وركز سمعه ليتأكد مما أثار انتباهه ..
وتأكد فعلا من ذلك ..
فتعجب ترى من هذا الصامت الذي يحاول كتمان ما به ..
كان الصوت آتيا من ناحية الركن الذي ترتاح به أمه وأخته ..
ترى هل هي حمدية وعادت باكية من كليتها ؟
طرق الباب بهدوءه الذي لا يعرف سواه ..
فإذا بصوت أمه الذي تحاول الباسه غير حقيقته تتسائل من الطارق أخبرها بأنه عبد الجليل فأذنت له بالدخل .. فدخل وهو يرى كل آثار كفكفتها لدموعها ..
فذهب وجلس ملتصقا بها ووضع ساعده على كتفها وضمها اليه بحنان وقال لها ..
.. (( ما بك يا أمي ؟ ))
قالت .. (( لا شيء يا ولدي .. ))
تسائل متعجبا .. (( عجيب أنك بالمنزل في هذا التوقيت .. هل طردك أحد أو أهانك في أعمالك التي تقومين بها ؟ ))
هزت رأسها نافية وبينما هي تفعل التقطت عينا عبد الجليل بجانب جبهتها كدمة زرقاء كبرى .. ففزع ونزع ساعده وأمسك برأسها ليفحصها ويرى ما بها وقال لها بجزع ..
.. (( ما الي حدث يا أمي ؟ .. أستحلفك بالله أن تخبريني .. هل آذاك أحد أو اعتدى عليك بالضرب ؟ ))
وكأنما كان اكتشاف ولدها لآثار ما بها قد كسر كل مقاومتها فانفجرت باكية .. فضمها عبد الجليل الى صدره وسالت دموعه معها وقال لها ..
.. (( كفاك يا أمي الحبيبة وفقط أخبريني بمن فعلها وأقسم أن أجعله يركع أمامك هنا طالبا للغفران .. ))
قالت أمه بصوت متهدج .. (( لم يلمسني أحد يا ولدي إنه أنا التي بدأت أفقد بصري .. ))
شعر عبد الجليل بقبضة تعتصر صدره وتداعت الى ذاكرته بعض المشاهد التي كانت تمر عليه ولا يعطيها انتباها ..
ذات يوم حينما طلب منها أن تناوله الملعقة التي بجوارها وهي تقول له لا توجد ملاعق بجواري
مرة أخرى عندما سقطت منها السكينة أثناء إعدادها لوجبة العشاء وظلت تتحسس الأرضية كثيرا حتى لمستها رغم أنها كانت ظاهرة
وغيرها الكثير مثل هذه المشاهد وهي صامته لا تشكوا أو تريد أن تلفت انتباه أحدهم
فقال لها .. (( وما الذي حدث لك اليوم يا أمي ؟؟ ))
قال له بصوتها الباكي .. (( لم أكن أرى درجات السلم أمامى وهويت متدحرجة من أعلاه لأسفله ))
شعر عبد الجليل بكل ألم الدنيا لأجل أمه فقال لها بصوت يقطر أسى ..
.. (( حسنا يا أمي سنذهب في الغد بإذن الله الى مستشفى عين شمس الجامعي لنكشف عليك في قسم العيون ))
هزت رأسه قائلة (( لقد اشتريت إحدى قطرات العين من الصيدلية منذ أسبوع ولكنها لم تفد بشيء .. بصري في طريقه الى الذهاب بالفعل يا ولدى فلا داعي للتكلفة التي لن تجدي بشيء ))
كان عبد الجليل يشعر بكل عجز الدنيا فلا يوجد مصدر لهذه التكلفة بالفعل
ولكنها أمه ولا يمكن أن يقف هكذا صامتا .. سيفعل أي شيء لأجلها ..
فقال لها أنا عائد إلى عملي الآن يا أمي كي أستأذن صاحب المطعم في التغيب صباح الغد
وبإذن الله سنذهب ونقوم بعمل اللازم ..
كانت أمه غير قادرة على الكلام من الألم الذي يعصف بجسدها على أثر السقطة التي حدثت لها .. فكفكت دموعها وقالت له ..
.. (( كما ترى يا ولدي .. ))
فقام عبد الجليل واندفع خارجا وقد تناسى كل ما به من إجهاد وألم ..
*****
دخلت رحاب قاعة المحاضرات وأخذت تبحث ببصرها عن حمدية وزينب ورأتهما في مكانهما المعتاد بأقصى مكان بالقاعة .. فذهبت اليهن وجلست بجوارهن وبعد السلام وتحية الصباح أخرجت من حقيبتها كتابين ضخمين ومدت يدها بالأول الى زينب وبالآخر الى حمدية .. تناولت زينب منها الكتاب وهي تتفحصه وترى ما هو .. في حين سألتها حمدية قبل أن تمد يدها قائلة .. (( ما هذا ؟؟ ))
قالت لها رحاب ببساطة .. (( إنه كتاب علم الخلايا والأنسجة حصلت على نسختين لكما حين شرائي له كهدية تعارف .. ))
شكرتها زينب بحرارة على كرمها وطيب أخلاقها ..
في حين لم تستطع حمدية أن تخفي تمعر وجهها بألم ما وقالت وهي تبتسم ابتسامة متكسرة
.. (( أنا فعلا عاجزة عن شكرك ولكنه لدي بالفعل .. ))
ارتبكت رحاب وترددت ولم تدري ماذا تفعل فما كان منها إلا أن سحبت الكتاب بحرج وقالت لها .. (( يا خسارة كنت أريد أن أستطيع مفاجئتك بهديتي ولكنك سبقتيني .. حسنا يا دكتورة .. يبدوا أنك دوما سباقة وسوف تسبقيننا في كل شيء .. ))
عقدت حمدية حاجبيها في ألم لم تستطع إخفاء آماراته وهي تموج بانفعالات عجيبة جدا لأول مرة تجربها ..
فهي اعتادت على تقبل الصدقات .. وتربت على أن دوما هناك يدا عليا تعطيها ..
لماذا كان هذا رد فعلها مع صديقة تتقرب لها .. وتمد لها يد العون بشيء هي في أشد الحاجة اليه فعلا .. ؟؟ ..
ربما كان ذلك بسبب أنها في السابق كانت معدومة الأمل والطموح في أي شيء ..
وبالتالي كانت كل الأمور بالنسبة لها سيان .. وكانت حياتها مجرد تعداد للأيام وفقط
أما الآن وقد بدأت تشعر بكيانها وذاتها ..
بعد أن بدأت في تحطيم المستحيل ..
بدأت تركيبتها النفسية الحقيقة في الظهور ..
فهي رغم الاستكانة الماضية إلا أن بداخلها عنادا كان ينتظر ما يستحثه على الاشتعال
وقد جاءت هذه الفرصة ..
فرحاب رغم طيبتها وأخلاقها وانها لم تحاول أبدا أن تعاملهن على أنها الأفضل
إلا أن حمدية كانت تعاملها بندية تامة ..
فهي دخلت كلية الطب بمجهودها الشخصي وبعقلها وقدراتها مثلها تماما بل قد يكون ذلك بأفضل منها .. فرحاب قد تكون لديها كل الامكانات التي أهلتها للدخول بسهولة
أما هي فقد نحتت في الصخر كي تصل ..
لهذا كان رد فعلها السابق ..
وتوتر الجو وتكهرب بين الثلاث مرة واحدة .. زينب انتباها الإحراج فقد ظهرت كأنما هي انتهازية مع رد فعل حمدية .. وحمدية شعرت بشعور مركب عجيب بين الشعور بالعجز الحقيقي .. ومحاولة دفعه بتصرفها .. وكذلك بالألم لرؤيتها احراج رحاب الشديد
ورحاب التي وضعت بموقف لأول مرة تجربه .. ولم تفه سوى بجملتها السابقة
وأنقذ الجميع من هذا الموقف بدء المحاضرة ..
****
وقف عبد الجليل في طابور طويل جدا غير منتظم بأيي حال من الأحوال ..
