صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 21

الموضوع: >»•¤©§|§©¤•» رواية : طيور جريحة «•¤©§|§©¤•« .. تم التحديث : 27 - 04 - 2012

  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    Thumbs up >»•¤©§|§©¤•» رواية : طيور جريحة «•¤©§|§©¤•« .. تم التحديث : 27 - 04 - 2012








    الحلقة الأولى


    تطايرت الأبخرة الغزيرة برائحتها النفاذة المميزة من أحد محلات الكباب الشهيرة بمنطقة غمرة بالقاهرة .. لتثير حول المحل عبقا خاصا .. فأرباب هذه المهنة يحكمون على نجاح المحل بكثافة هذه الأبخرة وعدم انقطاعها ..


    وبالدخل كان أحد العمال يقوم بإعداد الوجبة الكبيرة والدسمة التي طلبها أحد الشباب منهم
    كان الشاب بملابسة الحديثة والعجيبة ونظارته السوداء الكبيرة التي تخفي نصف وجهة
    وسيجارته الرفيعة برائحتها المعطرة يقف وهو يتمعن في العمال بقوة وهم يسعون يمينا ويسارا في نشاط جم لإرضائه عسى أن يفوزو منه بإكرامية ينتظرونها بلهفة حيث أنها هي العماد الأساسي لدخلهم من هذا المحل ..
    بعد أن قاموا بإعداد وجبته المطلوبة أعطوه الأكياس معبئة بها .. حملها وذهب الى حيث عامل الخزينة ليدفع له المستحق عليه ..
    وضع الأكياس بجواره على الأرض
    ومد يده في جيبه ليخرج حافظته .. فاذا بها ليست بهذا الجيب الذي بحث به
    أخذ يقلب جيوبه
    وفجأة كصاعقة انقضت من المجهول ..
    صبي صغير مهلهل الثياب ومتسخها اندفع الى داخل المحل ليختطف تلك الأكياس وينطلق بها كالقذيفة ..
    واذا بهذا الشاب يسبه وينطلق خلفه كالطير الجارح
    ارتبك العمال بالمحل ولم يدرو ماذا يفعلوا وهموا بأن ينطلقوا معه خلف هذا الصبي
    ولكن ما إن برزوا خارج المحل حتى كان أثر الصبي والشاب قد تبخر
    وعند سؤالهم للواقفين بالخارج أشاروا لشارع جانبي انطلقوا به
    وأيضا كان الشارع خاو تماما منهما
    وعاد العمال لينتظروا بالمحل عودة ذلك الشاب إما محملا بأكياسه أو بخيبة فقدها ومحاولة أخذ أخرى بدلا منها
    المهم ألا تفوتهم الإكرامية
    ولكن مر الوقت طويلا بدون عودته


    *****
    علا صوت قهقهة تامر وهو يتناول الأكياس من الصبي ويمد اليه برغيف ومعه قطعات صغيرة مما ساعده على سرقته ويقول له ..
    .. (( المرة القادمة لو تأخرت ثانية واحدة قد تفضحنا فقد طالت مدة تقليبي لجيوبي .. فلا تكررها ))
    تناول الصبي الرغيف منه بلهفة وقام بلفة بسرعة بما أعطاه وتناوله في نهم وجوع شديدين وقال له بصوت غير مفهوم بسبب امتلاء فمه ..
    .. (( لا تقلق يا زعيم أنت فقط أعد الخطة للضربة القادمة وحدد لي الشوارع التي سنهرب فيها وأنا طوع أمرك .. ))
    أشار له تامر بالإنصراف .. وأخذ حمله وذهب به الى إحدى الحدائق
    وبدأ يأكل ببطء شديد وبتلذذ غير عادي
    نظر إلى أحد الشباب برفقة خطيبته وهو يتناول شطائر الفول والطعمية ويمد يده بها اليها بكل ود .. وهي تتناول منه ممتنة بها ..
    قذف تامر بقطعة كبيرة الى فمه وهو يتلذذ بمشهد أنه الآن يفوقهما مكانة وتلذذا بالطعام
    فكم كره أن يكون هو اليد السفلي دوما
    كم يلعن الفقر المدقع الذي يعيش فيه
    ما إن تذكر الفقر الرهيب الذي يعاني منه حتى تمعر وجهه بالألم وذهب مذاق الطعام الذي سرقه من فمه
    كان دوما يسائل نفسه
    ما الفرق بينه وبين الشباب الذاهب والآتي بالسيارات الفاخرة وقد ولدوا بملاعق من ذهب في فمهم ؟؟ ..
    له عقل ذكي مبتكر ربما يفوقهم جميعا
    لدية الوسامه التي يظهرها هذا الملبس الخادع والذي استعاره من أحد معارفه ..
    ولكن بسبب نشأته يتيما في حي الشرابية وفي إحدى العشش الصغيرة المبنية من الصفيح
    وبرفقة أمه وأخته وأخيه وبلا دخل تقريبا
    يعاني الأمرين
    كان تامر يشعر بالحقد والكراهية لكل من يظهر عليه أثر النعمة
    وحينما تأتيهم لحوم ووجبات الصدقات في الأعياد ورمضان والمناسبات الخيرية
    يشعر بالهوان الشديد وتزداد الكراهية بداخله
    فهو يرى بأنه أفضل من أصحاب الكرامات هؤلاء الذين يفعلون الجرائم أشكالا وألوانا ويظنون بأنهم حين يلقون بهذه اللقيمات الى الفقراء أمثاله قد نالو الرضا في الدنيا والآخرة
    امتلئت معدته عن آخرها وتبقي الكثير
    نظر لأحد المشردين كان يفترش ظل شجرة وينام تحتها ولا يشعر بالكون من حوله
    فكر أن يذهب ليعطية ما تبقي وهو كثير
    ولكن هو يرى بأنه قد حصل عليه بتعبه وذكائه ولهذا لا يستحقه غيره
    وقام بلف البقية وذهب وألقاها بإحدى سلات المهملات المنتشرة بالحديقة وهو يشعر بالنشوة والتميز والتفرد





