كنت أسمع عن مرض اسمه "الفوبيا" ، وهو الخوف الشديد من أشياء معينة ، ومنه الخوف الشديد الذي يعاني منه بعض الناس من الحشرات أو الحيوانات ، وربما الكثيرين منا مصابين بهذا النوع.
الغريب في الموضوع حين تنظر إليه بنظرة العقل.. أنك تجد إنسانا طوله كذا وعرضه كذا ، ومع ذلك يهرب من حشرة أو من حيوان لا يعادل عشر حجمه ..
الأغرب من ذلك أن تجد صاحبنا هذا "المصاب بالفوبيا" ، والذي يتمنى أن تختفي هذه الحشرات أو الحيوانات من الدنيا ، تراه إن رأى أحدها يُعذب ، إذا قلبه يشفق عليها ، ويتأثر بشدة ، بل ويتمنى أن يزول عنها ما يؤلمها ، أو حتى على أقل الأحوال يتمنى موتها حتى ينتهي ألمها.
وسبحان الله!! .. فإن هذا يذكرني بقول النبي –- : [جعل الله عز وجل الرحمة مائة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين ، وأنزل في الأرض جزءا واحدا ، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق ، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه].[صحيح]
----------------------------------------------------------------------
وأظن أن الكثيرين اكتشفوا أنهم مصابون بهذه الفوبيا لما وصلوا للفرقة الثالثة من كلية الصيدلة ، يعني أنا شخصيا –ولا أخفيكم- لم أكن أتخيل نفسي مطلقا في مكان واحد مع فأر واحد –حتى لو كان في مصيدة- ، لكن طبعا يدخل (الطالب الغلبان) منا كلية الصيدلة ، ولا يدري أنه سيأتي عليه اليوم الذي يلعب فيه مع الفأر ويداعبه .. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!!
كثير منا لما دخل عملى المعايرات وجد صعوبة شديدة على نفسه وهو يرى الفأر أو الضفدعة أثناء التجارب ؛ منهم من يموت ومنهم من يتألم ألما شديدا ، وهذا من الرحمة ، ولكن يرجع يتساءل في نفسه: إذاً كيف نجرب الأدوية الجديدة؟ ، فتبقى المعادلة الصعبة ، هل يغالط الرحمة التي وضعها الله في قلبه ، أم يوافقها ، ولكن إن وافقها فما البديل؟؟؟؟
كثير من علامات الاستفهام.. خاصة عندما يدور في ذهنه كثير من الأفكار ، أن سُقيا كلب كانت سببا في المغفرة لبغي (زانية) من بني إسرائيل ، ومثله لرجل سقى كلبا أيضا ، وأن الراحمون يرحمهم الرحمن ، فالرحمة سبب عظيم لدخول الجنة إذاً. وعلى النقيض أن امرأة تدخل النار بسبب قطة تحبسها بلا طعام!!.
وتستغرب جدا إذا قرأت أن النبي -- شكا إليه جمل من سوء معاملة صاحبه له ، فقال له النبي -
- : (ألا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ ، فإنه يشكو إليَّ أنك تجيعه وتدئبه).
لكن يبقى العائق، الذي هو مصلحة العلم ، وأنا شخصيا أرى أنه من مصلحة الإنسان أن نجرب الدواء على الحيوان ، فذلك أخف الضررين ، أو على الأقل كحل مؤقت ، لعله يخرج منا من يفكر في طريقة جديدة ، لا تؤذي إنسانا ولا حيوانا ، وأظن أن الكل متفق معي في هذا.. أليس كذلك؟؟
لكن.. رجعت أتساءل مع نفسي.. الدكتور طارق قال إنه ألغى استخدام تجارب الحيوانات في معامل الفارما ، بسبب المشاكل التي تحدث والمخاوف التى تواجه الكثيرين منا ، واستبدل ذلك بدراسة مفيدة جدا ، لعلها أكثر إفادة لنا من هذه التجارب –على اعتبار أنه ليس كل خريجي كلية الصيدلة يعملون في مجال الأبحاث واختراع وتركيب الأدوية ، بل معظم الخريجين يكتفون بالجلوس في الصيدلية ، أو على أفضل الأحوال العمل في تصنيع الأدوية الموجودة فعلا- ، وبصراحة أنا أرى أن هذا التفكير الموفق من الدكتور طارق يستحق منا أشد التقدير ، وأرقى كلمات الشكر.
--------------------------------------------------------
لكن تبقى أمامنا مشكلة عملي المعايرات.. وأود أن أستغل هذه الفرصة لأن أطرح رأيي الشخصي ، وعندي ثقة في الدكتور شحته أنه سينظر لذلك بنظرة موضوعية متفحصة ، فقد تعودنا من أساتذتنا الكرام على حسن السماع لمشاكلنا ومقترحاتنا ، حيث لم يبخلوا علينا بجزء من أوقاتهم لسماعنا ، مع انشغالهم –وأكبر دليل على ذلك اللقاء الطلابي الذي يطبق الآن- ، فشكرا جزيلا لكم أساتذتنا ، وهذا ظننا ورجاؤنا بكم.
المهم.. أود أن أقترح على الدكتور شحته طريقة لعلنا نتخلص بها من مشاكل هذه المادة التي تؤرق الكثيرين. فما رأيك أستاذي في أن يكون عملي المعايرات عبارة عن شرح المعيدين للطلاب كيفية إجراء التجربة (demonstration) ، بحيث نستفيد من شرح الدكتور في المحاضرة ، وتطبيق المعيدين في العملي ، وبذلك يحصل المراد ، وتنتهي المشكلة.
أنا أرى –وأرجو أن أكون على صواب- أن هذا الاقتراح لعله يكون مفيدا من نواحي كثيرة:
· حصول التعليم للطلاب بالقدر الذي يحتاجونه ، وبدون مشاكل.
· التخلص من بعض ما يثقل ميزانية الكلية ، سواء في شغل العملي ، أو في الامتحان ، لأنه بدلا من أن يقوم بالتجربة ألف مثلا ، سيقوم بها مثلا 20 فقط أو أقل ، وهذا يوفر في عدد الحيوانات المستخدمة وكذلك مواد التجربة ، وهي تكاليف كثيرة جدا ، خاصة مع ما ذكرت من أن عدد الخريجين الذين يستخدمون هذه التجارب فيما بعد قليل جدا جدا ، مقارنة بمن يجلسون في الصيدليات أو العمل الحكومي وغيره.
· توفير الوقت والجهد الذي يقوم به الأساتذة الأفاضل والمعيدون ، سواء لتحضير وتنظيم الامتحان ، أو حتى وقت التصحيح.
· التخلص من مشكلة تؤرق كثير من الطلبة ، وهي مشكلة "الفوبيا" ، التي تحدثت عنها في البداية ، لأن أغلب المصابين بهذه المشكلة –وإن اخترع دواءا جديدا- فلا أظن أن عقله يطاوعه في التعامل مع الحيوان الذي يخاف منه.
· التخلص من مشكلة أن الإجابة على الإمتحان إما صحيحة وإما خاطئة ، فالخطأ في التجربة محتمل جدا ، خاصة مع توتر الامتحان ، والخوف من الفأر أو الضفدعة الذي قلما ينجو منه أحد ، ومع الاختلافات التي يبديها بعض الحيوانات في الاستجابة للدواء ، أو في سلوكه مع الشخص الذي يتعامل معه.
أما بخصوص الامتحان.. فنطمع في كرم الأستاذ الدكتور شحته –الذي تعودنا عليه في "الترم" الأول- ، فكنا في غاية السعادة لما علمنا أن الامتحان ليس تجارب ، وإنما أسئلة "شيت" ، وكان شيئا جيدا جدا ، فلماذا لا يكون الامتحان هذا "الترم" كذلك ؟؟.فإننا قد تعلمنا تجارب العملي ، وكان المعيدون متعاونين معنا لدرجة كبيرة ، وشرحوا لنا كل شيء بدقة وأمانة.
أظن أن هذا الاقتراح يدور في أذهان كثير من زملائي ، فقد سمعته من بعضهم ، فأردت أن أطرحه ، لعلمي بحسن تفهم أساتذتنا الكرام لمشاكلنا ، الذين أسأل الله أن يشكر لهم صنيعهم ، وأن يبارك ويسدد خطاهم.
وشكرا لتحملكم مقالتي الطويلة للنهاية![]()