فهو قد توقف مكانة تقريبا نصف الساعة لا يتحرك بسبب أن الطابور الافتراضي هذا يتم اختراقه من جميع الجوانب من الأمام
وهو واقف مستكين ينتظر تحركه ..
وأخيرا وصل الى شباك تذاكر الكشف بالمستشفى
دفع المبلغ الزهيد واستلمها غير مصدق بأنه قد فعلها ..
واصطحب أمه ليقف في طابو آخر أعجب من الأول ..
فهو قد حان دوره خمس مرات ولكن لا يسمحون له بالدخول أبدا .. فدوما يدخل احدهم أو إحداهن بصحبة ممرضة أو برفقة شخص مهندم الثياب
وعندما يتم الاعتراض من أحد الواقفين يتم طرد الجميع للخارج
وبعد خمس دقائق يتم تشكيل الطابور من جديد
وهكذا ..
وأخيرا استطاع الدخول الطبيب
فإذا به شاب صغير السن برفقه طبيبه في مثل سنة .. التي قامت واقفة وقالت لزميلها .. .. (( انا ذاهبة الى الكافيتريا لتناول أي شيء بارد في هذا الحر .. ))
فلم يتردد الطبيب من الوقوف قائلا ..
.. (( بالفعل الجو صعب جدا .. كفانا تعب اليوم .. ))
مد عبد الجليل يده بالتذكرة الطبية قائلا للطبيب .. (( لو سمحت يا دكتور أمي .. ))
قاطعه الطبيب قائلا بغير عناية .. (( تعال في الغد لقد أنهينا كشوفات اليوم .. ))
أسقط في يد عبد الجليل .. فهو لم يذكر لأمه بأن صاحب المطعم قد خصم له هذا اليوم بعمل يومين .. وهو كذلك قد تذوق المرار في زحام المواصلات برفقة أمه رغم قرب المسافة ..
وكذلك أمه التي يقتله الجزع عليها
فأمه التي لم تشكوا أبدا من قبل لم تعد تستطيع كبح جماح دموعها .. وهذا يعني بأنها قد تجاوزت كل حدود الاحتمال ..
ولكن رغم كل هذه الانفعالات التي تموج به .. لم يفه بحرف وخفض يده بالتذكرة وهو يهز يده الثانية بحيرة ..
ترى هل سيتمكن المجيء بها مرة ثانية ؟؟
وهل سيسمح له صاحب المطعم ؟؟
جر عبد الجليل قدميه برفقة أمه التي لم تفه بحرف وكانت أكثر استسلاما منه ..
كانت هناك ممرضة تشهد انكساره هذا .. فذهبت اليه وسألته ..قائلة .. (( هل الحالة عاجلة ؟؟ ))
قال لها .. (( عاجلة جدا ومن الصعب المجيء مرة أخرى .. ))
برقت عينا الممرضة بجشع .. فهو حالة مثالية ..
فقد كانت لها وظيفة أخرى غير عملها المعتاد بالمستشفى .. وهي اصطياد الزبائن لعيادة أحد الأطباء ولها مقابل على كل حالة ترسلها اليه ..
فقالت له .. (( سأعطيك عنوان عيادة عيون بجوار المستشفى هنا سيقوم باللازم لكما .. ولكي يعتني بكما أخبره أنك من طرف ميس هناء .. ))
سألها عبد الجليل باهتمام .. (( ما هي قيمة الكشف لديه ؟؟ .. ))
قالت له بغير عناية .. (( ليس كثيرا .. إنها فقط مائة وخمسون جنيها ولكن سيقوم بعمل كل اللازم .. ))
اتسعت عينا عبد الجليل وابتلع ريقه بصعوبه فراتبه في عمل شهر كامل فقط مائة وعشرون جنيها ..
فشكرها بصوت متردد ولكن الممرضة المتمرسة استشعرت عجزه .. فأصرت على الفوز بالصيد قائلة .. (( كم لديك الآن ؟؟ ))
قال لها عبد الجليل ليس معي سوى خمسة عشر جنيها
قالت له .. (( سأخدمك خدمة العمر .. تعطني الخمس جنيهات هذه .. وسوف أجعل أحد الأطباء هنا يكشف عليها بالعشرة الأخرى .. فما رأيك ؟؟ ))
رأي عبد الجليل الصفقة جيدة فقد هبط السعر الى نسبة العُشر ..
فقال لها .. (( موافق .. ))
فقالت له أمه .. (( لا داعي يا ولدي لكل هذا .. سأعتاد على الأمر .. ))
ربت عبد الجليل على كتفها وابتسم لها ابتسامه باهتة قائلا ..
(( فلتذهب الأموال الى الجحيم يا أمي .. المهم صحتك .. ))
وبعد دقائق فحصها طبيب بسرعة وقال له .. (( أمك تعاني من المياة البيضاء وهي تزداد بسرعة .. وسوف تتسبب في العمى التام مالم نقوم لها بعملية إزالة عدستي العينين .. ))
قال له عبد الجليل باهتمام .. (( هل سيتحسن بصرها بعد العملية هذه يا دكتور بشكل مؤكد ؟؟ ))
أومأ الطبيب برأسسه وقال له .. (( بالطبع .. ))
قال له عبد الجليل .. (( ما المطلوب لكي نعملها لها .. ))
كما هو الحال مع الممرضة .. شعر الطبيب بأنه صيد رائع ..
فقال له .. (( من الصعب عملها لكم هنا .. لذا من الممكن أن أدلك على مركز طبي رائع لعملها به وهناك ستجد عناية فائقة .. ))
وكان السؤال الطبيعي لعبد الجليل هو عن التكلفة .. وكان الرقم الذي جعله ينطلق وهو يشعر بأنه مثقل بفولاذ يشل كل حركاته وأفكاره وقدرته حتى على النطق ..
واقتاد أمه وهو يكتم دموعه بصعوبة شديدة
وأفلتت منه دمعة سريعة مسحها بسرعة قبل أن تلتقطها عينا أمه
وأخذ يفكر في أي وسيلة يستطيع بها فعل شيء لأمه
ولم يكن يدرى بأن هذا لأمر سيكون مقدمة لأمر جلل لا يخطر له على بال بأي حال من الأحوال ..
يتبع بإذن الله
:)
http://dc534.4shared.com/img/xbFe1FEQ/s3/Page1.png
رااااا ئعة يا دكتور الحلقات بتزداد إثارة وتشويقاً ،تسلم الأيادى
______________
وحسيت فعلاً بالغيظ والضيق الشديد على حالة المرضى والتعامل معهم بهذه الطريقة الفظة
فى حين أنه يجب الإهتمام بهم والتعامل معهم بكل رحمة واحترام والأصعب والأشد مرارة
أنه سلوك صدر من أناس لقبوا بملائكة الرحمة،كل واحد بيبحث عن مصلحته حتى لو تألم غيره
فهذا فى طى النسيان وليس من أولوياته، بتمنى دوماً أننا نحس بعض أكتر من كده ومنجيش على حد
بالشكل المهين والمذل ده ،وقبل ما نعمل أى تصرف نضع أنفسنا مكانهم ونشعر بألمهم
بس للأسف دى حقيقة نعيشها فلا مهرب منها ولكن علينا التعامل معها بشتى الطرق
فدى مسئولية تقع على عاتقنا
أسفة على المقاطعة يا دكتور وبالتوفيق الدائم
:hi::hi:
الحلقة الثامنة
.. (( هل تريدين شيئا آخر يا بنيتي .. ؟؟ ))
نطقت بها نبوية تلك المربية العتيقة المسئولة عن خدمة رحاب بكل حنان وود ..
فهي بمثابة الأم لها بعد وفاة والدتها وهي ما زالت طفلة بعد .. وهي القائمة على رعايتها وكل ما يخصها .. وهل تفعل ذلك ليس لأجل الراتب وفقط .. ولكن لأنها ارتبطت بها ارتباطا وثيقا لا فكاك منه حتى أصبحت حقا بمثابة أحب بناتها إلى قلبها
ورحاب أيضا لم تعاملها قط على أنها تعمل عندهم ولم يكن هذا بالحديث وفقط كمجاملة لها
بل كانت شعوريا أيضا تمنحها كل الحب والمشاعر الطيبة ..