    يتبع بإذن الله









    الحلقة الثانية

    الحلقة الثالثة

    الحلقة الرابعة

    الحلقة الخامسة

    الحلقة السادسة

    الحلقة السابعة

    الحلقة الثامنة

    الحلقة التاسعة

    الحلقة العاشرة

    الحلقة الحادية عشرة

    الحلقة الثانية عشرة


  2. #2
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    افتراضي


    الحلقة الثانية



    كانت حمدية تمسك برواية الجريمة والعقاب رائعة ديستوفسكي وتلتهم سطورها بنهم شديد وتفاعل وانفعال بكل ما فيها ..
    شدتها الرواية بشكل عجيب فالرواية تتناول القالب النفسي بشكل رائع ومميز ورغم طولها وكبرها وكثافتها ورغم أن الكاتب حينما يريد وصف انفعال واحد بداخل البطل فهو يفرد له صفحات وصفحات .. إلا أنها لم تمل منها ولم تمر بعينيها فوق حرف واحد دون التهامه
    ورغما عنها كانت متعاطفة جدا مع البطل القاتل الذي دفعته ظروف الفقر القاهرة لإرتكاب جريمته .. وكانت انفعالاته وشجونه النفسيه هي التي أوقعت به
    ورغما عنها أيضا سالت دموعها مع كثير من المشاهد وهي تهتز في انفعال كأنما تعيش الأحداث بنفسها ..
    قد يكون هذا المشهد رائعا لو قلنا بأن حمدية هي فتاة تعد الدراسات العليا في الأدب وأنها مستلقية على أرجوحه قماشية معلقة بين شجرتين في حديقة منزلها الشاسعة وحينما تسيل دمعتها تمد يدها بمنديلها الحريري المعطر لتمسحها برقة شديدة ..
    ولكن للأسف المشهد مناقض تماما من كل الوجوه كما هو الحال في كل شيء يخصها
    فقد كانت صغيرة السن ما زالت بالمرحلة الثانوية وكانت مستلقية في ضوء خافت فوق هذا الذي يُطلق عليه مجازا فيما بينهم اسم سرير هو عبارة أقمشة اعلانات الانتخابات بعضها مخيط والبعض الأخر محشوة بداخلها بعناية وتنظيم بحيث تعطي إحساس وملمس المرتبة الحقيقية .. وبالطبع ملقاة على الأرض بأحد جوانب تلك التي يطلق عليها أيضا فيما بينهم اسم غرفة والتي هي في الواقع شق ضيق جدا لا يكاد أن يدخله نسمة هواء واحدة بأحد أركان هذه العشة الصفيحية بالمنطقة العشوائية المتاخمة لحي الشرابية ..
    حمدية ..
    هي الأخت الصغرى لتامر وعبد الجليل ..
    وهي دوما المنسية تماما وسط هذه الأسرة الغريبة
    تامر الذي يحظي بكل شيء جيد ابتداءا باسمه ودلال أمه له وأبيه فيما سبق قبل وفاته
    وعبد الجليل الذي لا يعرف شيئا في الدنيا سوى العمل ومحاولة توفير المأكل والمشرب وإن كان للأسف يعجز كثيرا عن ذلك
    أما هي فالكل لا يعدها أحد أفراد العائلة
    بل يعدونها كما مهملا وعبئا عليهم
    ورغم ذلك وياللعجب فقد التحقت بالثانوية العامة ولم تكن من أرباب الدبلومات الفنية مثل أخويها ..
    فهي رغم مظهرها البسيط جدا إلا أنها تتمتع بذكاء فائق وفهم واسع لكل ما يدور حولها
    حتى أنها كانت تنجح وتحصل على أعلى الدرجات بمجرد استماعها للدروس في الفصل الدراسي .. فهي لم تتسلم الكتب بسبب عدم دفعها للمصاريف ..
    وبالتالي ولأنها لا تجد ما يشغلها فقد كانت تهوى القراءة بشكل غير عادي
    ولكن بالطبع وسط مستنقع الفقر هذا لا يمكن أن تنال ما يشبع رغبتها في القراءة
    لولا وجود عم ابراهيم الجرنالجي
    عم ابراهيم هذا من الشخصيات المنقرضة وقد يكون آخرها
    فمهنه مبيعات الصحف والكتب والروايات ليست وسيلة لكسب الرزق بالنسبة له بقدر ما هي رسالة يحملها لنشر الثقافة والمعرفة بين الناس
    في ذات يوم كانت حمدية كعادتها تقف أمامه لتلتهم عناوين الصحف والمجلات لتعرف أخبار الدنيا باستنتاج محتواها
    وأمسكت وقتها برواية شدها غلافها جدا
    كانت رواية لكاتب شاب غير معروف
    كان الغلاف ليد قوية تمتد من تحت الأرض وهي تمسك بزهرة يانعة ومتفتحة
    أعجبها تعبير الصورة الأخاذ فأخذت تقرأ ما هو مكتوب على الغلاف الخلفي
    فكان إقتباسا من مقولة بها عن الإرداة وأنها السبيل للخروج من وسط جميع العواصف
    وضعت الرواية بمكانها وهي تنظر لها بتحسر شديد
    وهمت بأن تنطلق
    واذا بيد عم إبراهيم توضع على كتفها برقه وحنان
    وسمعت صوته الدافيء يقول برنته المميزة
    .. (( يمكنك إستعارتها والمجيء بها في الغد بشرط ألا تتأذي صفحاتها ولا الغلاف ))
    نظرت اليه حمدية بدهشة شديدة
    فكأنما كان الرجل يقرأ أفكارها ويدري بمكنونها
    فقد حقق لها حلما عجيبا لم تكن تتخيل يوما أن تناله
    نظرت اليه بامتنان شديد واختطفت الرواية منه وهي تقسم له بأنها لن تخيب ظنه وستأتي بها بنفس حالتها إن لم يكن أفضل
    وذهبت حمدية الى المنزل وهي تشعر بشجن وفرحة لا مثيل لهما
    وعلى الفور استلقت على مرتبتها وهي تمسك الرواية بعناية شديدة والتهمت صفحاتها في أقل من ساعتين
    وقامت من فورها لتردها الى صاحبها
    الذي نظر اليها مندهشا فلم يكن يتخيل عودتها بهذه السرعة ولا محافظتها الشديدة على غلاف وورق الرواية وعلم الرجل أنها رغم صغر سنها إلا أنها بداخلها طاقة وقدرات دفينة ورغبة حقيقية في التعلم والتثقف ..
    فربت عليها وقال لها بود شديد
    .. (( حسنا بنيتي اليك هذه الرواية هي كبيرة جدا ولكن أثق بأنها ستعجبك وستشغل لك وقتا أكبر .. إنها رواية الأخوة كرومازوف .. ))
    حملت حمدية الرواية الكثيفة والثقيلة بأجزائها وسارت وهي تشعر بأنها تُحلق في عالم جديد
    فقد كان عالم الرويات هذا ينتزعها مما هي فيه
    وتنتقل بها الى عوالم متعددة بعضها جميل ورائع وبعضها مؤلم ومؤثر
