حتي يسكن العرشْ
قصة قصيرة
بعدما فعلتُها.. كفكفَ دموعه و نظرإليّ مُبتسماً في براءة ثم تذكرت كل شيء..
في الكتّاب تعلمتُ علي يديه..كيف أتهجأ الحروف وتشكيلاتها ونحو اللغة..كيف أحفظ آيات
الله فشرد ذهني وإبتسامةُ خفيفةُ ترتسمُ علي ثِغري..سامعاً صوته الجهور وهو يردد:
ألف وفتحة: أَاا... ألف وكسرة: إِيي... ألف وضمه: أُوو..
ألف وشدة وفتحة: أئّا.. ألف وشدة وكسرة: إيئّي... ألف وشدة وضمة: أوؤّو..
وعندما أقع في الخطأ..إذاً الويلُ لي!!. أجد نفسي فجأة معلقاً في الهواء حيث يمسكُ أيْ
قطعة من لحمي ويضغط عليها بقوة بين أنامله وبالتحديد بين إبهامه الكبير وسبابته...هذا
لو كان العقاب هيناً بعض الشيء!.أما لو اشتعل غضباً يجعل قطعة من لحمي ببين إبهام
وسبابته ويدعمهما القلم الجاف الصَلبْ، فيقع لحمي بين أنامله القوية والقلم
الصلب..ويبدأ الضغط.. ويبدأ معه صراخي وأنا فاتح فمي علي مصراعيه من الألم..وآهاتي
تتصاعد..وتتصاعد.. وهو يضغط ويرفعني لأعلي وأنا أصرخ وأصعد معه.. لأنني لو
قاومت سيكون الألم أضعافا مضاعفة فأجد نفسي محمولاً في الهواء وهو يصيح ورذاذ فمه
يتطاير علي وجهي وعيونه تتقد بالشرار:
ألف وكسرة... أيه؟؟!!..
فأرد عليه وأنا أجهش بالبكاء:
إِيييييييييييييييييييه
ويعود صائحاً:
ألف وضمة... أيه؟؟!!!....وبكائي يزداد وصراخي يعلو أُُجيب:
أُُووووووووووووو
الألم بعد قليل سيزول ككل شيء.. ولكن ماكان يُقلقني حقاً: هي تلك العلامات التي تظهر
إثر هذا العنف.. بقع زرقاء مُخضرة تنتشرُ في جسدي.. وكانت أُمنيتي أن تكون تلك
العلامات مخفية عن العيون وفي مكان مستتر.. حتي لايراها أحد فيسخر مني..
وسرعان ماأدخل لحجرة النوم..وأخلع ملابسي لأُحصي عدد تلك البقع البشعة في جسدي،
فأجدها في كل مكان والويل لك أيها الجسد لو حصلت علي قرصةٍ جديدةٍ في اليوم التالي و
في نفسْ موضعْ القرصة السابقة.. سيصبح الألم بشعاً!! ولذلك يجب حفظ الآيات جيداً
وتشكيل الكلمات في اليوم التالي!!
فعل كل هذا معي ولم أكن أستوعب لماذا يمسح علي رأسي في عطف وحنان.. مُبتسماً بعد
كل علقة والأخري...لم أفهم هذ!! يعذبني..ويرفق بي..عجباُ!!
ولكنني كنت سعيداً بهذا.. فشعوراً بالأمان والرحمة كان يكمن بداخلي فأذوب فيه وأنسي
العلقة الساخنة..ولم يسعني إلا أن أبتسم له في براءة والدموع علي خدودي..
كبرت.. وأدركت السبب بعد وفاته..تذكرته شيخاً ضربني فعلمني فأرفق بي وتوقف عرش
الرحمن عن الإهتزاز، واستعدت احساس الأمان والرحمة الذي كمن بداخلي عندما كانت
يده تمسح علي رأسي وأنا يتيم.. استعدته الأن وأنا أمسح علي رأس ولده الباكي ليسكن
العرش مجدداً، وبعدما فعلتها: هدأ.. فكفكف دموعه، ونظر إليّ مبتسماً في براءة.. ثم
تذكرت بعدها كل شيء..
بقلم/ محمد فهمي الزحاف
تمت