وكل ما كان يلم بها كانت تضع رأسها على صدرها وتبكي وتفرغ بين يديها كل ما تعاني منه ..
نظرت اليها رحاب بكل ود وقالت .. (( شكرا جزيلا ماما نبوية .. سأحاول التحصيل قليلا ثم أخلد الى الراحة بعدها .. ))
كعادتها أخذ لسانها يلهج لها بالدعاء .. وحملت أكوابها وتركتها وخرجت ..
وبعدها بنصف الساعة ..
كانت رحاب فاتحة كتابها على إحدى صفحاته وهي تضع رأسها بين يديها وفكرها كله يطير بعيدا ..
الى حمدية ..
فمنذ أن رأتها بالصدفة في ركن قصي وهي تبكي بكاءا حارا وقد تمزق قلبها لأجلها ..
فكرت وقتها أن تذهب اليها لتضم رأسها إلى صدرها وتمسح عليه وتحاول أن تواسيها بأي كلمة ..
ولكن كعادتها لا تقدم على خطوة إلا بعد أن تدرسها جيدا .. توقفت قليلا وتفكرت لو أنها في موضعها ماذا سيكون رد فعلها ؟؟ ..
بالطبع ستمسح دموعها مسرعة وتذكر أن السبب أي شيء غير الحقيقي لما هو بها
لذا ..
أفضل مواساة لها .. أن تسعى لمعرفة السبب الحقيقي لمعاناتها ومحاولة تخفيفه عنها
وإن كان السبب واضحا جليا على محياها .. وهو الفقر الشديد مصحوبا بأنها دخلت بيتا تشعر بالغربة والعجز فيه ..
ولهذا فكرت بأن تتقرب لها في حالتها الطبيعة وتحاول مصاحبتها وبعد ذلك تخترق خصوصيتها .. وبعد الصداقة يمكنها مساعدتها بشتى الطرق ..
ونجحت في الخطوة الأولى معها هي وزينب ..
ولكن ..
فشلت فشلا ذريعا في الخطوة التالية ..
ربما لأنها لم تدرس نفسيتها بشكل كامل لتعلم ما الذي تتقبله وما الذي ترفضه ..
والآن وبعد أسبوعين من الدراسة ..
وبعد أن انضمت هي وزينب وحمدية لأسرة ابن النفيس التي يقوم أوائل الطلبة بها بعمل دروس خصوصية كمساعدة لزملائهم الجدد قبيل بدء اليوم الدراسي ..
وكذلك كان من نشاط الأسرة أن يقوم الطلبة القدامي بها بمنح زملائهم الجدد كتب الأعوام الماضية والتي لم يعد لهم حاجة بها .. وذلك على سبيل الاستعارة ويقومون بردها بعد انتهاء العام والنجاح بإذن الله ..
وبهذا فقد بدأت الأمور في الانتظام مع الجميع ..
ولكن ..
كان الذبول الذي يظهر على حمدية ويستمر في الزيادة .. يوحي بأنها تعاني من أهوال كثيرة لا ترى بالعين ..
ورغم المواقف الكثيرة التي حاولت فيها رحاب مساعدتها بشتى الطرق المباشر منها وغير المباشر .. كانت حمدية ترفضها جميعها وتتهرب منها في إباء وعناد عجيبين
حتى أن رحاب وبشكل غير مباشر .. أقدمت على الخطوة التي كانت تظن بانها مقبولة وقد تكون النهائية .. فقد تركت لها وريقة ذات مرة بين ثنايا كتابها ..
ووقفت ترقب حمدية من بعد ووجهها يتمعر بنفس الألم المركب الذي يجمع ما بين الاحساس بالعجز والامتنان والعناد ..
وكانت هذه آخر محاولة من الممكن أن تؤني ثمارها مع حمدية ..
فقد كتبت لها مشاعر الحب بينهما وانها لا فارق بينهن .. وإنما كانت أقدار الله أن تولد كل منهما في ظروف مختلفة لا يد لها فيها .. وليست يدا عليا تمنح السفلى
وإنما هي أخوة وتكافل على حسب تعاليم الاسلام ..
ولهذا هي تعرض عليها سلفة مستمرة ومفتوحة تأخذ ما تريد في أي وقت
وبعد تخرجها وحينما تصبح طبيبة ناجحة تسدد كل المبالغ التي سحبتها
وهذه ندية تامة لا شيء فيها ..
وللأسف فشلت في ذلك أيضا ..
ولأن رحاب أيضا لا تحب الاستسلام السريع ..
وعقلها الرائع لا يكف عن الابتكار ..
ولأن هذه المشكلة أصبحت تشغلها بشكل غير عادي ..
فقد تركت كتبها وأطفأت أنوارها ..
وقامت تتمدد على سريرها وهي تعتصر ذهنها في وسيلة تغير من حال حمدية هذه ..
وبعد ساعة كاملة من تقليب الأمر على جميع وجوهه ..
ابتسمت بنصر وظفر ..
فقد أتتها الفكرة الرائعة التي تحسم بها كل شيء وتعالج الأمر من شتى جوانبه ..
وتدثرت باستمتاع وهي تتلهف بقوة الذهاب الى الكلية لتنفيذ مخططها الرائع .
*****
لأول مرة ينتبه صاحب العمل إلى عبد الجليل بهذا الشكل المبالغ فيه ..
فقد طرأ عليه تغيرا جديدا لم يعهده منه أبدا ..
فعبد الجليل الذي لم يشكوا أبدا من التعب والإرهاق .. وإن كانت آماراته كانت تصرخ بدلا من كلماته ..
ولكن في الآونة الأخيرة لحظ الرجل أن عبد الجليل كثيرا ما يرتمي جالسا على الأرض منهكا وهو يخرج أنفاسه بصعوبة ..
وعندما يدقق يجد آثار الدموع التي تتجمد قبل أن تخرج من مقلتيه ..
ظن الرجل بأن عبد الجليل مريضا .. وخشي أن يحدث لها حادث فيؤثر عليه
وقد يلزمه ذلك بدفع أي مصاريف له ..
لهذا فقد ناداه
وقال له .. (( هل أنت مريض يا عبد الجليل ؟ ))
قال له عبد الجليل في ارتباك .. (( لا أبدا وآسف لتقصيري ولن أفعلها بعد الآن .. ))
قال له الرجل باهتمام .. (( فقط أخبرني بحقيقة الأمر فقد استطيع مساعدتك .. ))
وكانما كانت كلمة المساعدة هذه بمثابة مفتاح سحري
فرغم أن عبد الجليل يعلم علم اليقين باستحالة حدوث ذلك من هذا الرجل .. إلا أنه كان يتعلق بأصغر قشة قد يجدها لتخرجه مما هو فيه ..
لهذا .. أفرغ بين يدي الرجل كل ما يعتمل به ..
اطمأن الرجل بأن الأمور لا ضير فيها ..
فهو لا يعنيه إن كانت أم عبد الجليل ستصاب بالعمي التام أو حتى الكساح
المهم أن العامل الذي امامه بكامل صحته ويمكنه العطاء المستمر بهذا المقابل الضئيل
وبالتالي يزيد له مكاسبه ..
ولكن واسى عبد الجليل بان أخبره بمحاولة ايجاد حل له في القريب العاجل وألا يقلق ..
وكطفل صغير .. كان عبد الجليل مصدقا لكلام الرجل وأنه حقا سيبحث في أمره
فتغير محياه .. وقد عاد إليه الأمل
وانعكس هذا على آدائع بالفعل .. فقد تحول الى حالة النشاط الزائد فجأة
وكانت تقع عيناه على الرجل كل فترة كأنما يستعرض أمامه لكي يهتم بالفعل ويرد له جميل عمله المتقن هذا ..
ولم يكن يعلم بان الرجل قد انصرف ذهنه تماما عن الأمر برمته ..
ولكن ..