    وهكذا كانت علاقتها مع عم إبراهيم الجرنالجي الذي يمدها بكل ما يشبع نهمها للقراءة
    وكان هو من يتخير لها الكتب والروايات .. ودوما كان خياره هو الأفضل ..
    حتى جاءت رواية الجريمة والعقاب
    فبعد أن انتهت منها وعندما همت بأن تقوم
    اذا به يدخل عليها فجأة دون استئذان ولا حتى صوت ينبهها بقدومه
    ففزعت منه وهي تنظر اليها بتساؤل قائلة ..
    .. (( أهلا بك يا تامر .. ))
    نظر اليها تامر بسخرية وقال .. (( ما هذا الكتاب الضخم الذي تقرأين به ؟ .. وهل تفهمين شيئا مما فيه ؟ ))
    قالت حمدية بجدية .. (( إنها رواية رائعة من الأدب الروسي ))
    مد تامر يده ليمسك بالرواية ورفعها فوق كفه كأنما يثمنها ويحاول معرفة وزنها
    وضحك قائلا .. (( إنها قلة أدب روسي ))
    ثم أعقب قائلا .. (( ولكنه سينفعنا حتما .. فكتاب بمثل هذا الوزن يمكن بيعه لعم فرج بائع الطعمية ليصنع به قراطيس لها .. ))
    فزعت حمدية وانتفضت واقفة وهي تمد يدها محاولة انتزاع الكتاب منه قائلة ..
    (( لا يا تامر فهو لا يخصني ويجب أن يعود لعم إبراهيم بحالته فالرواية ثمنها غال جدا وقد استئمنني عليها .. ))
    هز تامر كتفيه باستهتار وقال ..
    .. (( من الحمار الذي يعيرك شيئا غال هكذا دون مقابل ؟؟ .. نحن أولى من عمك إبراهيم هذا .. ))
    وانطلق خارجا وهي تصرخ خلفه وتحاول الإمساك بأذياله ..
    ولكنه لم يعيرها أي اهتمام وتركها وخرج ..
    وارتمت حمدية باكية منهارة وهي تشعر بالظلم الشديد الذي تتعرض له منذ صغرها
    فهكذا قد انتهت عوالمها الرائعة التي كانت تنسيها الدنيا وما فيها
    فهي أبدا لن تظهر أمام عم إبراهيم بعد الآن
    وتذكرت وصف الأديب الشهير الذي استفاض ذات مرة في وصف انتزاع وليد من أمه ليتم بيعه لثري لا ينجب
    كانت تشعر بكل الخلجات والصرخات المجلجلة التي انطلقت من فم الأم عبر صفحات الرواية
    فهي الآن قد تم انتزاع كل أبنائها منها وبلا رحمة
    بل لقد تم انتزاع قلبها من صدرها
    كانت دموع القهر تسيل منها أنهارا
    ودخلت أمها عليها لتسألها متعجبة عما بها ؟
    ولأن حمدية تعلم يقينا بأن أمها لن تفعل شيئا مع تامر فقد كفكفت دموعها وقالت لها
    .. (( لا شيء يا أمي .. ))
    ولأن الأم تعلم يقينا بأنه لاشيء بيدها لتقدمه مهما كام المُلم بابنتها ..
    فقد كتمت جزعها على حمدية وقالت لها ..
    .. (( أنا ذاهبة الآن لتنظيف عيادة الدكتورة سناء .. تعالي معي لتساعديني .. ))
    ولأن حمدية لا تجد ما يشغلها بعد الآن
    فقد قامت لترافق أمها
    وكانت المهمة الذاهبة اليها عجيبة جدا
    فعيادة الدكتورة سناء هذه عيادة لأمراض النساء والتوليد
    ولأنها في مكان ناء جدا عن الأنظار
    فكانت يتم بها كل ما هو غير أخلاقي ولا قانوني من إجهاض وتلاعب بالأعراض وما شابه
    وكانت وظيفة أمها أن تخلص العيادة من تلك المخلفات مقابل بعض القروش البسيطة
    وصلت مع أمها الى العيادة وهناك استقبلتهما الممرضات باحتقار شديد
    وقالت إحداهن لأمها بصوت جاف وصارم ..
    .. (( هيا إلى الداخل ولتنظفي المكان بسرعة قبل مجيء الدكتورة .. ))
    أومأت الأم برأسها في خنوع شديد واندفعت الى الداخل وبلا قفازات ولا أي وسائل حماية من الإصابة أو العدوي بدأت تجمع تلك المخلفات القذرة والخطيرة لتضعها في أكياس سوداء
    ومن الحجرة الملحقة بمكتب عيادة الدكتورة لمحت حمدية ذلك المكتب الفخم
    ورغما عنها ذهبت اليه تتأمله في انبهار
    ودارت حوله وجلست على الكرسي الدوار الوثير والمريح
    وعادت برأسها إلى الخلف وأغمضت عينيها
    وسرحت بخيالها الى مستقبل ترى نفسها فيه طبيبة شهيرة تملك عيادة كبيرة بها مكتب كهذا ومقعد أكثر راحة من الجالسة عليه الآن
    وفجأة .. وبكل قسوة
    انطلقت صرخة محملة بأقذع الشتائم لتوقظها وتنتزعها من أحلامها
    فقد دخلت الطبيبة لتجدها في هذه الجلسة الحالمة
    فصرخت فيها وهي تسأل قائلة
    .. (( من هذه القذرة وكيف وصلت إلى هنا .. ومن أعطاها الحق لتجلس على الكرسي الخاص بي .. ))
    وذهبت لتجرها من شعرها وتلقيها الى الخارج قائلة ..
    (( عندما تأتي الشمس من مغربها قد يكون لديك أمل في الجلوس على كرسي مثله ..))
    وصرخت في أمها قائلة ..
    .. (( لا أريد رؤية وجهك البشع هنا بعد الآن ))
    والأم ترجوها وتتوسل اليها بكل كلمات الرحمة والشفقة
    ولكن قلب الطبيبة الذي قُد من صخر جعلها تدفعها الى الخارج ولا تعيرها أي اهتمام
    وخرجت الأم وهي تنظر إلى ابنتها المنهارة بكل شفقة وألم
    فها هو مصدر للرزق كان يأتيها بقروش قليلة قد انقطع
    ولم يعد أمامها سوى الذهاب لغسيل ومسح سلالم العمارات
    وكأنما اعتادت الأم على الخنوع والرضى التام بكل مصائب الدنيا التي لم تنقطع عن رأسها
    فقد تقبلت الأمر بسرعة
    وإن كانت تشعر بغصة لا مثيل لها لأجل ابنتها التي كانت تسير وهي تتمايل يمينا ويسارا كطير ذبيح ..
    وعلى النقيض تماما من الصورة البادية عليها
    كانت حمدية رغم الأسى والحزن والانهيار
    إلا أنه كانت هناك صورة تملأ خيالها في هذه اللحظة وتسيطر عليها بكل قوة
    صورة اليد القوية الممتدة من تحت الأرض والممسكة بالزهرة المتفتحة بكل إرادة وأمل رغم الموات ..
    وعضت على شفتيها بقوة
    وأقسمت بينها وبين نفسها أنها ستكون طبيبة وناجحة في المستقبل مهما كانت العوائق والمصاعب المستحيلة التي تعترضها ..

