الحلقة الأولى
تطايرت الأبخرة الغزيرة برائحتها النفاذة المميزة من أحد محلات الكباب الشهيرة بمنطقة غمرة بالقاهرة .. لتثير حول المحل عبقا خاصا .. فأرباب هذه المهنة يحكمون على نجاح المحل بكثافة هذه الأبخرة وعدم انقطاعها ..
وبالدخل كان أحد العمال يقوم بإعداد الوجبة الكبيرة والدسمة التي طلبها أحد الشباب منهمكان الشاب بملابسة الحديثة والعجيبة ونظارته السوداء الكبيرة التي تخفي نصف وجهةوسيجارته الرفيعة برائحتها المعطرة يقف وهو يتمعن في العمال بقوة وهم يسعون يمينا ويسارا في نشاط جم لإرضائه عسى أن يفوزو منه بإكرامية ينتظرونها بلهفة حيث أنها هي العماد الأساسي لدخلهم من هذا المحل ..بعد أن قاموا بإعداد وجبته المطلوبة أعطوه الأكياس معبئة بها .. حملها وذهب الى حيث عامل الخزينة ليدفع له المستحق عليه ..وضع الأكياس بجواره على الأرضومد يده في جيبه ليخرج حافظته .. فاذا بها ليست بهذا الجيب الذي بحث بهأخذ يقلب جيوبهوفجأة كصاعقة انقضت من المجهول ..صبي صغير مهلهل الثياب ومتسخها اندفع الى داخل المحل ليختطف تلك الأكياس وينطلق بها كالقذيفة ..واذا بهذا الشاب يسبه وينطلق خلفه كالطير الجارحارتبك العمال بالمحل ولم يدرو ماذا يفعلوا وهموا بأن ينطلقوا معه خلف هذا الصبيولكن ما إن برزوا خارج المحل حتى كان أثر الصبي والشاب قد تبخروعند سؤالهم للواقفين بالخارج أشاروا لشارع جانبي انطلقوا بهوأيضا كان الشارع خاو تماما منهماوعاد العمال لينتظروا بالمحل عودة ذلك الشاب إما محملا بأكياسه أو بخيبة فقدها ومحاولة أخذ أخرى بدلا منهاالمهم ألا تفوتهم الإكراميةولكن مر الوقت طويلا بدون عودته
*****علا صوت قهقهة تامر وهو يتناول الأكياس من الصبي ويمد اليه برغيف ومعه قطعات صغيرة مما ساعده على سرقته ويقول له .... (( المرة القادمة لو تأخرت ثانية واحدة قد تفضحنا فقد طالت مدة تقليبي لجيوبي .. فلا تكررها ))تناول الصبي الرغيف منه بلهفة وقام بلفة بسرعة بما أعطاه وتناوله في نهم وجوع شديدين وقال له بصوت غير مفهوم بسبب امتلاء فمه .... (( لا تقلق يا زعيم أنت فقط أعد الخطة للضربة القادمة وحدد لي الشوارع التي سنهرب فيها وأنا طوع أمرك .. ))أشار له تامر بالإنصراف .. وأخذ حمله وذهب به الى إحدى الحدائقوبدأ يأكل ببطء شديد وبتلذذ غير عادينظر إلى أحد الشباب برفقة خطيبته وهو يتناول شطائر الفول والطعمية ويمد يده بها اليها بكل ود .. وهي تتناول منه ممتنة بها ..قذف تامر بقطعة كبيرة الى فمه وهو يتلذذ بمشهد أنه الآن يفوقهما مكانة وتلذذا بالطعامفكم كره أن يكون هو اليد السفلي دوماكم يلعن الفقر المدقع الذي يعيش فيهما إن تذكر الفقر الرهيب الذي يعاني منه حتى تمعر وجهه بالألم وذهب مذاق الطعام الذي سرقه من فمهكان دوما يسائل نفسهما الفرق بينه وبين الشباب الذاهب والآتي بالسيارات الفاخرة وقد ولدوا بملاعق من ذهب في فمهم ؟؟ ..له عقل ذكي مبتكر ربما يفوقهم جميعالدية الوسامه التي يظهرها هذا الملبس الخادع والذي استعاره من أحد معارفه ..ولكن بسبب نشأته يتيما في حي الشرابية وفي إحدى العشش الصغيرة المبنية من الصفيحوبرفقة أمه وأخته وأخيه وبلا دخل تقريبايعاني الأمرينكان تامر يشعر بالحقد والكراهية لكل من يظهر عليه أثر النعمةوحينما تأتيهم لحوم ووجبات الصدقات في الأعياد ورمضان والمناسبات الخيريةيشعر بالهوان الشديد وتزداد الكراهية بداخلهفهو يرى بأنه أفضل من أصحاب الكرامات هؤلاء الذين يفعلون الجرائم أشكالا وألوانا ويظنون بأنهم حين يلقون بهذه اللقيمات الى الفقراء أمثاله قد نالو الرضا في الدنيا والآخرةامتلئت معدته عن آخرها وتبقي الكثيرنظر لأحد المشردين كان يفترش ظل شجرة وينام تحتها ولا يشعر بالكون من حولهفكر أن يذهب ليعطية ما تبقي وهو كثيرولكن هو يرى بأنه قد حصل عليه بتعبه وذكائه ولهذا لا يستحقه غيرهوقام بلف البقية وذهب وألقاها بإحدى سلات المهملات المنتشرة بالحديقة وهو يشعر بالنشوة والتميز والتفرد
يتبع بإذن الله
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة
الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة
الحلقة السادسة
الحلقة السابعة
الحلقة الثامنة
الحلقة التاسعة
الحلقة العاشرة
الحلقة الحادية عشرة
الحلقة الثانية عشرة