ياللعجب .. فقد كان هذا الموقف هو صاحب التغيير الكلي بالفعل في أمر أمه
يتبع بإذن الله
:)
http://dc534.4shared.com/img/xbFe1FEQ/s3/Page1.png
جميلة يا دكتور
تسجيل متابعة
:hi:
الحلقة التاسعة
دخلت حمدية وهي تجر قدما وتؤخر الأخرى وهي تشعر بحرج شديد
وإذا به يقوم من على كرسيه بهدوء ويتوجه اليها ببسمة لطيفه تزين وجهه الوسيم ويقف أمامها متسائلا بصوته الحاني ..
.. (( بماذا تأمرين يا آنسة .. ))
قالت له بتردد .. (( أليست هذه هي صيدلية الضحى .. وحضرتك د. موسى ؟ ))
حافظ على بسمته الجميلة وهو يقول
.. (( نعم بالضبط .. ))
فقالت له وهي لا تستطيع النظر لوجهه .. (( أنا حمدية الشرنوبي من كلية طب عين شمس و .. ))
قاطعها قائلا .. (( آه .. أهلا وسهلا بك .. تفضلي فنحن ننتظرك .. ))
وأشار الى الباب الداخلي داعيا إياها بالدخول بدلا من التوقف في موضع الزبائن ..
دخلت حمدية وهي تتطلع الى الصيدلية بمكوناتها وهي تتعجب كيف لم تر هذه الصيدلية من قبل رغم أنها كائنة بحي الشرابية الذي تقيم بضواحيه
وما أعجبها بشدة أن الصيدلية رغم أنها بحارة ضيقة وجانبية إلا أن زوق تصميمها عال جدا .. وألونها جميلة ومختارة بعناية وفن
وكانت في منتهى النظام والترتيب .. مما أشعرها بالراحة النفسية الشديدة
استقبلها د. موسى وأشار لمقعد داعيا إياها للجلوس قائلا ..
.. (( أهلا بك في صيدلية الضحى .. ))
جلست وهي تبحث عن أي شخص سواه بالصيدلية ولم تجد ..
فقالت له .. (( جئت للتدريب التابع لأسرة ابن النفيس .. فقد تم توزيعنا على الصيدليات على حسب محل الإقامة .. ))
جلس على الكرسي المواجه لها وقال لها ..
.. (( نعم أعلم ذلك فقد جائني مقرر الأسرة واتفق معي على البرنامج التدريبي لك ولزميلة أخرى اسمها مروة .. وتم توزيعكما بحيث تأتي إحداكما في أيام مختلفة .. أنت أيام الأحد والثلاثاء والخميس .. وهي أيام السبت والاثنين والأربعاء .. ومواعيد التدريب هي خمس ساعات من الثانية ظهرا حتى السابعة مساءا .. ))
تلفتت حمدية حولها كأنما ما زالت تبحث عن رفقة وقالت له :
.. (( ولماذا لا نأتي نحن الاثنتين سويا في موعد واحد ؟ ))
تنحنح وقال لها بهدوء من الواضح أنه سمته المعهود .. (( من تجربتنا في تدريب طلبة الصيدلة لن تستفيدوا شيئا اذا أتى أكثر من شخص في نفس التوقيت ))
لم تستطع حمدية أن تنظر لعينيه وهي تقول له ..
.. (( وكيف سيكون التدريب يا دكتور ؟ .. ))
.. (( بكل بساطة تصنيف الأدوية عندنا مختلف عن معظم الصيدليات لأنها ليست مرتبة على حسب الترتيب الهجائي لأسماء الأدوية
وإنما مرتبة على حسب الإستخدام الدوائي .. وبهذا مجرد أن تعرفوا أسماء الأدوية واستخدام الشائع منها هو مكسب كبير لكم
فبما أنكم طلبة بكلية الطب ينظر اليكم معارفكم واهليكم على أنكم تعرفون كل شيء
وبالتالي لابد وأن يكون لديكم جواب لمن يشتكي من الصداع أو المغص او ما شابه من الأعراض العامة .. ))
قالت حمدية بهدوء .. (( نعم فقد شرحوا لنا الهدف من التدريب ولهذا اشتركت معهم ومن الرائع فعلا أنكم توافقون على إفادتنا بهذا الشكل .. ))
وبعد قليل وبلا تضييع للوقت كانت حمدية قد بدأت في تفحص الأدوية وتسجيل أسمائها والغرض من تعاطيها في دفترها لتقوم بعد ذلك بحفظها ..
ومرة الأسبوعان بسرعة التزمت فيهما حمدية بالمجيء اليومي في موعدها
وبالفعل خرجت حمدية من هذه الفترة وقد استفادت بشكل رائع
وشعرت بأن لديها محصلة رائعة من التطبيقات الطبية بشكل عام
ولكن قبيل حصولها على شهادة بالتدريب من الصيدلية وانصرافها
كان في انتظارها مفاجأة رائعة ..
******
كان صاحب المطعم الذي يعمل به عبد الجليل يعيش إحدى أهم لحظات حياته ..
فقد كان محلقا في سماء الوهم والخيال والنشوة الكاذبة بعد تعاطيه لتلك المواد الغريبة التي دسها في سيجارته وتناولها وراء أخواتها في تتابع بدون ملل لمدة ساعتين
وكانت الرؤية مشوشة أمامه تماما والأصوات تأتي من قاع بئر سحيق وبصدى عجيب
ويبدوا أن هذا الجو الذي يعد انسلاخا كاملا عن الواقع قد أطلق لسان رفيقه
الذي قال له بصوت متقطع ..
.. (( الله لو تكتمل صفقتي التي أسعى بها الآن .. ستكون قفزة هائلة لي .. ))
ضحك صاحب المطعم بهستيرية وقال .. (( صفقة مخدرات ؟؟ .. ستتعاطاها معنا ولن تبيع منها شيئا .. ))
قال له رفيقه .. (( لا يا خفيف المخدرات مخاطرها كثيرة ومكاسبها لم تعد كالسابق والسوق أصبح ممتلئا بكل تافه وحقير لينافسنا فيه .. أما هذه فتجارة أخرى مكاسبها بلا مخاطر وفائقة وبلا ذرة تعب .. ))
رغم الغيبوبة التي كانت تعبق وعي الرجل إلى أن الجملة شحذت جزاء من وعيه
وقال له .. (( أي تجارة هذه ؟؟ ))
.. (( وهل أنا كالحمار كي أخبرك .. ))
ضحك الرجل بنفس الهيستيرية وقال .. (( أنت ألعن من الحمار .. ))
شعر الآخر بغيظ شديد وقال له .. (( الحمار الذي أمامك مكسبه قد يصل الى نصف المليون في الصفقة الواحدة التي لا تستغرق أكثر نصف يوم .. ))
أزال الرقم معظم الغشاوة عن عقل الرجل .. وهز رأسه بعنف وشعر بها مثل البيضة التي ترتج من الداخل مسببة له صداعا عجيبا
وأمسك بيد رفيقه وقبلها قائلا له في رجاء ..
.. (( أُقبل يد أبيك .. أخبرني ما هي .. ولا تدري ربما يكون حل مشكلة صفقتك الجديدة عندي .. ))
انتشى الرجل أكثر وأكثر برد الفعل هذا وقد أعجبه للغاية ..
فتصنع التفكير العميق .. ثم قال ببطء ..
.. (( أعتقد حقا بأنك قد تفيدني .. ولكن اعلم أن أول مبدأين وأهمها عندي يجب عليك الالتزام بهما التزاما تاما وأي مخالفة أو حتى الشك سينتهي كل شيء ويتبخر بسرعة ))
كان أثر المخدرات قد ذهب فعلا من رأس الرجل وبشكل عجيب ينافي كل القواعد العملية
فقال له بتهدج ..
.. (( كلمات معاليك أوامر واجبة التنفيذ ولا نقاش فيها .. ))
إزداد الرجل تعاليا وثقة وانتشاءا وقال بأهمية مصطنعة وببطء ..