    يتبع بإذن الله





  3. #3
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    Heart 0f My Lover
    المشاركات
    4,321

    Thumbs up

    متابعك يا بوب


  4. #4

    افتراضي

    جميله جدا يا د.محمد متابعه مع حضرتك ان شاء الله ..

  5. #5
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة same7 مشاهدة المشاركة
    متابعك يا بوب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **mahasen mohamed fouad** مشاهدة المشاركة
    جميله جدا يا د.محمد متابعه مع حضرتك ان شاء الله ..

    إن شاء الله الرواية هتعجبكم جدا ..

    شكرا للمتابعة ..



  6. #6
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    افتراضي

    الحلقة الثالثة


    عندما يبكي الرجال ..
    قد تصلح هذه العبارة كعنوان لرواية تراجيدية .. أو افتتاحية لمقالة أدبية مميزة
    ولكن ..
    أبدا لن يشعر بمعناها إلا من مر بتجربتها ..
    قد يبكي الرجال من خشية الله وهذا محبب ورائع
    وقد تسيل عبراتهم فرحا واغتباطا .. وهو أيضا من الأمور الجيدة
    وفي بعض الأحيان تكون الغدد الدمعية سطحية جدا وبمجرد الابتسام الشديد أو التثاؤب يتم الضغط عليها فتسيل منها الدموع رغما عن صاحبها .. وهذا لا شيء فيها
    أما أن تسيل منهم دموع القهر والألم .. فثق وقتها بأن هذا الرجل ما فعلها إلا محاولة الهروب من الانفجار والانسحاق تحت أقدام إنفعالاته التي تموج به ..
    وتكون هذه أكثر لحظاته ضعفا ووهنا ..
    كان محمد الشرنوبي يمسك بيدي ولديه الصغيرين وزوجته تنطلق خلفه وهي تتعثر في ثوبها الطويل وهي تمسك بيد صغيرتها وتجرها معها في مسيرهم الطويل ..
    كانت هذه الأسرة الضائعة تسير بلا هدف ولا أمل ..
    فبعد أن انهار العقار الذي كانوا يسكنون به ..
    ذهبت أملاكهم القليلة في هذه الدنيا ..
    فصاحب العمارة المنهارة قد حصل على الأرض التي كانت مقامة عليها وتخلص من جميع السكان دفعة واحدة واصبح الآن بامكانه الاستثمار بها كيفما شاء
    وهؤلاء السكان أصبح مصيرهم متنوعا ..
    منهم من لديه سكن بديل فذهب اليه
    ومنهم من له أقارب لجأ اليهم
    ومنهم من ينطلق هكذا بلا هدى ولا أمل وبلا أمتعة بعد أن فقدوا كل شيء تحت الأنقاض
    كما هو الحال مع محمد الشرنوبي الآن ..
    ولأنه عامل بسيط وبلا راتب ثابت بمحطة السكك الحديدية في منطقة رمسيس بالقاهرة
    فقد ذهب بهم الى أماكن الورش الخاصة بالمحطة .. وفي منطقة تجمع الكثير من الأخشاب توارو خلفها وكأنما يحتمون بها
    وكأنما هي رحمة من الله بهم .. فقد غشيهم النوم جميعا من التعب والإرهاق بعد مسيرهم الطويل ..
    وفي الصباح استيقظ الجميع على فاجعة أخرى لا مثيل لها ..
    ليجدوا عائلهم الوحيد وقد تناثر جسده يمينا ويسارا تحت عجلات أحد القطارات
    كيف مات ومتى ؟
    لا أحد يدري
    هل فعلها هربا من الحياة وعجزه التام بها ؟
    هل حدث خطئا ما أوقع به ؟ ..
    كل ذلك لا يدري به أحد
    وانطلقت الصرخات مجلجلة تهز أركان المحطة الشاسعة
    ولأن العطف والطيبة وسخاء اليد وقت المصائب من صفات الشعب المصري المترسخة فيه
    فرغم ضيق ذات اليد بكل من كان يعرف محمد الشرنوبي
    إلا أنهم تجمعوا وجمعوا مبلغا من المال وتطوع أحدهم لشراء تلك العشة الصفيحية التي أقاموا بها بحي الشرابية
    وكانت تأتيهم المساعدات كل حين ..
    ولكن النسيان دوما مصير كل الأشياء والكائنات ..
    وهكذا تم نسيانهم ..
    وظلت هذه الأسرة تقاسي الأمرين
    وكان أكثرهم معاناة واحساسا بالمسئولية
    هو عبد الجليل ..
    من صغره وهو يجري طوال اليوم بين السيارات المتوقفة في الإشارات المرورية ليمسح زجاجها أو يبيع لأصحابها المناديل والفوط الصغيرة وبعد انهاكه التام طوال اليوم يعود الى صاحب البضاعة ليمنحه قروشا لا توفي ولا تكافيء أبدا ما بذل من مجهود خرافي طوال اليوم
    وقد ورث عبد الجليل عن أبيه الطيبة التامة والمسالمة وتقبل كل الظروف والأشياء برضا عجيب هو أقرب للخنوع والخضوع بشكل أكبر
    حتى عندما يتعرض للظلم الشديد في كثير من المواقف ..
    يوميء برأسه لأسفل ..
    وينطلق وهو يكتم عبراته بكل قوة وبعد قليل يطوع نفسه لقبول ما حدث دون أي محاولة للمقاومة ..
