ثلاثة أكياس وصندوق



في عملنا نعتمد أكثر على قوة التحمل بل الاعتياد على التحمل ذاك .. ليست مسألة قوة وإنما مسألة اعتياد حمل قدر معين من الشيء الموضوع أعلى كتفك ..
وهكذا تعتاد الشيء.

أصعب ما في مهنتنا هو أول عام حيث يمر عليك بآلام ظهرية لم يسبق لك الشعور بها ولكن سرعان ما يخف الالم ولا يخف الحمل فتبدأ الاعتياد على ذلك القدر حتى تصبح بلغة مهنتنا ... عتال

كانت أول مرة أحمل فيها شيء يوضع فيما أعلى كفي ذاك .. لطالما حملت كل شيء بيدي لم افكر يوما ان الكتف ذاك يجوز له حمل الاشياء .. كنت لازلت صغيرا عندما وضعوا فوقي ذلك الشيء البني اللون والمسمى بالقصعة ولم اكن ادري ما الذي أحمله .. كنت كالحمار يحمل أسفارا لم يعرف ما تحتوي تلك الأسفار يوما .. سرعان ما زاد الحمل يوما عن الآخر حتى تبدلت القصعة بكيس رمل ثم اثنان فثلاثة .. و أصبح معدلي ثلاثة اكياس رمل في المرة الواحدة .. وكما قلت لك ليست مسألة قوة وإنما بالتدريب أو كما علمونا الاعتياد..

قمت بصنع علاقات سريعة ورائعة مع كل زملائي فى العمل – العتالين- سرعان ما أصبحنا جميعا أصدقاء في لمح البصر .. شعرت كثيرا بحبهم لي مما أزاد عندي العاطفة تجاههم .. وتعجبت كثيرا عندما بدأ كل منهم يطلعني على أدق أسراره وأكثرها تفصيلا .. عجبت لهم في تلك الثقة السريعة وعجبت أكثر من كل تلك الاسرار المكنونة .. لقد فتح كل منهم صندوقه وصار ينقل كل ما به في صندوقي انا حتى امتلأ ..
اولا تدري شيئا ..؟
كانت الثلاث أكياس رمل أخف علي كثيرا من ذلك الصندوق الثقيل .. بل إن التخلص من تلك الاكياس كان ينتهي بمجرد إلقاءها فوق التل الرملي الصغير أمام المبنى المسلح .. بينما لم أعرف يوما كيف ساتخلص من ذلك الصندوق المكدس الثقيل .. إلى أين سالقي به .. لم يكن هناك مبنى أو تل أكوم فوقه ما بالصندوق .. أهناك من يستطيع حمله لي؟ أيود أحد مشاركته معي .. ؟
خشيت أن أعلن عن رغبتي في عتال آخر من نوع خاص جدا ليساعدني فيما احمل .. كان كل اصدقائي بداخل ذاك الصندوق .. وكنت لاطلب من اصدقائي المساعدة

أهي المفارقة .. ؟ ربما
أهي سخرية القدر مني .. ؟ لطالما كان كذلك

الغريب اني لم اتذمر يوما قبل حمل الثلاث اكياس ولكني كنت أخفي ارتياعي قبل تعبئة ذلك الصندوق .. ترى ماذا سيلقى فيه تلك المرة ؟؟
كان في كل مرة يزداد صندوقي وزنا فوق وزنه .. تشعر وكأنك تحمل صراع وأحاديث لو نطقت بها لاشعلت حربا فيما بينهم .. ربما لو كان أحدا غيري لشعر بالقوة فيما يحمله من حوارات وأحاديث ومشاعر تجاه كل طائفة منهم من الاخرى .. ولكن .. ماذا أفعل بتلك العاطفة تجاههم .. لم اكن احبهم .. بل أعشقهم.

أصبح لي أصدقاء كثيرين ولكنهم كلهم اصبحوا من أساس عملي .. الرمال .. القصعة و تلك الشاحنة التي أعتدت قيادتها .. أعتدت شيئا أخر .. الابتعاد وقت البوح
لازلت اشعر بكل عتال يحمل فوقه ثلاثة أكياس رمل .

و أنا ... لازلت عتالا لم استطع التخلص من مهنتي – عادتي-
اصبح المقدار الثابت لما أحمله يوميا هو ثلاثة أكياس و
صندوق ..




دار سوسن للنشر و التوزيع

كتابة حرة
/ مي كامل