اللقـاء الصامـت(قصة قصيرة)
كان يأساً يملأ روحي الهزيلة، وهماً يُثقل جسدي ، وكأنني أنا الحزن يمشي، وكأنني أنا التعاسة بذاتها، في نفس الوقت كنت أشعر بالراحة دائماً عندما أكون وسط الخضرة والطبيعة...أراها...وأشم رائحتها...وأسمع همس الأشجار وأري حرية الطيور...فهي مُتنفس لي، لذا اردت أن أحصل علي ذلك المُتنفس، لعل هذا الهم يقطع تذكرة مغادرة من نفسي ولو مؤقتاً، وجلست متهالكاً علي المقعد الخشبي في الحديقة سانداً جسدي ورأسي للوراء آخذاً أنفاساً عميقة من هواء الطبيعة المُنعش...وأنا أجول بنظري هنا وهناك، لاأعلم ..هل لأعثر علي بعضاً من التعساء والحياري مثلي لأعرف أنني لست وحيداً في ذلك، أم محاولة رؤية سعداء..فآخذ منهم بعضاً من سعادتهم،عندها...لمحتُها من بعيد بزيها البنفسجي الخلاب الزاهي، تستطيع أن تجذب إنتباه عاشقي الجمال وراغبيه، وتلفت نظر التعساء أمثالي، وبالرغم من بُعدها عني، فإني أشعر برائحتها…رائحة جسدها المُعطر...ذات قوامٍ رشيق يختال في كبرياء وأنفة، تتراقص علي لحن الطبيعة العازفة، إنها هناك الآن تجلس علي هذه الأعشاب المهذبة، كم أحسد هذه الأعشاب التي تجلس عليها وتمنيت أن أجذبها من هناك لتجلس في قلبي أنا وحدي، لم أعرف ماهذا الشعورالحاد السريع الذي اخترقني..وهذا السحر المنبعث منها والذي يجذبني إليه رويداً رويداً، وسعدت به واستأنست بها سريعاً، ثم بدأت أنشغل بها عن همومي، فقمت من مقعدي وذهبت إليها هناك علي نفس الخُضرة الزاهية التي تستقر عليها، بدأت أقترب منها وكل نظراتي متركزة - بإهتمام- عليها هي - وحدها - بالرغم من وجود أُخريات حولها لكل منهم جماله وبهائه ولكن لو إختلاف الأراء.........وبالرغم من هذا..أردتها هي..فالقلب ومايُريد..بل القلب ومايعشق والروح وما تأنس..! وما أن اقتربت..حتي بعدت هي بعض الشيء..ولكني مازلت أقترب أكثر وأكثر حتي أصبحت أري ملامحها بدقة كدقة تقاسيمها، قررت أن أنتظر لن أخاطبها الآن بل سأراقبها هنا من علي قرب شديد، وأرتوي من حسنها الفتان، هاهي نسمات الهواء الرقيق تداعب وجهها الفتان ، وتكشف عن جمالها، فكانت همومي تتلاشي شيئاً فشيئاً، والروح تمتلئ بأمل جديد، ولكني لاحظت علي وجهها قطرات من المياه منها ماسقط ومنها مايحاول السقوط...إنها دموع....نعم هي دموع...! إنها تبكي...!ماسبب بكاء فتاة جميلة مثلها..أعطاها الله حسناً لامثيل له..أيتها الفتاة الخجولة، لقد كنتِ سبباً في بعث الأمل في روحي من جديد,...لا....الآن يجب أن أقترب أكثر لأساعدك بل ألمس وجهك..وأربتْ علي كتفك..وأزيل همك...وأجفف دموعك...الآن قد بدأت تتلاشت همومي وألامي، الآن امتزجت معها، امتدت يدي في بطئ لألمس وجهها الرطب...ياالله...!! ماأجمله إحساس...هذا!! وأنا أمسح دموعها في صمت..ويدي تمر علي علي عينيها لتزيل في رقة تلك الدموع وأنزل بيدي علي ذقنها المتناسق لألقي بآخر قطرة متسلقة علي ذقنها،..كل ذلك وهي مطرقة الرأس...خجولة..لا أتحدث ولا هي تتحدث..بل هي لغة الصمت ولغة القلوب، استسلمت لها وهي استسلمت لي، وعنما ارتاحت لي واطمأنت..شعرتْ عندها أنني لم أكن أنا فقط الذي أبحث عن أمل بل هي أيضاً كانت تبحث عن شخص مثلي ليشعر بجمالها ويحنو عليها ويسمع شكواها وأنينها، فلا تبخل بعدها منحه من حسنها وبهائها ونقاء قلبها البكر، وهنا أرادت أن تقول لي:
إنها ليست دموع الحزن وإنما هي دموع السعادة..دموع تسقط..فيسقط معها هموم آخرين..دموع تتجمع في عيني ليلاً وأسكبها نهاراً..لعلك تري حزناً فيخفف عنك حزنك..ولعلك تري جمالي فتغمرك البهجة- فينصرف عنك وتنصرف عنه-..ولعلك تري من أبدعني فتحمد الله علي نعمته...
وانقطع الصمت وبدأ الحديث يملأ فراغه المادي..حيث راحت يد غليظة تطرق علي كتفي....وسألني متعجباً :
انت بتعمل إيه يابشمهندس...!؟ فيه حاجه ولا إيه..!
فزعت للوهلة الأولي ، ثم أخذت لحظات للإنتقال من عالم الصمت الجميل لعالم الحديث المعتاد، بعدها...
رددت عليه بتلقائية بوجه بشوش وقد خرجت من حالة اليأس تماماً:
لأ..مافيش حاجة ياعم الحاج....!
كان هو الجنايني المسئول عن العناية بسيدات الحديقة...الزهور...!
ثم قال لي في وِدْ وكأنه علم بمحبوبتي : أتريد أن أقطفها لك...!؟
فرددت عليه بإبتسامة خفيفة : لا…..لا أريدها أن تذبل في يدي، بل أريدها هكذا نضرة نقية طاهرة تمتلئ عينها ليلاً بالدموع..ثم آتي نهاراً لأجفف دموعها المُنسكبة.
تمت
بقلم : محمد فهمي