    وبعد التنقل والتقلب في كثير من المهن البسيطة التي عمل بها
    أخيرا استقر في أحد المطاعم الشعبية ..
    وبالبرغم من أنه كان أكثر العاملين بهذا المطعم تعبا وإرهاقا إلا أنه كان أقلهم راتبا
    وقد يكون السبب الرئيسي في هذا أنه أصبح من المعروف عنه أنه يقبل بأي شيء ولا يعارض أي مخلوق في أي أمر
    فهو الذي يحمل أجولة البضاعة القادمة
    وهو الذي يخلص المطعم من مخلفاته ويحمل أثقالا لمسافات بعيدة
    وهو الذي يقوم بغسيل ومسح وتنظيف أرضية المطعم كل يوم ..
    وكذلك وظيفته شبه الرئيسية هي غسيل وتنظيف الأطباق والموائد بعد انصراف الزبائن ..
    وبقية رفاقه من يجلس على الخزينة
    وآخرين يقومون بتوصيل الطلبات للزبائن
    مع اثنين يقومان مقام النادل بلباسهم النظيف
    وكأن أقل هؤلاء راتبه ضعف راتب عبد الجليل
    وكان عبد الجليل يقبل بهذا مقابل خدمة أخرى يراها مهمة جدا
    فأثناء تنظيف الموائد بعد انصراف الزبائن .. يقوم بتجميع بقايا الأطعمة التي تركوها
    ويضعها بكيس أسود يحمله معه
    وفي نهاية اليوم يذهب بها كطعام لأسرته ..
    ويراه صاحب المطعم ويتركه كأنما لا يرى شيئا .. ولكنه بينه وبين نفسه يقرر أنه حينما يريد التخلص من عبد الجليل ستكون هذه هي الحجة الأساسية
    وإن كان أصلا لن يجد مثيلا له ..
    عاد عبد الجليل منهكا مرهقا تدور به الدنيا من عمله
    دخل الى ما يطلق عليه مجازا منزله
    وأول سؤاله كان عن حمدية
    فأشارت أمه بانها مستلقيه كالعادة بالداخل .. وكانت عينيها مسلطة على كيسه الأسود
    ولكنه تجاهل نظرتها هذه وانطلق الى حيث حمدية
    فوجدها نائمة وهي تدفن رأسها في وسادتها ..
    ولأنه يعلم بأنها لا تفعل هذا إلا إذا كانت تعاني بقسوة من شيء ما
    فجلس بجوارها وربت على ظهرها بحنان شديد
    وقال لها .. (( حمدية حبيبتي .. لقد جئت .. ))
    وكأنما أيقظها صوته الدافي من سبات عميق فقد رفعت الوسادة عن رأسها وقامت لتنظر اليه بود شديد وقالت له .. (( حمدا لله على سلامتك ))
    نظر عبد الجليل الى عينيها المحمرتين من أثر البكاء ولأن الأسباب كثيرة وليس بيده دفع إحداها فقد تجاهل سؤالها عنها وحاول تعزيتها بأن مد يده في كيسه وأخرج شطيرة كاملة وقال لها .. (( لقد جئت لك بهذه خصيصا فهي كاملة ولم يلمسها أحد وسيعجبك طعمها جدا باذن الله .. ))
    تناولتها منه دون تردد والتهمتها في نهم شديد
    وهو ينظر اليها بود وعطف كبيرين
    فرغم كل شيء كان عبد الجليل يشعر بالمسئولية التامة عنها
    كان يشعر بأنها الركن الضعيف بهذا البيت ..
    ولكن كانت عنايته بها لا تتجاوز منحها هذا الطعام وبعض القروش في مطلع الشهر
    وسوى ذلك يتجاهل مرغما كل ما تعاني منه
    لأنه يحمل منه أطنانا ولا يتحمل المزيد
    بعد أن تناولت حمدية شطيرتها قبلته على وجنته وهي تشكره بشده عليها
    وكانت هذه هي المكافئة الكبرى التي ينتظرها طوال اليوم
    وكأنما كانت قبلتها هذه بلسم شاف ذهب بكل أوجاعه وآلامه
    فقد أشعرته بأن تعبه كله له مقابل كبير ولم يذهب هباءا
    فربت عليها بحنان وود وهو ينظر لها بامتنان
    وخرج الى أمه ليمنحها البقية
    وبينما أمه تقوم بفرزها وتجميعها
    دخل تامر لينظر اليهما بسخرية قائلا
    .. (( مرحبا بك وبزبالتك التي أتيت بها .. ))
    كعادته كتم عبد الجليل انفعاله الحقيقي وابتسم لأخيه قائلا ..
    .. (( تفضل يا تامر والله إنها نظيفة فأنا جمعتها بعناية ولففتها جيدا قبل أن أضعها بالكيس .. ))
    قال تامر في مقت شديد ..
    .. (( إلى متى سنظل هكذا ؟ .. وما ذنبنا في كل هذا ؟ .. متى نخرج من عيشة تأباها الحيوانات ونعيش مثل بقية البشر ؟ .. ))
    قال له عبد الجليل في جدية شديدة ..
    .. (( احمد الله يا تامر كي لا تزول منا النعمة .. نحن لنا مكان يؤوينا وغيرنا تحت الكباري وفي مقالب القمامة في العراء .. نحن نجد يوميا ما يسد رمقنا وغيرنا يبيت ليالي عديدة يقاسي الجوع والعطش .. ))
    مد تامر يده وانتزع شبه شطيرة من يد أمه ووضعها بفمة مرة واحدة ولوح بيده وخرج وهو ينطق بجملة غير مفهومة وبالطبع كان معروف دلالتها وأنها لا تعبر سوى عن نقمته الدائمة على كل ما يحيط به ..


