

يقول الحسن البصري :
" لا يزداد المؤمن صلاحا و برا و عبادة إلا ازداد خوفا، يقول : لا أنجو ..!
و الفاسق يقول : سواد الناس كثير، و سيغفر لي، و لا بأس علي !
فيؤجل العمل، و يتمنى على الله تعالى "
" سواد الناس كثير، و سيغفر لي، و لا بأس علي "
صحيح أننا لا نتفوه بها صراحة، و لكن كم من مرات و مرات نتصرف على أساسها..
كم من مرة بررنا لأنفسنا عند محاسبتها على ذنب تصر عليه "هي ليست بكبيرة، كما أن فلان و فلان و فلان و الكثيرون يرتكبونها، و كلهم يرجون الجنة..."
كم من مرة نظرنا للأدنى بدلاً من الأعلى و فكرنا " كل هؤلاء يرتكبون الكبائر و العياذ بالله... و ما ذنبي هذا مقارنة بجرمهم؟!..."
متناسين خطوات الشيطان التي يلي بعضها البعض، و أن الصغيرة توصل نهاية المطاف إلى الكبيرة.. و متناسين أن الإنسان يجب أن يرنو للعلى في دينه قبل كل شيء، فيقارن حاله بأحوال الصالحين، مثلما يمد عينيه لمن آتاه الله زهرة الحياة الدنيا، فيطمح و يسعى للأفضل في دنياه..

" فيؤجل العمل "
كم من مرة وعدت قلبي المنقبض بالتوبة...
(هذه المرة الاخيرة و بعدها سوف أستغفر و أتوب بإذن الله)
و ( بعد أن ينتهي هذا الظرف سوف أضع برنامج عبادة مكثف يعينني علي نفسي إن شاء الله)
و و و...
متناسية أن الموت يأتي بغتة و لا يمهل
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .) المؤمنون99-100
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد)ٌ ق22
الأهل أين حنانهم؟ باعوا وفائي
و المال أين هناؤه؟ صار ورائي
و الإسم أين بريقه بين الثناء
و الدمع جف مسيره بعد البكاء
و الكون ضاق بوسعه ضاقت فضائي
فاللحد صار بجثتي أرضي سمائي
هذه نهاية حالي؛ فرشي التراب يضمني و هو غطائي
و اللحد يحكي ظلمة فيها ابتلائي

قال رجل : يا رسول الله أحدنا يذنب الذنب. قال يكتب عليه. قال ثم يستغفر ويتوب؟ قال يغفر له ويتاب عليه. قال ثم يعود فيذنب؟ قال يكتب عليه. قال ثم يستغفر ويتوب؟ قال يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا. حديث حسن صحيح

" لا يمل الله حتى تملوا "
نستغفر و نتوب و نعاهد الله.. ثم نعود.. مرة أخرى نستغفر و نجدد العهد ألا نرجع أبداً.. ثم نعود.. ثم نلبث حينا و يهل موسم من مواسم الخيرات، فندعوا الله و نتوب.. ثم نعود .. تمر سنوات و نحن على هذا الحال، و في كل مرة تصبح التوبة أصعب على النفس، و يأتي إبليس ليزعزع يقيننا:
أنت قائمة على هذا الذنب منذ سنين، و لقد حاولت الإقلاع عنه أكثر من مرة، هل تصدقين فعلاً أن هذه المرة مختلفة، و أنك لن تعودي إليه أبدا؟؟..
لقد بات هذا الأمر جزءا من حياتك، هل تعتقدين حقا أنه يمكنك التخلي عنه؟!
لقد فعلت كذا و قلت كذا و اقترفت كذا، هل تظنين أن كل ذلك يمكن أن يمحى لمجرد بكاؤك و حرقتك الآن!..فهو يريد ان يجعلك تياس من رحمة الله لكن لا تستمع له ولا تياس ابدا من رحمة أرحم الراحمين وتب اليه وجاهد نفسك واستعن بالله

التوبه::
* توبة صادقة بشروطها الثلاثة ( الإستغفار عن الذنب، الندم، و العزم على عدم العودة إليه)
* اليقين بالله و عدم التشكيك بمغفرته، و الدعاء مع اليقين بالإجابة
* الصبر على الطاعات.. و لقد صنف بعض العلماء الصبر على الطاعات كأشد أنواع الصبر، لما يتطلبه من عزم و همة و صدق.
نصبر على الطاعة، أي نمتثل لاوامر الله، و نجتهد في العبادة قدر المستطاع :
- نثبت على صلاة السنة و الضحى
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. حديث صحيح
- التهجد و الدعاء في الثلث الأخير من الليل
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟، من يستغفرني فأغفر له؟ متفق عليه
- تقديم صدقات تطهرنا - مهما كانت صغيرة
- أخيراً و أهم شيء : التركيز على القرآن الكريم حفظاً و تلاوة بنية شفاء القلب
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.) الإسراء 82
تخيلوا معي : خطايا أطفأتها الصدقة، و دعاء مستجاب، و حب من الله، و شفاء و رحمة.. كيف سيكون حالنا عندها ؟ لن تسعنا الأرض بما رحبت
مهما طال الإنتظار، فإن الله يستجيب لنا إذا استجبنا له و أطعناه
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة 186
فلنثبت و لنصبر و لا نلتفت حتى يفتح الله علينا..
لن أصغي لوسوسة الشيطان يشككني بعفو الله.. لن أفكر بكيف ستكون حياتي و كيف أتدبر أمري و كيف أتخلى و كيف أطيق الصبر و مئة كيف و كيف.. لن ألتفت!
سوف أستقم كما أمرت و أفوض أمري لمن قال :
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق2
سوف يجعل لي ربي مخرجاً.. هذا يقيني
حتى و لو وقعنا من جديد، فلنقم و نتابع بعزم و لا نلتفت وراءنا بيأس من صلاح أنفسنا و نقرر أنه لا خير فينا و لا أمل في صلاحنا، إنما هو الشيطان ييئسنا من روح الله..
حتى و لو شعرنا بفتور و تكاسل، فلا نلتفت و نقول سبب حالنا هذا أنه لم يتقبل منا، فيتملكنا الإحباط، بل لنذكر أن القلوب في إقبال و إدبار.. وعلينا ان نجتهد فى العبادة قدر الامكان
دعونا اذا نمض و لا نلتفت لهذه الأفكار و وساوس الشيطان المحبطة، بل نصبر على الطاعات حتى يفتح الله علينا و ينير قلوبنا و يشرح صدورنا و يحيينا حياة طيبة و يجزينا أجرنا بأحسن ما نعمل..

الخوف يملأ غربتي و الحزن دائي
أرجو الثبات و إنه قسماً دوائي
و الرب أدعو مخلصا أنت رجائي
أبغي إلهي جنة فيها هنــائي
فاللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان و بك المستغاث و عليك التكلان
وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

نقلته اليكم مع بعض التعديلات