لطالما مقتّ تلك المقدمات الطويلة قبل كل رواية و قبل كل مقال .. ولا سيما تلك المقدمات التي يكتبها آخرون ليقدموا بها أعمال آخرين ولأني اكتب مذكراتي ؛ فسأدخل في الموضوع مباشرة .. إنها حالة فتور .. وهي حالة كم وددت أن أتعامل معها كما لو أنها حالة مرضية مثل حالات البرد والنزلات الشعبية والتي ترد إلىّ كثيرا ولكن تلك الحالة الفاترة ربما تكون أخطر.. نسيت أن أقدم نفسي أنا طبيب ..
يبدأ كل فرد عمله بقمة الحماس ثم لينزل عن قمة الحماس تلك شيئا فشيئا ويبدأ في التنازل عن حماسه بخطى خفية لا يستطيع رؤيتها بالعين المجردة .. إلى أن نصل إلى مرحلة الفتور وهنا يبدأ في الصعود لقمة جبل الفتور إلى أن يهوى من فوقه على اللاشيء .
وهكذا تصبح نهايته ونهاية غيره ممن أصابهم تلك الحالات التي لا تعرف متي تصاب بها ؛ ولكن أعراضها تظهر فجأة وتبدأ فى الانتشار بشكل سريع..اعتقدت أنها تأخذ في تكاثرها طريقة الفيروسات في انتشارها بأي عائل ؛ ولكن مع فارق صغير كان نقطة تحول .. ففي حالات الفيروسات العادية البسيطة فهناك ألف دواء ودواء لتلك الكائنات الصغيرة جدا .. أما في فيروس الفتور التدريجي .. ؟؟؟؟
وبدا اليوم كالمعتاد مع كشف مستعجل لأحد مرضاي الدائمين ، لم يكن مريض ولكنه دائم الكشف ليطمئن على صحته .. أو كما نسميها نحن الأطباء يجري "تشيك أب" وكانت نتيجة الكشف: سلبي تجاه الفيروس أي أنه معافى وسليم .. لم اكتب له حتى بعض الفيتامينات .. كان حقا في غنى عنها .. تساءلت دائما في عجب .. بالرغم من انه ميعاد انتشار فيروس الفتور إلا انه لم يصب به يوما .. وبدأت الأبحاث في هذا اليوم بعد انتهائي من الكشف على الكثيرين غيره وكلهم كانت حالتهم .. إيجابي تجاه الفيروس .. جميعهم كانوا مرضى ماعداه.
ذلك المرض اللعين كان قد تغلغل بداخلهم .. تحصن داخل عقولهم قبل أجسادهم أوهمهم بأنه لا سبيل لهم من مكافحته .. تمكن منهم .. تمكن من هدر كل قواهم في سبيل مكافحته دون جدوى فأسقطهم الإعياء ليقعوا فريسة سهلة له .. ثم لم يقووا بعد ذلك على .. على .. على أي شيء وكل شيء .. اصبحوا عائل وعالة على كل من حولهم ..
اشعر بكثير من الأسى .. ولكن كان هناك ذرة أمل في تلك الحالة التي تأتيني كل صباح لتلقي إلي بذور الأمل في الوصول لتركيبة المصل لهذا الفيروس .. وبدأت بتشخيص تلك الحالة ….
ناجح هو .. وله سلسلة من الأعمال المتلاحقة المتتالية والتي ومن العجيب انه يستمر في أداءها دون إصابته بأعراض الفتور و بعد التحليل ولاني اكره المقدمات الطويلة كما سبق وذكرت .. اكتشفت كيف يقوم بهذا .. فهو يقوم بتقسيم تلك السلسلة إلى جزيئات صغيرة من الأعمال ثم يقوم بجدولتها ثم وضعها في قائمة .. ويبدأ في الانتهاء من كل جزئ منها على حدا وما يكاد أن ينتهي من واحدة حتى يحذفها تماما من القائمة فيعد إلى الصفر وكان شيئا لم يحدث وكان عملا لم ينجز وهكذا .. إلى أن تنتهي كل القائمة فيلقي بها ليبدأ يوما جديد بقائمة جديدة بروح جديدة ..
و أخيرا توصلت للمصل .. إنها البدء في العمل كأنه الأول بالنسبة لك وكأنك لم يكن لك تاريخ يذكر .. ماذا تفعل لو وددت أن تثبت نفسك في عمل لأول مرة؟ كم من جهد ستبذل؟ كم من قوة ستدفع بها ؟
طبقت التجربة على الكثير ..
النتيجة: سلبي جدا جدا
اشعر بكثير من الأمل نحو كل شيء.
انتهى أسبوع من العمل المتواصل مع اكتشاف المصل لهذا المرض البسيط..
ملحوظة: تم حذف هذه الورقة من دفتر المذكرات –الفارغ- وكأن شيئا لم يحدث ، وكأن عملا لم ينجز.
مي كامل كتابة حرة...دار السوسن للنشر