    يتبع بإذن الله




  7. #7
    Pharma Student
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    mansoura
    المشاركات
    827

    افتراضي

    متابعة ان شاء الله.....

  8. #8
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    افتراضي


    الحلقة الرابعة
    طرقات بطيئة هادئة بغير عنف على الباب
    تعجبت حمدية منها بقوة
    فهم غالبا لا يُطرق بابهم أبدا
    واذا حدث في المرات النادرة فهي حتما تكن بعنف وتهز الجدران الصفيحية المتهالكة
    فقامت لتفتح وهي تتوجس خيفة
    وإن كان هدوء تلك الطرقات كان يبث فيها الشعور بالراحة
    وما إن فتحت الباب
    حتى تهاوى قلبها ببين قدميها
    وارتعدت بعنف
    وهمت بأن تصفقه بسرعة قبل أن يراها الواقف خلفه
    فقد كان عم ابراهيم
    علمت حمدية لما شعرت بكل هذه الراحة من وقع الطرقات
    فقد كان واقفا ببسمته الهادئة الجميلة
    وطلعته البشوشة ووجهة المملوء بالطيبة والحنان
    ما إن رآها حتى ارتفع حاجبيه بتأثر حقيقي وقال لها بصوت يفيض لهفة
    .. (( كيف حالك يا حمدية يا ابنتي ؟؟ .. لقد قلقت عليك جدا ))
    لم تستطع حمدية من كبح جماح دموعها التي انهمرت
    وهي تشعر بالخزي والعار مع مزيج عجيب من السعادة المشبعة بالشجن
    هناك من يهتم لأمرها
    هناك من يفتقدها
    ولكن
    هي أجرمت في حقه
    وسوف يُصدم فيها بعد قليل
    وهو لا يستحق كل ذلك
    ولهذا خرج صوتها مبحوحا وهي تقول ..
    .. (( كيف حالك أنت يا عم إبراهيم .. وكيف عرفت طريقي ؟؟ .. ))
    ضحك الرجل وقال لها (( أنا أقيم بالمنطقة قبل أن تولدي بكثير و هل سأبقي هكذا طويلا أمام الباب ؟ ))
    تحرجت حمدية وهي تقول .. (( بالطبع لا .. ولكني وحدي .. ))
    قال لها ببساطة .. (( لا عليك ولكن أنتظرك اليوم عصرا .. لابد وأن تأتيني .. ))
    لم تدري حمدية من أين أتتها هذه الجرأة لتتخلص من حملها وهي تقول له
    .. (( عم إبراهيم .. لقد ضاعت مني رواية الجريمة والعقاب ولا أعرف لها طريقا .. ))
    استدار الرجل وأعطاها ظهره منطلقا وهو يقول بكل بساطة
    .. (( لست أريدك لأجلها .. ))
    وتباعدت خطواته وهي واقفة فاغرة فاها غير مصدقة
    لقد كانت تقاسي آلام تعذيب الضمير بسببها
    وفي نفس الوقت تتجرع مرارة الحرمان من القراءة التي كانت تؤنس وحدتها
    وتخرجها من كل دنياها الى كل العوالم الكونية المتعددة
    هكذا بكل بساطة تلقي الرجل خبر فقدها ؟!!
    كانت حمديه تهم أن تندفع خلفة ولا تنتظر الى العصر
    ولكن تمالكت نفسها بقوة
    وكم كان آذان العصر أعذب من كل سيمفونيات المقطوعات الموسيقية في أذنيها عندما أتى
    وعلى الفور انطلقت ذاهبة اليه
    وكعادته
    ورغم مظهره البسيط جدا والذي لا يوحي أبدا بكم المعارف التي يختزنها بين جنباته قبل أن تكون مرصوصة مع كتبه ومجلاته
    كان جالسا على كرسية الخيرزاني ويرتدي نظارته السميكة
    وبين يدية كتاب ضخم
    اقتربت منه وهي تقول في خفوت .. (( كيف حالك يا عم ابراهيم ؟؟ .. ))
    بكل هدوء وضع كتابه جانبا
    ونزع نظارته
    وارتسمت ابتسامته المحببه لها على وجهة
    وقال لها بلوم مشوب بالمودة
    .. (( وهل هان عليك يا حمدية أن تغيبي كل هذه المدة دون سؤال عني ؟ ))
    كانت كلماته تمس شغاف قلبها
    كانت ترى فيه أبيها الذي لا تذكره
    فقالت بصوت متقطع ومتهدج
    .. (( لقد أضعت روايتك الثمينة .. ))
    ضحك وقال ..
    .. (( وهل هذه هي المشكلة التي تمنعك عني ؟ ))
    قالت .. (( ثمنها غال .. لقد تسببت لك في خسارة كبيرة .. ))

    قال بهدوء
    .. (( لا توجد خسارة باذن الله .. فيمكنك تسديد ثمنها بشكل آخر .. ))
    رغما عنها توجست حمدية خيفة رغم ابتعاد كل الشبهات عن الرجل وضمت ثوبها
    وهي تسأله في ترقب .. (( وكيف هذا ؟ ؟ .. ))
    قال دون أن تنمحي ابتسامته عن وجهه
    .. (( أنا في حاجة الى العون الآن .. فأنا أريد من يحل محلي كل يوم وقت الظهيرة لأنال قسطا من الراحة .. ولهذا طلبت أن تأتيني وأعرض عليك العمل معي في هذا الوقت .. وسوف أخصم ثمنها من راتبك .. هيا انزعي عنك الشعور بالذنب هذا .. فأنت أفضل من يقوم بهذه المهمة ))
    كانت مفاجأة مذهلة لها .. فجأة تبدل الكون بالنسبة لها
    عمل وبأجر مادي وفي ماذا ؟ في واحتها الغناء الرائعة
    هزت رأسها لتتأكد من أنها لا تحلم
    وهمت بأن تذهب لتقبله على وجنته كما تفعل دوما مع عبد الجليل ولكن بالطبع لم تستطع
    و كانت موافقتها السريعة على هذه الهدية التي تعد بمثابة الحل لكل مشاكلها في الحياة
    وقد تحقق لها الحلم
    كل يوم تأتي وقت الظهيرة لتقطف من ثمار هذه الجنة وبعيدا عن تهديدات تامر
    بل فكرت أنها لو تستطيع لدفعت هي راتبا لعم ابراهيم مقابل هذه الخدمة الجليلة لها
    وكل يوم قبل مغادرتها تتسامر معه ساعة كاملة في مناقشة حول ما قرأته أثناء غيابه
    كانت مناقشاته هذه ثرية جدا
    تكشف لها أبعادا أكبر وأعمق مما كانت تتخيل
    فقد كانت تقرأ لأجل التسلية
    أما هو فكان يصبغ هذه التسلية بمعان أخرى تبني لها جزءا كبيرا من وجدانها
    وفي يوم بعد قرائتها لرواية دعنى أحلم
    ظلا يتحاوران حول الأحلام وأن السبيل الحقيقي لتحقيقها هو أن تتوقر في صدر صاحبها أنها حقيقة ماثلة أمام عينية وليست شيئا بعيد المنال
    وهنا
    وقفت حمدية وبعينين مليئتين بكل إصرار الدنيا
    و قالت له :
    .. (( عم إبراهيم .. أنا احلم بأن أكون طبيبة .. وحلمي الآن ماثل أمام عيني .. ))
    اتسعت ابتسامة الرجل مشوبة بالسعادة الواضحة وقال لها ..
    .. (( وأنا أيضا أراه ماثلا في عينيك .. وسوف أساعدك بكل سبيل لتحقيقه .. ))
    وقد كان
    فهو الذي قدم لها الكتب المدرسية التي لم تحصل عليها
    وهو الذي دلها على مجموعات تقوية مجانية بالمراكز الخيرية
    وهو الذي كل يوم يبث فيها روح الاصرار والعزيمة كل يوم
    وعندما اقتربت امتحاناتها
    منحها أجازة مدفوعة الراتب
    وعرض عليها سلفة لتتغذي بأطيب الأطعمة كي تتمكن من التحصيل والتركيز
    على أن تسددها من راتبها فيما بعد
    وكانت المفاجأة الكبرى والتي لم تحلم بها ولم تخطر لها على بال منذ شهرين فقط
    حصلت حمدية على مجموع عال يؤهلها لكلية الطب بالفعل
    يتبع بإذن الله