.. (( القاعدة الأولى السرية التامة والمعرفة على قدر الحاجة .. لا تنتظر معرفة أكثر من المطلوب منك وفقط .. واذا حاولت تفهم أي شيء أو البحث عن شيء لا يخصك تكن نهايتك .. ))
هز الرجل رأسه بقوة موافقا على المبدأ الأول
فأكمل رفيقه قائلا .. بنفس الإيحاء بالخطورة ..
.. (( القاعدة الثانية لا يوجد أي محاولة للفصال أو النقاش فيما يُحدد لك من أسعار لخدماتك .. ))
ابتلع الرجل ريقه بصعوبة وهو يعلم بأن رفيقه يبتزه لكي يأكل نصيبه .. ولكن لأنه متلهف جدا لدخول هذا المجال الغامض ذو الأرباح الكبيرة فتقبل ذلك وبعد تعمقه في الأمور سوف تختلف الأمور حتما .. وأعلن له موافقته هذه ..
فقال له الرجل وقد بدأت الاهتمام الفعلي عليه ..
.. (( حسنا اليك المطلب الأول وهو إختباري لك .. لو نجحت فيه .. سيكن لك مبلغ عشرون ألف جنيه دفعة واحدة .. ))
هم الرجل أن يهب صارخا فيه كيف أنه سيكسب مئات الألوف ويلقي اليه بهذا الفتات
ولكن تذكر ما وعده به من لحيظات وتذكر هدفه الأكبر .. فضغط على أسنانه بغيظ مكتوم
وقال له ..
.. (( كلي آذان صاغية .. ما هو مطلبك الأول .. ))
*****
كانت حمدية داخلة الى قاعة المحاضرات وهي تكاد أن تحلق في سمائها من الفرحة التي تهزها ..
وبحثت بسرعة عن زينب ورحاب واندفعت اليهما وهي تكاد تتعثر بخطواتها ..
وبكل شجن قالت لهما .. (( باركو لي .. ))
نظرت اليها زينب باهتمام منتظرة الخبر .. في حين التمعت الفرحة في عيني رحاب وهي تقول لها .. (( ألف مبرووك .. ولكن على أي شيء .. ))
قالت بحروف متقافزة .. (( بالأمس حدثت مفاجأة رائعة .. قبيل ذهابي من الصيدلية التي كنت أتدرب بها اذا بالدكتور المدير بها أشاد بي وقال بأني من أفضل كل طلبة الصيدلة الذين تدربو عنده من قبل وأني في أسبوعين فقط قمت بتحصيل مالم يستطيعو فعله في أشهر عديدة .. ولهذا ولتميزي عرض علي العمل بالصيدلية في نفس التوقيت الذي كنت أتدرب به يوميا وهو سيتسلم الصيدلية مني فترة المساء وفقط وعرض علي راتب أربعمائة جنيه في الشهر .. ))
سالت دمعة فرحة حقيقية من عيني رحاب وهي تقول لها .. (( مبارك حبيبتي أنت تستحقين أكثر من هذا .. ولكن ماذا ستفعلين في محاضرات يوم الأربعاء التي تنتهي في الثالثة عصرا ؟؟ ))
قالت حمدية وما زالت الفرحة تتقطر من حروفها .. (( أخبرته عن ذلك فوافق على التأخر في هذا اليوم مقابل المجيء باكرا في يوم آخر .. ))
كانت رحاب تهم بأن تحتضنها لولا تواجدهم بقاعة المحاضرات والسعادة التي تكتنفها ربما أكبر وأغزر مما تشعر به حمدية نفسها ..
وقد شعرت بالرضا التام لنجاح خطتها التي سعت لها بهدفها النبيل ..
فهي التي سألت قريبها الصيدلي عن صيدلية قريبة من غمرة أو الشرابية واتفقت مع مديرها على اتفاق خاص بتشغيل حمدية لديه ولكي يأتي الأمر بطريق غير مباشر
سعت إلى مقرر أسرة ابن النفيس باقتراح نشاط للأسرة بتدريب بعض الطلبة بالصيدليات
بشرط أن تكون حمدية بهذه الصيدلية ..
وسار كل شيء كما أعدت له تماما ..
وانغمست هي وحمدية في عبارات التعبير عن السعادة
ولم تنتبه إحداهما الى زينب التي لم تفه بحرف سوى بجملة خافتة بينها وبين نفسها
وهي تقول .. (( يالك من محظوظة !! .. ))
يتبع بإذن الله
:)
http://dc534.4shared.com/img/xbFe1FEQ/s3/Page1.png
الحلقة العاشرة
نادي صاحب المطعم على عبد الجليل ولأول مرة يقدم له كرسيا داعيا إياه بالجلوس وقال له ببسمة ودود تعجب لها عبد الجليل لأنه لأول مرة يراها ..
وقال له .. (( حالك لا يعجبني يا عبد الجليل .. ))
اتسعت عينا عبد الجليل في جزع وقال له ..
.. (( أنا آسف يا حاج على أي تقصير حدث مني وأعدك ألا يتكرر أبدا .. ))
ربت الرجل عليه وهو يضحك قائلا ..
.. (( أنت أفضل عامل لدي وليت الكل يفعل ربع جهدك .. ))
شعر عبد الجليل بالسعادة فلأول مرة يتم تقدير جهده أو يثني عليه أحد ..
واستطرد الرجل قائلا ..
.. (( لهذا ودونا عن البقية سوف أقوم بالتأمين عليك لأن وزارة الشئون الإجتماعية تتابع ولابد وأن يكون أحد العمال عندنا مؤمن عليه .. وهذا سر لا يجب أن تخبر به أحدا من رفاقك هنا .. ))
لم يكن عبد الجليل يفهم ما هو هذا التأمين أصلا ولم يسمع عنه من قبل
فكل ما يعرفه أن يعمل في المكان وكل أمره بيد صاحب العمل وفقط وليس له أي حقوق ومن الممكن أن يتم طرده في أي وقت وبلا أسباب .. أما لو حدثت اصابه أو إعاقة أو عجز عن العمل فلا حقوق له .. وسيتم الاستغناء عنه بلا مقابل ..
ولكن هذه السرية والإطراء السابق له أشعرته بأنها شيء جيد فلم يرد أن يضيعها من يده فابتسم وشكر الرجل بحرارة مثنيا على طيبة قلبه ووعده بأن جهده سيزداد في الفترة المقبلة ..
ضحك الرجل وقال ..
.. (( وكما بدأت الحوار معك بأن حالك لا يعجبني .. فقد كنت أعني حالتك الصحية .. الشحوب وفقدان الوزن مستمران معك .. ويجب أن أطمأن عليك قبل اجراءات التأمين هذه .. ))
قاله له عبد الجليل متسائلا ..
.. (( وكيف ستطمئن علي ؟ .. ))
أخرج الرجل ورقة صغيرة ومد يده بها اليه قائلا له ..
.. (( لقد سألت طبيبا قريبا لي وأخبرني أنه كي أطمئن عليك يجب أن تجري هذه الفحوصات والتحاليل وتحضر لي نتيجتها .. ))
مد عبد الجليل يده ليتناول الوريقة وعيناه زائغتان .. فها هو باب جديد للإنفاق وهو لا يعلم أصلا ما هي فائدة هذا التأمين .. ولكن بالطبع لم يكن بيده الرفض ولا يستطيعه ..
واذا بالرجل يفاجئه وهو يمد له يده مرة ثانية بمبلغ من المال وهو يقول له ..
.. (( هذه الأموال ستكون تكلفة التحاليل وما يتبقي هو هدية لك .. ولو احتجت غيرها فقط أخبرني .. وكل مصاريفك على حسابي .. ))
هز عبد الجليل رأسه بعنف غير مصدق ..
هناك شيئا ما مختل وغير طبيعي ..
ولكن كعادته كتم كل تساؤلاته وقتلها بداخله
المهم أنه قد أنقذه من مأزق المصاريف .. ولهذا تناول المبلغ ولسانه لا يفتر عن عبارات الشكر والثناء للرجل ..
وهو لا يدري بما يخبئه له المستقبل خلف هذه الفحوصات والتحاليل . .
*****
أنهت حمدية فترة عملها بالصيدلية وفي تمام السابعة كان د. موسى يخط بقدمية الى داخل الصيدلية .. فشعرت بالسعادة لهذه الدقة في المواعيد ...
سلم عليها وسألها إن كانت لديها أي استفسارات
فأخذت تخبره بكل ما دار طوال اليوم
وعن بعض الأدوية التي انتهت كميتها ويجب طلب غيرها
وبينما هي تحمل حقيبتها لمحته وهو يخرج من حقيبته رواية بعنوان مواكب الأحرار
اتسعت عيناها وهمت بأن تتجاهل الأمر وتنطلق ولكن ..
إنها رواية ..
عشقها الخاص
ومتعتها الفريدة
ولهذا لم تستطع مقاومة الإغراء ..
فسألته قائلة .. (( هل أنت من هواة قراءة الروايات ؟؟ ))
نظر الى غلاف الرواية وابتسم وقد علم بأنها قد لفتت انتباهها .. وقال لها ..
.. (( بالطبع .. فالقراءة بشكل عام هي غذاء العقل .. والمجال الأدبي بالذات ليس غذاء للعقل وفقط وإنما للروح أيضا فنحن نعيش مع الأحداث بكياننا ووجداننا كله نفرح بالأحداث المفرحة فيها ونبكي ونتألم لكل مؤلم بها .. وكل هذه مشاعر انسانية سامية ما أجمل أن نجد ما يحركها بداخلنا ويبقيها مستيقظة دوما قبل أن تتآكل منا في هذا العالم المادي .. ))
ابتسمت حمدية بقوة وشعرت بسعادة بالغة ..
فقد قام بالضبط بالتعبير عما يجول بداخلها وحالها هي ..
لم تتخيل أن تجد من يشاركها هكذا وبنفس هذه التفاصيل ..
فقالت له .. (( أنا لا أجد واحة غناء مثل عالم الروايات هذا .. ولكن لمن هذه الرواية ؟ ))
قال لها بجدية .. (( إنها للدكتور نجيب الكيلاني أحد رواد الأدب الحديث وهي إحدى روائعة الكثيرة والغزيرة .. ))
قالت له بحيرة .. (( رغم قراءاتي الكثيرة ولكن للأسف لم أسمع عنه من قبل .. ))
هز رأسه بأسف وقال .. (( هو لم يأخذ حقه الإعلامي ولا حظه من الشهرة بسبب توجهاته وبالرغم من ذلك .. له اسم وثقل في عالم الأدب .. وروايته مواكب الأحرار هذه تستعرض جانبا خطيرا ومميزا للغاية لم يسبقه إليه أحد من قبل .. وذلك إبان فترة الحملة الفرنسية على مصر .. وبإذن الله بعد الانتهاء منها سوف أعيرك إياها ولنتناقش بعدها في أحداثها .. ))
شعرت حمدية بالسعادة الفائقة فقد كان هذا هو هدفها من البداية .. أن تحصل على الرواية ..
فشكرته بقوة واستأذنته للإنطلاق ..
وخرجت لتتمشى الى بيتها الذي لا يبعد كثيرا ..
وهي تشعر بأن حياتها حقا قد بدأت في الانتظام ..
وأن الكون أخيرا قد بدأ في الابتسام لها ..
*****
انتزع تامر إتاوته من حمدية وهو يقول لها .. (( اعلمي أنك بهذا المبلغ يتم حمايتك من الكثير .. فكل اللصوص والبلطجية ومتعاطي الأقراص المخدرة يتم ابعادهم عن هذه الصيدلية بهذا المبلغ الضئيل .. ))
ضمت حمدية شفتيها بقوة وعقدت حاجبيها دلالة الغضب والقهر .. فهي تعلم أنها بهذا المبلغ الذي تمنحه إياه أول كل شهر إنما لإبعاده هو عنها وعن الصيدلية ..
ولكن أمام تامر لا مفر من الاستسلام لأنه بكل أسف لا توجد قوة مضادة يمكن مواجهته بها في المرحلة الحالية ..
وتركته الى الداخل لتجد أمها كما هي جلستها اليومية في أحد الأركان صامتة واجمة كأنها تمثال مصمت تم وضعه في هذا الموضع وحيثما تركته ستعود لتجده كما هو وعلى نفس حاله وهذا بعد أن فقدت القدرة على الرؤية تماما ..
قبلتها حمدية وقالت لها .. (( باركي لي يا أمي اليوم أول راتب لي .. وبإذن الله سأصبح طبيبة عيون وسوف أعالجك بنفسي .. ))
ابتسمت أمها ابتسامة شاحبة وربتت على كتف ابنتها وقالت لها ..
.. (( بارك الله فيك يا بنيتي .. أنت أملنا جميعا في كل شيء .. وليعطينا الله واياك العمر .. ))
قبلتها حمدية واحتضنتها قائلة .. (( بإذن الله يا أمي سيتغير كل شيء وأعدك بذلك .. ))
ونظرت حولها متسائلة وقائلة .. (( أين بعد الجليل ؟ لا أسمع له صوتا .. ))
قالت لها .. (( ذهب لإحضار نتائح فحوصه وهو على وشك الوصول .. ))
وبالفعل لم تمر دقائق حتى دخل عبد الجليل ممسكا بنتائج فحوصه وهو يشعر بالرعب من أن يكون هناك مرضا خطيرا لا يدري عنه شيء ولحظه صاحب العمل وأراد أن يفعل له معروفا قبل وفاته ..
فهو قد اعتاد على أن المصائب تلازمه وتأتي تباعا ..
وانبسطت أساريره عندما رأي حمدية لدى دخوله فاندفع اليها مسلما عليها بحرارة كعادته
وأعطاها ما معه قائلا بمرح مصطنع ..
.. (( هيا يا دكتورة طمئنيني .. ما هي نتيجة هذه التحاليل .. ))
وهي ترفع رأسها بشموخ مصطنع وتضحك قائلة .. (( وهل حجزت دورك ودفعت قيمة الكشف يا سيد ؟؟ ))
ضحك عبد الجليل من قلبه وهو يقول لها .. (( أنا ضمن العشرة بالمائة الذين تكشفين عليهم مجانا يا دكتورة ومعي تصريح بذلك .. ))
تناولت حمدية منه النتائج وهي تقول ضاحكة .. (( لقد غلبتني يا سيد .. هيا أعطني ما معك .. ))
وبدأت تقرأ الفحوص الكثيرة .. ولكنها في النهاية قالت له ..
.. (( للأسف يا عبد الجليل لم أفهم من كل هذه التحاليل سوى أنها كلها ضمن المعدل الطبيعي
يعني مثلا هنا فحص الكيرياتينين المعدل الطبيعي يكون الى اربعة ونصف وانت لديك النتيجة واحد ونصف .. اذا أنت نتيجة تحليلك طبيعية أما ما هو الكرياتينين فلم أدرسه بعد .. وما عرفته جيدا هي فصيلة دمك وهي باء سالبة .. ونسبة الهيموجلوبين عندك ثلاثة عشر وهي أيضا ضمن المعدل الطبيعي مما يعني أنك رغم شحوبك لا تعاني من الأنيميا .. وبهذا يا سيد أنت كالحصان .. ))
قبل عبد الجليل رأسها بفرحة وهو غير مصدق بأن كل شيء طبيعي وأن كل أموره سليمه
وتناول منها نتائج هذه الفحوص وضمها بعناية وحرص شديدن كأنها شهادة خاصة تؤهله للترقي والتطور ..
وفي الغد .. وبعد أن منحها للرجل وأخبره بما قالته أخته .. أخذها الرجل منه وقال له ..
.. (( الحمد لله أنها جيدة ولكن يجب عرضها على طبيب فعلي وسوف أخبرك بعد أن يراها الطبيب قريبي ونبدأ في الإجراءات مباشرة حين اطمئناني عليك .. ))
وفي اليوم التالي ..
نادي الرجل على عبد الجليل .. واصطحبه معه في إحدى سيارت الأجرة وعبد الجليل يظن بأنه ذاهب للقيام بعمل إجراءات التأمين عليه ..
وعندما وصل معه إلى هدفه .. وجده آخر مكان من الممكن أن يخطر بباله ..
