الحقـيــقة الغــائبـة
صرخــة مدويــة تشق صمت النفس تعقبها شهقةٌ مكتــومة و أنفاس مختنقة و عبرات ساخنة تفور بمعين القلب قبل العين ... نعـم , إنها آلآم الفــراق
التى يصحبها - بفضل من الله - همسات تنطق بالشهادتين و أخرى بالحمد و تتجلى - الحمد لله - كلمات المصطفى عليه الصلاة و السلام : تدمع
العين ويحزن القلب , ولا نقول إلا ما يرضى ربنا , والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون .
.. فى خضم أحداث الحياة المتزاحمة و أمواجها المتلاطمة يغيب عنا الكثير من الحقائق , و لكنها ليست جميعاً حقائق مطلقة فمعظمها نسبى و يختلف من فلان لفلان .. لكن يجمع الناس باتفاق ضمنى على أن الحقيقة الوحيدة المطلقة فى الكون هى الموت .
حقيقةٌ تغيب عنا كثيراً حتــى إذا ما جائنا الطبيب و نحن بانتظار أخباراً تسر على لسانه .. فيخذلنا , أو حين يباغتنا صوت الهاتف و إذا بمن يحبنا و يتمنى بسماتنا و تؤلمه أوجاعنا يتصل بنا ليغرس ذلك السكين البارد بالنفوس
قلوباً و أرواحاً و كياناً .. أو بالأحــرى ليصفعنا تلك الصفعة القاسية التى تجعل شريط حيــاته بل شريط حياتنا أيضاً يمر أمام أعيننا و كأنه فيلم
تسجيلى - و هو كذلك فكلُ منا له سجل - فنتذكر الخير الذى بذله أو بذلناه بإخلاص و تفانى و صدق فى طلب الأجر من الخالق لا المخلوق
فتغمرنا بسمة رضــا ثم نتذكر خطأً , سهواً أو تقصيراً فتشملنا قشعريرة باردة تلهب - على برودتها - دمعات و زفرات ندم .. و بين هذا و ذاك
يبقى ما يؤلمنا بحق .. إنه الفـــراق .. فراق الأحبة .. مشهدٌ يجليه البارئ عز و جل بقوله : " كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق و ظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق " صدق الله العظيم .
تمر بعض اللحظــات التى يحاول المرء فيها التماسك و بفضلٍ من الله يتماسك ليؤدى واجباً فرضه الله علينا تجاه حبيبنا المُفارَق .. تعقبها لحظات
نكون فيها فى الحالة التى نسميها " السكينة سارقانا " فنجد عقولنا و قلوبنا و كأنها تستريح و تتأمل و تهدأ من تعب الحياة و حتى من تعب الفكر
نفسه .
يمضى الوقت .. و يأتى حينٌ ندرك فيها بعمق أن هناكَ شيئاً ما قد غاب عنا حتماً .. حقيقة ما .. نُساءل أنفسنا , هل خُلقنا لنفعل ما دؤبنا
على فعله حقاً !؟ .. هل نحيــا - كما أمرنا الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " - أم أننا فقط " نعيش " و كأننا موجودون فى هذه الدنيا فقط لنتبع روتيناً وهمياً فى مخيلاتنا ..
نذاكر لأن الأهل يريدون ذلك و لأننا يجب أن نفعل
, لا يهم ماذا نذاكر أو لماذا نذاكر المهم أن تعلن ورقة النتيجة فى آخر العام أن اسمنا بين أسماء الناجحين لكى نصبح فى المرحلة التالية لنتابع آداء
نفس الروتين و نكرر نفس البرمجة دون غاية حقيقية .. إلا من رحم ربى ...
نتزوج لأن الناس كلها تتزوج و تنجب و تفرح أبنائها ثم
تحمل هم تعليمهم الروتينى و تربيتهم الروتينية و حتى ثقافتهم و دينهم الروتينى دون أن يجعلوا منهم و من تربيتهم رسالةً لهم بالحياة و سعياً منهم
لرضى الله .. فيكثر العقوق و لا دهشةً فى ذلك , فنحن فى الغالب ننسى أو نتناسى أن من يدين يدان ..
نعمل .. لأننا يجيب أن نعمل من أجل لقمة العيش و من أجل أن ننخرط فى هم جديد يضاف إلى همومنا و عبء نثقل به كاهلنا دون أن ننظر فيه إلى جزاء الآخرة قبل جزاء الدنيا الدنى كدنوها و الزائل حتماً كزوالها ..
إلا من رحم ربى ..
ننشغل بالكثير مما لا قيمة له و لا وزن .. ننشغــل دوماً " بالعيش " عن " الحيــــاة " !!
نغفل أشياءاً كثيرة و أهمها الأشيــاء التى يرجى أن تكون زادنا حين ينفد الزاد و رفيقنا حين يعزالرفاق و نورنا بوحشة القبر و أنيسنا حين يحين الفراق ..!
نعيد ترتيب الأوراق و تجديد النوايا متوكلين على المولى و متضرعين له بالدعاء أن يجعل لنا غاية يرضاها لنا و أن يجعلنا نحيا بها و لأجلها و أن نفنى و نحن على العهد باقين فى سبيل رضا رب العالمين
.. تهدأ النفوس حين يشاء لها المنان و يبقى تساؤل يتردد .. ما هــى الحقيقة الغائبة عنا بحق ؟ .. أهــى حقـيقــة الموت , أم حقـيقــة الحيـــاة !؟
أحـمـــد شـكــــرى
***********
اللهم ارحم جدتى برحمتك الواسعة و ابدلها داراً خيراً من دارها و اهلاً خيراً من أهلاً و اغسلها من الذنوب و الخطايا بالماء و الثلج و البرد
اللهم اجعل قبرها روضةً من رياض الجنة و عاملها بالاحسان إحساناً و بالإساءة عفواً و مغفرة و رحمة
اللهم عاملها بما أنت أهله و جازها جزاء الصابرين و اسكنها الفردوس الأعلى بصحبة رسول رب العالمين و الأبرار و الصالحين
اللهم ادخلها الجنة بغير حســاب .. اللهم ادخلها الجنة بغير حساب .. اللهم ادخلها الجنة بغير حساب