  9. #9
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    افتراضي

    الحلقة الخامسة
    كثيرة جدا هي الأحلام التي يرى فيها المرء نفسه وهو يتسائل تُرى هل أحلم أم أن هذه حقيقة ؟
    ورغم كثرة المشاهد المتنوعة والمتعددة في معظم الروايات والتي تصف بأن المرء لا يصدق ويهز رأسه بعنف كي يتأكد بأنه مستيقظ فعلا ولا يحلم
    إلا أن هذا لم يحدث في الواقع أبدا .. وسائل نفسك .. هل حدثت معك يوما ؟
    إلا أن هذه المرة كانت حقا تفوق كل الأحلام والخيالات ألف ألف مرة
    حتى أن حمدية كانت تسير وهي لا تشعر بالكون حولها
    عفوا لم تكن تسير
    بل كانت تحلق في سماء غير التي تظلنا
    وترى أرضا غير التي نعيش عليها
    كانت الفرحة تهز جوانحها وكانت حقا ترتعد من السعادة
    نعم ترتعد لم تقراها خطئا
    بل كانت دموعها تسيل بلا انقطاع
    ولأول مرة لم تكن دموع الألم والقهر والعذاب
    هل حقا ستنتمي الى عالم البشر ؟
    هل أصبحت قاب قوسين أو أدني من أن تكون لها شخصية حقيقة ومقام فعلي بين الناس
    هل ستصبح محط الاهتمام والتقدير ؟
    وعندما دخلت الى بيتها
    رأتها أمها وهي على هذه الحالة
    ولأن المناطق العشوائية لا شيء فيها آمن
    انخلع قلب الأم وهي تتفحص ابنتها بسرعة بعينيها
    وقالت لها .. (( ما بك يا حمدية ؟ ))
    خرج صوت حمدية شاحبا متقطعا وقالت
    .. (( سأصبح طبيبة يا أمي .. ))
    جزع الام وقلقها مع غرابة الخبر جعلاها للحظة لا تدرك ولا تفهم مغزى ما قالت ابنتها
    وحينما أدركت
    كان الشعور بداخلها عجيبا ومركبا بشكل غريب
    هو بالضبط أشبه بشعور رجل فقير كان تائها في الصحراء وحينما انقطع به الأمل
    اذا به يجد سيارة فارهة ظهرت له من العدم وسائق يقول له تفضل سيدي فقد جئت لك خصيصا لأوصلك بر الأمان ومعي أطيب المأكولات والمشروبات لك
    فلا هي كانت تنتظر ذلك
    ولا هي كانت تأمله ولا تتوقعه
    بل كانت ترى بأن الحياة التي تحياها هي كل شيء ولا يوجد تطور لها مهما كان
    ابنتها ستصبح طبيبة
    كيف هذا ولماذا ؟
    وقبل أن ترد عليها
    اذا بعبد الجليل يطرق الباب بهدوئه المعهود ويدخل ليرى هذا الموقف الغريب
    وحينما علم بالخبر
    يحتضن أخته ويقبل رأسها
    ويقول لها
    .. (( والله كنت أعلم بأنك أنت ستكونين سر سعادتنا ))
    وقالت لها أمها
    .. (( هيا يا دكتورة فأنا أريدك لتعالجين هذه الغشاوة التي بدأت ترهق بصري ))
    وعبد الجليل يقول لها ..
    .. (( وأنا كذلك يا دكتورة ظهري يؤلمني كثيرا وتلك الكبسولات الصفراء أصبحت تحرق بطني .. سأنتظر حتى تدرسين منطقة الظهر وتعالجيني أنت .. ))
    ولأول مرة تنطلق الضحكات في هذه العشة الصفيحية منذ أمد بعيد
    ولأول مرة يكن هناك شعور الأسرة بينهم والتفاعل الدافيء بالمشاعر الصادقة هذه
    وكأن هذا الخبر كان بمثابة الرباط الذي جمع كل ما كان مفككا بينهم
    ولكن
    ظهر بطلعته الغير بهية
    ووقف متعجبا أشد العجب لما يرى من ضحكات وشعور عجيب بالسعادة يطوق المكان
    بالطبع إنه تامر
    فقال لهم .. (( أشعر بأن هناك شيئا فاتني .. هل أتاكم أحد السادة بأكلة شهية ؟ ))
    قال له عبد الجليل بفرحة .. (( حمدية ستصبح طبيبة .. ))
    نفس وقع الصدمة ولكن كان معه مختلفا
    فقد أدرك الأمر بسرعة
    هو يرى النبوغ في أخته منذ صغرها ويدرك أن ملكاتها تفوق كثيرا مظهرها
    وعشقها للقراءة بشكل عجيب لا يأتي من فراغ ولا يمر بلا أثر
    حتى أنه كان يشعر بالغيرة الشديدة منها
    فهو لديه احساس أنه الأذكى والأفضل دوما ولكن الظروف هي التي تقتله
    فكيف فعلتها هذه المجرمة وسط هذه الأهوال
    هذا دليل يدينه بأنه هو الفاشل
    لأنها نفس ظروفه
    فلماذا لم يفعلها هو
    ولهذا
    ارتكن بساعدة على الحائط الذي تحرك قليلا تحت ضغطه
    وقال ساخرا .. (( لولولووووي ألف مبروك يا دكتورة .. الف مبروك يا أم الدكتورة .. وأنت كمان يا أخو الدكتورة .. ))
    شعر الجميع بنبرته الساخرة الناقمة هذه فصمتوا جميعا وقد توجسوا منه كل شر
    ولكنه أكمل قائلا
    .. (( هل جننتم جميعا ؟ .. إننا لا نجد ما يطعمنا لمدة يومين قادمين .. كيف باذن الله سيتم الانفاق عليها في كلية الطب هذه ؟؟ .. والتي فقط سعر كتاب واحد فيها يعادل ما ننفقه جميعا في شهر أو شهرين ؟ ))
    كان رد الفعل لديهم تماما اشبه بمن كان لديه جرح نازف وكان متناسيا له
    واذا بمن يضغط عليه بقوة وعنف ليذكره به عبر الألم الشديد
    اطرقت الأم بوجهها الى الأرض
    ونظر عبد الجليل الى أخته بشفقة شديدة وقد أدرك تبخر الحلم
    وعلى النقيض تماما
    ولأول مرة
    وقفت حمدية ووضعت يديها في خاصريها
    وقلت له بكل عناد الدنيا
    .. (( سأفعلها باذن الله مهما كانت العوائق ))
    كان الشعور بالنجاح بعد المصاعب السابقة قد منحها طاقة جبارة على تحدى الظروف
    فقد جربت كيف أن مقاومة الأخطار ممكنة اذا توفرت الارادة
    فوجيء تامر برد فعلها فقال لها في غيظ
    .. (( وكيف ستفعلينها أيتها العبقرية ؟ ))
    قال بمنتهي الصرامة
    .. (( اذا طلبت منكم مليما واحدا وقتها فقط فلتحاسبني ما دامت هذه هي كل المشكلة التي تراها .. وأنا كفيلة بتجاوز كل الصعاب .. ))
    كان تامر يشعر بكل غضب الدنيا يعتمل به
    ولكن كعادته في محاولة كسب الأمور
    تدارك الأمر وعلم أن تحديها الآن سيجعلها فعلا تسعى للنجاح
    لذا من الأفضل الآن تركها هكذا
    وحتما ستقتلها كل المصاعب التي ستواجهها وهي كثيرة جدا ولا قبل لها بها
    ووقتها ستعود هنا باكية منكسرة ومحطمة لتؤكد بأنه لا يوجد من هو أفضل منه فعلا
    ولم يولد بعد من يسبقه
    فهز رأسه بلا عناية وقال
    .. (( حسنا أمامك كلية الطب .. أتمنى لك كل سعادة يا دكتورة ))
    وتركهم وانطلق الى حيث لا يدرون
    وإن كان قد أحدث شرخا كبيرا في جدار سعادتهم التي كانت تظلهم منذ قليل .