يتبع بإذن الله
:)
http://dc534.4shared.com/img/xbFe1FEQ/s3/Page1.png
الحلقة الحادية عشر
.. (( قرأت بالأمس رواية ليالي السهاد .. وهي رائعة مثل بقية روايات د. نجيب الكيلاني .. ولكن اندهشت فيها بقوة لعدة أمور .. ))
نطقت حمدية بهذه العبارة وهي تتناقش مع د. موسى عن الرواية الأخيرة التي استعارتها منه ..
وحافظ الأخير على بسمته المعتادة وهو يعدل منظاره ويقول لها بصوته الرصين ..
.. (( وما هي تلك الأمور ؟ .. ))
قالت له في حماسة .. (( بطل القصة رجل من المفترض أن فيه قدر كبير من الصلاح .. كيف تضطره الظروف للزواج بمطربة .. والكاتب صور لنا أن هذه المطربة كانت تفيض بالوطنية وقلبها موجوع على وطنها وما يحيق به .. فكيف هذا ؟؟ ))
اعتدل د. موسى على كرسية وتنحنح كعادته وقال لها ..
.. (( روعة كتابات د. نجيب الكيلاني أنها تتصف بالواقعية الشديدة .. ومن قمة هذه الواقعية التعامل مع الشخصيات بكل جوانبها .. ونحن كبشر ليس منا من هو طيب وصاف بنسبة مائة بالمائة .. وليس فينا من هو شرير بشكل مطلق .. فكل منا به جانب سيء وآخر مضيء وجميل
.. والناجح هو من يسعى لجعل الجانب الثاني هو الطاغي على طبعه وتصرفاته وأفعاله وصفاته
وبالتالي كان البطل المتصف بالصلاح فيه جانب من الضعف الذي أوقعه تحت ظل الظروف القاسية لأن يقتنع بزواجه من هذه المطربة ..
وفي نفس الوقت كانت المطربة ترى بأن ما تفعله رسالة فنية هادفة وبالتالي رغم كل تجاوزاتها كان بها جانبا طيبا وهو معايشتها الحقيقة لكل الأحداث التي تحيق بأرضها وكان من الرائع جدا تفاعلها مع تلك الأحداث ..
نحن نرى يوميا نشطاء لا ينتمون لملتنا يسعون لمساعدة الشعوب الفقيرة والمقهورة وبلا أهداف خفية كالتنصير وما شابه ..
هل نرفض هذه المساعدات بحجه أنهم لا ينتمون لعقيدتنا ؟
هل نأخذها منهم كحق مكتسب مع الازدراء لهم ولعنهم لأنهم ليسو بمؤمنين ؟
بالطبع لا .. يجب إعطاء كل ذي حق حقه
نرفض السيء بهم .. ونقيم ونؤيد ما هو طيب فيهم ..
فما بالك بمسلم عاص ؟
وهذا كان أحد اهم اهداف تلك الرواية .. ))
هزت حمدية رأسها دلالة عدم الفهم وقالت ..
.. (( ما أريد الوصول اليه الآن .. ما الذي يريد ايصاله لنا ؟ وهل هذه المطربة سيئة أو طيبة ؟؟ )) ..
ضحك د. موسى وقال ..
.. (( حقا إن الشعوب على دين ملوكها .. ونحن منذ أمد نعيش في ظل حكم الفرد الواحد الذي كلمته هي الصواب دوما ولا راد لها .. وسبحان الله قد وصف الله حكام مصر بهذه الصفة حين قال عز وجل على لسان فرعون .. (( ما أريكم إلا ما أرى .. )) .. وبالتالي أصبحنا كذلك في حياتنا الطبيعية بنفس هذه الطباع .. كل مدير في مؤسستة هو الحاكم بأمره .. كل رجل في بيته هو العبقري الفلتة صاحب كل القرارات الحكيمة والتي يجب أن تمتثل لها كل الأسرة .. ونحن على المستوى الفردي .. تخرج منا الأحكام مطلقة .. هذا إما سيء أو طيب بشكل مطلق ..
ورأينا لا راد له ولا يقبل النقاش ..
يا حمدية .. قالها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
(( أحبب حبيبك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ))
وبالتالي لا تحكمي على شخص بأنه سيء وترفضيه بشكل قاطع .. فحتما به جانب طيب ينتظر من يستكشفه به ويقويه فيه .. وما الممثلة الشهيرة شمس البارودي عنا ببعيد
وكذلك من ترينه طيبا صافيا خالصا ولا خطأ به لا تعلمين ما الذي سيحدث فقد تأتيك أشد الطعنات منه يوما ما وذلك لجهلك بعيوبه التي أجاد إخفائها عنك ..
لذا أنا أفضل دوما التعامل مع الأشخاص الذين نعرف عيوبهم قبل مزاياهم لأنه شخص واضح .. وأخشي ذلك الغامض الذي يجيد إخفاء نقائصه .. ))
هزت حمدية رأسها باقتناع وقالت كلام منطقي
واستمرت مناقشات حمدية مع د. موسى بشكل يومي عقب وصوله للصيدلية وكانت تجالسه ساعة على الأقل ..
أعجبها منطقه الدائم .. وحجته الحاضرة .. وثقافته الواسعه .. ونظرته الخاصة نحو كل الأشياء والتي تتسم بالاتزان التام ..
كانت ترى تعامله مع الزبائن في خلال هذه الساعة فتندهش ..
تارة تراه صارما جافا . . ومرة أخرى مرح وتلقائي .. وأخرى ديبلوماسي يتحدث بشكل علمي لمن هو أمامه .. وفهمت بعد ذلك أنه يتعامل مع الناس كل بحسب الأسلوب الذي يليق به ..
أعجبها أنه رغم علمه وثقافته كان في منتهى التواضع .. ولم يسعى لأن يشعرها بأنه ليس صيدليا يعتبره الناس كبائع في بقاله .. وأنه طبيب مثلها تماما درس العلوم الطبية كما هو الحال مع معظم الصيادلة ..
وإنما كان يشرح لها بعض خصائص الأدوية بأسلوب مبسط جدا وحين تعلن فهمها .. يبتسم ابتسامته التي أحبتها جدا ويقول لها ..
.. (( ستكونين طبيبة عبقرية وسوف أفخر يوما بأني كنت أعرفك .. ))
أعجبها تدينه بغير تشدد ولا تقعر ..
ذات مرة أذن لصلاة المغرب وهي معه واستأذنها ليصلي بالمسجد وسمعت يومها صوتا عذبا يقرأ بالمسجد وصوته يغطي المنطقة عبر مكبرات الصوت ..
وبعدها علمت بأنه كان هو الإمام .. وهذا صوته الجميل حين التلاوة ..
ورغم كل ذلك لم ينتقدها لعدم تحجبها كما فعلت بعض الزميلات معها بالكلية حينما نهرتها إحداهما قائلة لها .. (( سوف تُحرقين في جهنم بشعرك هذا أيتها المتبرجة .. ))
والعجيب أنها هي من فاتحته في هذا الأمر ..
فقال لها .. (( الحجاب برأي كل العلماء فريضة شرعية ويجب أن تقتنعي بأنه فرض مثله مثل الصلاة .. حتى لا تفعليه إرضاء لشخص وبعد خلافك معه تنتكسين بأسوأ ما كنت .. ))
كان رائعا في ترك القرار لها وليس إجبارا وقهرا وفرض الرأي بالقوة ..
وفاجئته ثاني يوم بحجابها ..
وفاجئها هو بهدية خاصة عبارة حجاب بمختلف الأشكال التي تحبها وكان يختزنه بسيارته ويبتسم ويقول .. (( كنت أثق بإقدامك على هذه الخطوة يوما ما .. ))
ولم يدر كيف كانت خطوته هذه ذات أثر فعال معها ..
كان دوما يشعرها أنها هي الملكة المتوجة المتفوقة ذات الإمكانات العالية وصاحبة كل قرار
وكم أحبت ذلك ..
وشيئا فشيئا .. ولأنها فطرة ..
بدأ د. موسى في التسلل إلى مشاعرها ووجدانها ..
تعدت معه مرحلة الإعجاب .. الى مرحلة التعلق به وأن الحياة لا طعم لها بدون وجوده فيها ..
بدأت ترسم الآمال والأحلام الكبرى ..
بدأت تختبر مشاعر لأول مرة تجربها ..
حين يدق قلبها بقوة منتظرا دخوله من باب الصيدلية ..
وحين يظهر تشعر بفرحة الدنيا كلها تحتل جنباتها ..
بدأت تقلده في كل شيء ..
لم تعد تشرب سوى النسكافيه بالحليب وتمسك الكوب بكلتا يديها مستمدة منه الدفء كما يفعل تماما .. وتبتسم وهي تتذكر مشهده ..
بدأت تسمع أغاني أم كلثوم وحليم بشكل جديد .. فالآن ليس الإعجاب بصوت دافء ومعاني جميلة .. إنما أصبحت استشعار لكل كلمة تقال من لهفة وحب ولوعة ..
أصبحت ترى هذه الأغاني كأنها رسائل موجهة لها هي
وكأنهم يعبرون عما يعتمل بقلبها ..
سألته مرة .. (( من هو مطربك المفضل ؟ .. ))
ضحكته القصيرة كانت بداية الرد كالعادة .. وقال لها .. (( لم أعد أستمع لهم .. ))
قالت له .. (( حين كنت تستمع .. ما هي الأغنية التي أعجبتك ولا تزال تذكرها .. ))
شرد ببصرة قليلا وقال ..
.. (( آخر أغنية استمعت لها قريبا رغم عدم سماعي للأغاني كمبدأ عام .. دفعني لذلك قصة قصيدتها الغريبة ..
فكاتب القصة شاب عراقي عادي جدا عصفت به الحياة .. ولا وزن له يذكر .. ولكن كانت موهبته الشعر ..
وكتب قصيدة كبرى تعبر عما ينتابه نحو حبيبته سندس وأرسلها لصحيفة عراقية بسيطة ونشرتها له .. كان هذا منذ أمد بعيد .. وتغيرت الدنيا واختفي هو خارج العراق بحثا عن الرزق ..
وإذا بمطرب يعشق الكلمة والشعر العربي الأصيل تقع عينه بالصدفة على هذه القصيدة ..
فنشر إعلانا لمعرفة من صاحب هذه القصيدة ..
فجاءه عشرات الردود كل منهم يدعي بأنها قصيدته ..
فقام بعمل اختبار رائع .. وقتها لم يكن الانترنت متاحا كما هو الحال الآن ..
كان يذهب لكل واحد منهم ويقرأ عليه مطلع القصيدة ويسأله أن يكملها وصاحبها هو الوحيد الذي سيستطيع ..
ولم ينجح أحد .. وأخيرا جائته رسالة مهترئة من ليبيا .. وصاحبها يقول أنها قصيدته وذكر له تاريخ نشرها ومن هو رئيس التحرير وقت نشر القصيدة ..
فسافر اليه خصيصا ليختبره ونجح بالفعل وتيقن من أنها قصيدته ..
فاشتراها منه بمبلغ كبير
ولحنها وغرد بها وطبقت شهرتها الآفاق ..
سمعت هذه القصة فدفعتني لسماع هذه القصيدة .. وإذا بي أتفاجأ بأن هذا المطرب قد وضع لمسات سحرية في هذه القصيدة .. قام بتغيير بعض الكلمات البسيطة ليجعل القصيدة تحمل معنيين .. معني للعشاق وجمهوره العريض .. ومعنى آخر أراده هو ويصل لمن يبحث عنه فقط
وقد وصلت إليه بالفعل .. ))
كانت حمدية مأخوذة بهذا الحديث فقالت له .. (( ما هي هذه القصيدة ؟ .. ))
ضحك وقال .. (( أولا هذه ليست دعوة لسماعها كي لا أتحمل ذنبك .. اقرأي أولا حكم سماع الأغاني وبعد ذلك أنت صاحبة القرار .. والقصيدة هي - أنا وليلي - للشاعر الشاب حسن المرواني .. ))
قالت حمدية في حماسة .. (( وما هو المعنى الذي وصلت اليه وأراده هذا المطرب ؟ .. ))
لم تنقطع ضحكة د. موسى وقال .. (( لن أخبرك .. ))
كانت حمدية تتقافز وتستجديه في القول وهو رافض تماما ... فقالت بتصميم ..
.. (( حسنا سأصل إليه وحدي .. ))
ولم تنقطع حمدية عن سماع هذه القصيدة وأصبحت هي المسيطرة تماما عليها بكل مشاعرها وكيانها ..
ولم تنقطع مفاجئات د. موسى عنها .. ففي يوم الرابع من يناير .. فوجئت به يحمل لها هدية رائعة بمناسبة ذكري مولدها ..
تعجبت كيف عرف بيوم مولدها هذا .. وأخبرها أنه عرف به من صورة البطاقة الشخصية التي قدمتها للصيدلية يوم تقدمها للتدريب .. وشعرت حمدية بسعادة لا مثيل تكتنفها ..
إنه مهتم بها للغاية ..
إنه يذكر كل شيء عنها .. بل لقد سعى لمعرفة أدق التفاصيل عنها ..
إنها حتما ليست مشاعر من جانب واحد ..
وأعجبها بقوة تذكرته الرائعة المغلفة بكل ود .. حين قال لها وهو يقدم لها هديته ..
.. (( اعلمي بالطبع أن ذكرى مولدك هذه يجب أن تحزني لمقدمها .. فعمرك قد انتقص عاما الآن .. ))
اندهشت حمدية من هذا الكلام .. كيف يقدم لها هدية ليسعدها ثم يقول هذا الكلام المناقض ؟
فقالت له متسائلة .. (( وكيف هذا ؟؟ .. ))
.. تنحنح ببطء وقال .. (( عمرنا جميعا وأجلنا محدد في علم الله مسبقا أم لا ؟؟ .. ))هزت رأسها موافقة .. فاستطرد قائلا .. (( وبالتالي نفترض ان عمرك ستين عاما .. اذا كل عام يمر هو انتقاص من تلك الستين المحددة أليس كذلك ؟؟ ))
هزت حمدية رأسها بفهم وقالت .. (( علمت قصدك .. أنا الآن تسعة عشر عاما اذا يتبقي لي واحد وأربعون من عمري المفترض .. والعام القادم يتبقي أربعون فقط وهكذا كل عام يتناقص مني .. اذا يجب أن أقيم مأتما الآن وليس حفلا .. ))
ضحك قائلا .. (( الاحتفال الحقيقي بذكرى مولدك هو أن تحاسبي نفسك عما قدمت في العام الماضي .. إن كان خيرا فبها ونعمة وتنتوي المزيد .. وإن كان شرا تستغفري الله وتتوبي عنها وتنتوي عدم العودة اليها .. فذلك خير إحتفال .. ))
كان كل يوم يعطيها درسا رائعا ويغير شيئا جديدا في مفاهيمها .. وذلك بأسلوبه الذي لا مثيل له .. أسلوب يتسلل إلى القلب ويحتويه .. وإلى العقل فيطغى عليه ..
وجعلها تشعر حقا بأن د. موسى قد احتل كل كيانها ..
فأصبح هو كل الكون بالنسبة لها ..
وأصبحت تغار عليه بشكل جنوني ..
ما إن تراه يحدث إحدى الزبائن وبسمته مرتسمة على وجههة حتى تشتعل من الداخل وتتمنى لو تنهض لتصفع هذه التي تحدثه ..
تريد بسمته هذه لها وحدها ..
وصوته الدافيء لا يطرق سوى أذنيها وفقط ..
تريده لا يعرف من الكون سواها وفقط ..
مرت عليها أيامها وهي تشعر بأنها في حلم وردي رومانسي جميل ..
حتى جاء ذلك اليوم ..
الذي حمل لها مفاجاة العمر كله ..
يتبع بإذن الله
:)
http://dc534.4shared.com/img/xbFe1FEQ/s3/Page1.png