أن تسير وانت محاصر بسجن صغير يحيط بك ...يكبلك ..ويقتل فيك كل حلم جميل......
ان يلتف حولك سور من الاشواك رغم انك لست بسجين ..لست بمجرم ....ان تشعر بانك غير قادر على ان تتنفس عبق الارض او تغمرك رائحة الوطن!!!
ان يحاصرك الالم والظلام الدامس من جميع الجهات حتى لا ترى منه سوى ذلك الوجه المخيف الباهت بلى انه وجه الظلم والطغيان .....ان تجد بيتك فى لحظة محاصرا بالبنادق والرصاص ويفرض عليك حظر تجول فلا يبق امامك سوى نافذة صغيرة تلتقط منها انفاسك تبحث فيها عن بصيص أمل يجتاح فيك ظلام اليأس الذى راكمته السنين
وتظل تلك النافذة لك منبعا تسترق منه قطرات الامل من حين لاخر ...
حتى تلك النافذة قد تكون هى نفس النافذة التى ياتيك منها الموت برصاصة غاشمة ...نعم فليس من حقك ان ترى النور ...بل تبقى قابعا فى الظلام ...هذا ما يريدوه...ولكنها ستظل المنفذ الوحيد الذى يحمل اليك نسائم الفجر و ضياء الشمس عند الشروق ........
وينفذ منك الماء والغذاء ..فاذا كنت بمفردك فقد يكون ذلك هينا عليك ولكن ان ياتيك طفلك جائعا تشققت شفتاه من شدة العطش ليقول لك...
((انا جائع يا ابى ))((انا عطشان يا امى)) فتشتعل فى قلبك نيرانا حارقة عارمة تحاول ان تلتهم كل ما تبقى لديك من مشاعر الامل والارادة......
وتعجز يداك عن فعل اى شىء سوى ان تحتضن طفلك بين ذراعيك بقوة لعل حرارة قلبك تدفئه فتسكن جوارحه.....
أو ان يموت احد افراد الاسرة اثناء الحصار وتصبح غير قادر حتى على دفنه فيصبح الموت والحياة مجتمعين تحت سقف بيت واحد ..؟؟اى امتهان هذا ........اى طغيان هذا؟؟؟؟؟؟
أن تسمع صوت القصف من جميع الجهات يدمر هنا....يخرب هناك...ويهدم البيوت والمساكن والاحياء..صوته يدوى ليضغط على جرحك اكثر واكثر فيجعله ينزف وينزف ..ليدمى قلبك ..ليسرق بهجتك ..ليجعل طعنات الظلم تزداد قسوة ...!!!
فتشعر بانك انت من عليك الدور؟؟فكل شىء من حولك يتساقط..وتشعر بان تلك الجدران التى تحتويك قد تصبح فى لحظة واحدة مقبرة لمن فيها ..فهى لا تدفن اشخاص فقط بل....تقبر معها كل الذكريات لتصبح فى طى النسيان............
أن تسير بارجاء الشوارع لتأتيك رصاصة غاشمة ترديك أرضا ويعطر دمك تراب الارض التى لطالما غرقت بدماء الابرياء التى لطالما صرخت ...صاحت ..وغضبت من تخاذل الاشقاء او بمعنى ادق ((المفروض ان يكونوا اشقاء .......))
تلك الارض التى لم تعد تحتمل ان يطئها الاعداء ..لم تعد قادرة على ان تتنفس نسيم الصباح الذى لوثه دخان كثيف ورماد واطلال وجثث اطفال وبقايا حطام ...ولكن تلك الرض باذن الله ستظل تحتضن أبنائها وابطالها ستظل تلك الام التى تحنو على ولدها وتثلج صدره بحبها وتمده من قوتها ودفىء مشاعرها ......
ستظل ذلك القلب الذى ينبض بعدما طعن الاف الطعنات ليفوح مسكا يتوغل فى كل الارجاء رغم انوف الاعداء.. ليزدادوا حسرة فوق حسرتهم ويظل ينبض لتعلن كل دقة عن صمود ومقاومة وانتماء...
ستظل تلك اليد التى تمسح الدموع والآلام....اليد التى تزرع فى ابنائها رياحين الصبر ...
أو ان يدمر بيتك بقصف جوى فيصبح أنقاضا ..يصبح اشلاء ممزقة ...مدمرة.........
او ان ترى أما تصرخ:
((ولدى ..حبيبى ..أهذا انت ..بين الانقاض ممددا يا ولدى..فيحتضنه قلبها الذى للتو تلقى طعنة جعلته ينزف نزفا لن يوقفه مرور الايام او انقضاءالسنين .............
لن يوقفه سوى احتسابه عند الله شهيدا وتصبر وتحاول ان تضمد ذلك الجرح الذى تقرح وتوغل الى الاعماق محاولا ان يوقظ بداخلها صورته وهويلعب وهو يجرى فهنا كان ينام وهنا كان يذاكر ...نعم بالصبر واحتساب الاجر عند الله عز وجل تضمد جرحها وتخفف ألمها ......
ويختنق الهواء باصوات البكاء ممن فقدوا اشخاصا اعزاء فى حياتهم فهذا ينادى امى وآخر ابى و أخرى عائلتى ........
لقد ذبلت منى الحروف والكلمات ............وذابت الاسطر والعبارات ..............وخيم الظلم على قلمى وصمتت المقالات...........واختنقت التعبيرات................
ولكن
يا شجر الزيتون لا تحزن
يا شجر الزيتون لا تحزن ..فمن بين الغيوم أكاد اراك تبكى..ودموعك تتساقط أوراقا لتعزى تراب أرض فلسطين
لا تحزن ...طالما ان قلبك ما زال ينبض بالحياة ورفع الظلم والطغيان الذى نسجته يد العدو عن كل شبر من ارض فلسطين
يا شجرا ارى فيه ابناء فلسطين ارى فيه صمود ..مقاومة ...ورأس مرفوعة لا تنحن الا لرب العالمين
لا تحزن فمهما حاولوا ان ينزعوك فان جذورك ستبقى فى الارض متشبثة بها راسخة وكل يوم يولد لك فرع جديد ......يولد ليقف غصة فى أعناق الغاصبين.
يا شجر الزيتون لا تحزن فبإذن الله لن تقهر...فانت جبل راسخ لا تهزه عاصفة ..ولن يتمكن منه ظلم الطاغين ...
اصبر ولا تحزن ..فبإذن الله تشرق شمسك..وينقشع الظلام ..وينتفض عن جبينك غبار اليأس ....بإذن الله ينهض نهارك ..يستيقظ أملك ...يعلو صوتك....تتحطم قيودك ....ترفع راية نصرك....يموت ألمك ....تقتل بيديك الظلم ....................
وتتنفس رائحة الحرية من جديد..................!!!!
وسيبقى هنا الامل
فى قوله جلّ ذكره: (( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابرِين. )).سورة البقرة- آية 249
لا بهم ولكن بإذن الله، بمشيئته وعونه ونصرته، والله معالصابرين بالنصرة والتأييد والقوة..
تلك بعض المشاعر التى اردت ان اعبر عنها ليستيقظ فينا الاحساس من جديد فلا ننسى اهل فلسطين او اى ارض مسلمة محتلة من الدعاء وهذا اقل ما يمكننا فعله............................................