    *****

    .. (( الأجرة يا آنسة .. ))
    نطق بها المحصل في تلك الحافلة المنطلقة من منطقة غمرة الى العباسية وسط أكوام البشر المتكدسة به ..
    تجاهلت حمدية كلمته .. فكررها بمنتهى اللزاجة ..
    .. (( قلنا الأجرة يا آنسة .. بصي فلنظري نحوى ولتدعى تلك اللامبالاة فلن تصلح معي .. ))
    أحرجت حمدية فقالت له .. (( لقد نسيت نقودي سأهبط في المحطة القادمة بعد اذنك .. ))
    نادي المحصل بصوته الجهوري على السائق قائلا
    .. (( أوقف الحافلة يا محمد .. ))
    ورغم الزحام والضجيج الا أن صوته كان سببا فعلا في توقف الحافلة بشكل مفاجيء جعل الجميع يندفعون نحو الأمام فوق بعضهم البعض
    وقال لها ..
    .. (( هيا انزلي الآن .. ))
    قالت له برجاء
    .. (( استسمحك دعني حتى المحطة القادمة فقط .. ))
    صرخ فيها قائلا
    .. (( هيا يا آنسة لا وقت لنضيعه أكثثر من هذا .. ))
    تحجرت الدموع في مقلتيي حمدية فهبطت مسرعة
    والمحصل يعلق قائلا .. (( حرامية ولاد كلب لازم يوجعوا قلبنا على الصبح ))
    والعجيب أنه لم يصدر أي رد فعل من الركاب المجاورين لهذا الحدث
    ولكن كان هناك شابا ينادي على المحصل منذ بدء الأزمة و بالطبع لم ينتبه له
    وكان هذا الشاب يشق الزحام محاولا الوصول اليه
    وعندما وصل ليدفع لها الأجرة
    كانت الحافلة قد انطلقت بدونها بالفعل
    في حين أن حمدية كانت تسير عاقدة حاجبيها ووجهها متمعر بمشاعر الألم كلها
    وهزت رأسها وقالت وقالت بصرامة لا سمعها ولا يشعر بها الا هي
    .. (( غدا ستعلم أيها المحصل من أنا
    غدا سأثبت لك أني لست تلك الحقيرة التي كنت تستهين بها
    باذن الله ستتبدل كل الظروف في المستقبل .. ))
    وبعد نصف الساعة سيرا على الأقدام وصلت الى كليتها في اليوم الأول لها
    وهي تشعر بكل اجهاد الدنيا
    وكأن هذا الإجهاد كان سببا في زيغ بصرها
    فقد كانت المشاهد أمامها عجيبة ومهتزة
    ولساعة كاملة كانت تشعر بأنها دخلت مكانا خطئا
    كرنفالا كبيرا من الأزياء لم تره من قبل
    وبكلية الطب خصيصا رأت أناسا كان تسمع عنهم وفقط
    يظهر عليهم كل آثار العز
    والعجيب أن كل اثنين أو ثلاثة كانو متعارفيين بسابق معرفة
    أما هي فكانت وحيدة بشكل غريب
    فلا توجد زميلة واحدة معها من مدرستها أو منطقتها بالكامل
    ولهذا انطلقت الى أبعد مكان قصى
    وجلست فيه وحيدة وكأنها تنشد البعد عن كل هذا
    وبدأت المحاضرة
    لم تستوعب حرفا واحد منها
    والعجيب أن كان هناك طلبة يتجاوبون بشكل رائع مع المحاضر
    وهو يثني عليهم
    وعند انتهائها كان العامل المسئول عن قاعة المحاضرات معه كم كبير من الكتب والمذكرات يعرضها للبيع .. بالطبع نظرت اليها وابتعدت مسرعة بعد أن علمت سعرها
    ولأول مرة منذ نجاحها
    بدأ شعور العجز يتسرب اليها
    موقف محصل الحافلة الذي نال من نفسيتها
    مع مسيرتها الطويلة مشيا على الأقدام التي أنهكت جسدها
    وكذلك عدم فهمها لأي حرف مما قيل بالمحاضرة
    وأخيرا لمست على الواقع أحد أهم المتطلبات لهذه الكلية وهي الانفاق
    كانت في السابق يمكنها النجاح بمجرد السماع في الدروس والمحاضرات
    وهذا لأنها كانت تفهم وتستوعب ما يقال
    أما الآن فكيف سيكون التحصيل بلا فهم ولا أي وسيلة مساعدة
    ذهبت حمدية الى ركن قصي
    وجلست به
    وهي تشعر بكل أكبال الدنيا تصفدها
    كانت تشعر كأنها غريق يهوى نحو الأعماق وأمامه زورق النجاة
    ولكن لا تطوله يده
    ورغما عنها
    انفجرت باكية
    وهي لا تشعر بأن هناك عينان ترقبانها باهتمام شديد ومن ركن قصي

    يتبع بإذن الله




  10. #10

    افتراضي

    متابعين يا دوك ...فى انتظار الحلقه الجديده

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •