في رمضان...الحب بذراع واحدة!!
يا جماعة الموضوع ده عجبني وحبيت أناقشه معاكم
ليلة الرؤية..
بدأ الليل يحلّ على الدنيا.. وازدادت الحركة في الشوارع وكأن كل الناس على سفر واحد، في توقيت واحد، ويريدون اللحاق بآخر قطار على وشك القيام من محطة مصر!!
تدخل الكاميرا من المنظر الخارجي إلى بيت متوسط، ينتمي للطبقة المتوسطة التي انقرضت بعد انتهاء الربع جنيه. وتلتفّ الصورة مع التفاف السلم وتقترب. فيظهر "ياسين" عائداً من شغله وهو يصعد السلالم ركضاً. يدخل البيت مسرعاً. يفتح التليفزيون ليعرف إذا كانت غُـرة رمضان غداً أم بعد غد –غـُرة الشيء بضم الغين يعني أوله-.
يسمع الإيقاعات المتتابعة من ضرب الدف، يليها صوت ناي مبهج ووقور في نفس الوقت. ثم يغني "عبد العزيز محمود":
مرحب شهر الصوم مرحب..
لياليك عادت في أمان..
بعد انتظارنا وشوقنا إليك..
جيت يا رمضان..
ويأتيه أول اتصال من اتصالات المعايدة والتهنئة. مِن مَـنْ إلا هي.. "ياسمين" حبيبته. يجدها وهو متضايق فتهوّن عليه، ويجدها وهو منبسط فتشاركه أوقات سعادته. متواجدة دائماً وأبداً بقربه في الفرح والترح.
يردّ عليها بصوت لا يخلو من الجفاء والتكلُّف المصطنع:
- إزيك؟
- كل سنة وإنت طيب يا حبيبي، وعقبال يا رب ما نبقى مع بعض رمضان الجاي تحت سقف بيتنا الصغير.. ورمضان السنة اللي بعدها يكون معانا بيبي يشبه لك.. واللي بعد اللي بعده نطلع سوا نعمل عمرة.. ورمضان بعد اللي بعد بعد بعده واللي إن شاء الله هــــ.....
- وإنت طيبة.. متشكر..
- متشكر؟! متشكر صحيح!! طيب.. ماشي.. العفو يا سيدي!
يسكت..
فتسكت..
تنتظر..
يسكت..
تقول: إإإإإإمممممممم... وطيب....
ويسكت!!
ترتاب "ياسمين" من طريقته الجافة التي لم تعتدها، ولا تصلح رداً على أمنياتها الجميلة وطريقتها الحميمية.. فسألته:
- مالك؟
- مفيش..
- لأ بجد مالك كده؟
- قلت لك مفيش.. كل سنة وإنت طيبة!
- طيب.. هاشوفك إمتى؟ عايزين نفطر مع بعض في يوم سوا.. حتى ماما وبابا قالوا لي كده.. تحب نقضي يوم كلنا بره ولا تفطر عندنا في البيت؟
- ربنا يسهّل..
- الظاهر إنك مش فاضي دلوقتي.. هابقى أكلمك بعدين.
وصمتت "ياسمين" في انتظار أن يقول لها: "لا مش مشغول ولا حاجة"، أو "معلش يا ياسمينتي فيه ناس معايا وهابقى أكلمك كمان ساعة"، أو "حتى معلش.. حقك عليّ ممكن تلاقي دمي تقيل شوية؛ لأني لسه داخل من الشغل والنهارده كان يوم صعب جداً".. لم تجد "ياسمين" منه لا هذا ولا ذلك ولا ذاك. وتركها تتحمل مشقة إنهاء المكالمة كما تحملت مشقة المكالمة كلها لوحدها.
وما كان منه إلا أن أغلق الموبايل!!
أم هل وماذا... وإيه؟!!
من المؤكد أن 323 سؤال انفجر الآن في تفكير كل من يقرأ هذا الموقف –إلا من مـرّ به- الأسئلة حول السبب، ولماذا عاملها هكذا؟
وهل لموقفه علاقة بليلة الرؤية وظهور هلال رمضان؟
أم لا علاقة له بالتوقيت؟
وهل هو يحبها أصلا؟
أم أنه حب من طرف واحد.. طرفها هي بالطبع؟!
أم ماذا.. وإيه؟؟
"ياسين" يحب "ياسمين" جداً، وينوي الارتباط بها. وكل أسرتها تعرفه ويعرفون أنه خطيبها المنتظر وأعطاه والدها فرصة؛ لأنه يشتري رجلا. لكن "ياسين" يحبّها ليس على استحياء فقط فالاستحياء جميل، لكن يصاحبه شعور بالذنب، يهاجمه في رمضان. وأسلوبه الجافُّ معها وما حدث منه من تصرف لا يليق بعاطفتها ولا بعاطفته ولا بحسن نيتهما وصفاء سريرتهما لم يكن لأنه كان عائداً من الشغل ويومه صعب، ولم يكن لأنه نعسان، وليس حتى لأنه قد حدث موقف مسبق بينهما وله حق عليها.. على الإطلاق.
إنما السبب بالفعل مرتبط بليلة الرؤية وبأن الغد هو غُرة رمضان حيث يعتقد أن الحب غير مباح في رمضان! وحيث إنه من غير اللائق أن نصوم ونصلي وفي قلبنا حب طاهر وبريء لإنسان ما سيكون -إن شاء الله- شريك حياتنا!!
في الأول كنت أنوي مناقشة المسألة كالمعتاد بطريقة جادة، لا تخلو من السخرية في نصائح "الخمس طرق المفتكسة للهروب من المحبوب في نهار شهر تـُغفر فيه الذنوب"! -أيوه كل ده اسمه- لكنني ارتأيت أنه من الأفضل أن نتناقش فيه سوياً. بعد التفكير ملياً في الـ323 سؤال التالي:
هل صار أمراً مسلّماً به أن يرتبط مفهوم الحب بين الشاب والبنت بالأفعال الخارجة عن الأدب والدين؟ يعني التي تخدش الحياء؟
وهل -بناء على ذلك- يسأل كثير من الأصدقاء عن حكم الحب في رمضان.. هل هو حرام أم حلال.. أم حرام وقت الصيام فقط.. يعني بالنهار ومباح بعد الإفطار؟
وهل –لنفس السبب- يتأدب المحبون في رمضان.. فمن كانت لا تمشي مع حبيبها إلا (أنججّيه) تكتفي بالسلام عليه من بعيد لبعيد؟! ومن كان لا يطمئن على حبيبته إلا وهي محاطة بسياج من ذراعيه، يكتفي بذراع واحدة؟!
وهل –لهذا السبب- يتعاهد المحبون على الطاعات حتى آخر رمضان فقط ثم.. إلى رمضان آخر إن شاء الله؟!!
وهل –ولسه معانا نفس السبب- يبتكرون أعذاراً لعدم رؤية الحبايب في رمضان باللجوء مثلاً للتخنيق عليه بأن كل ما يسألها: عاملة إيه تقول له: وصلت للجزء الكام، ولا يكون هناك كلام مباح عن غير الصيام والتراويح وتصفيد الشياطين؟!
طيب.. إزاي وشارع الجامعة كان شاهداً على أن شياطين الجن فقط هي التي تصفّد في رمضان ويظل شياطين الإنس طلقاء؟
ولماذا لا نفهم أصول الحب ونترفع عن كل شائبة وناقصة ألصقتها به أفعال الناس اللي مش ولا بد؟! :fop (24):
مستنية ردكم
