النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: رسالة في ليلة التنفيــذ - للشاعر هاشم الرفاعي

  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    الدولة
    Mansoura
    المشاركات
    1,631

    افتراضي رسالة في ليلة التنفيــذ - للشاعر هاشم الرفاعي



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




    أبتــــــاه مـــاذا قد يخطُّ بنـــــــــاني . والحبلُ والجــلادُ يــنتظـــراني


    هــذا الكتــــابُ إلــــيكَ مِنْ زَنْــزانَةٍ . مَقْــرورَةٍ صَخْـرِيَّـــةِ الجُــدْرانِ


    لَــمْ تـَبْقَ إلاَّ لــيلةٌ أحْــــيا بِـــهـا . وأُحِـسُّ أنَّ ظــلامَــها أكــفــاني


    سَتــَمُـرُّ يـا أبـتــاهُ لــســتُ أشكُّ في . هــذا وتَـحــمِـلُ بعـــدَها جُثماني


    الليــلُ مـِنْ حَــولــي هُــدوءٌ قــاتِلٌ . والذكرياتُ تَـــمــورُ في وِجْـداني


    وَيَــهُـــدُّني أَلــمي فــأنْشُدُ راحَـتي . في بِــضْـعِ آيـــاتٍ مِــــنَ القُــرآنِ


    والـنَّفـْسُ بيــنَ جـوانِحي شــفَّافةٌ . دَبَّ الـــخُــشـوعُ بها فَــهَزَّ كَياني


    قَدْ عِشْـــتُ أُومِنُ بالإلــهِ ولـم أَذُقْ . إلاَّ أخــيــراً لـــــذَّةَ الإيـــمـــانِ


    * * * *


    شـكــراً لــهم ، أنا لا أريـد طعامهم . فليرفعوه ، فلسـت بالـجـــوعـــان


    هــذا الطعــام المُــُر ما صـنعته لي . أمــي، ولا وضــعــوه فوق خوان ِ


    كــلا، ولم يشــهـده يا أبــتي مـعي . أخــوان لــي جــاءاه يســتبــقــان


    مَــدوا إلــــيّ بـه يـداً مــصـبوغـــة ً . بدمي، وهــي غــايــة الإحــســان


    والـصَّمــتُ يــقطـعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ . عَبَثَــتْ بِـهِــــنَّ أَصــابعُ الــسَّجَّانِ


    مــا بَــَيْــنَ آوِنـةٍ تــَمُرُّ وأخـتها . يـرنو إلــيَّ بـــمقــلتـيْ شــيــطـــانِ


    مِـنْ كُــوَّةٍ بِالبـــابِ يَرْقـُبُ صَيــْدَهُ . وَيَــعُودُ فــي أَمْــنٍ إلــى الــدَّوَرَانِ




    أَنا لا أُحِــسُّ بِــأيِّ حِــقْدٍ نَحْـــوَهُ . ماذا جَنَى؟ فَتَمَــسُّــه أَضْغــانــي


    هُوَ طيِّبُ الأخـلاقِ مـثلُـكَ يا أبــي . لم يَبْدُ فــي ظَــمَــأٍ إلـــى الــعُــدوانِ


    لـــكـنَّـهُ إِنْ نـامَ عَـــنِّي لَحــظـةً . ذاقَ العَيــالُ مَـــرارةَ الحِــرْمــانِ


    فـلَــرُبَّـما وهُــوَ المُــرَوِّعُ سحــنـةً . لو كانَ مِثْلــي شاعــراً لَرَثــانــي


    أوْ عــادَ-مَـنْ يدري؟- إلــى أولادِهِ . يَومــاً تَــذكَّــرَ صُـورتــي فَبـكاني


    * * * *


    وَعلى الجِـــدارِ الــصُّلبِ نافـذةٌ بها . معنــى الــحـياةِ غـليظةُ القُضْبــانِ


    قَدْ طـالــَما شــارَفْـتُـها مُتـَأَمِّــلاً . في الثَّائريـنَ على الأسـى الــيَقْظانِ


    فَأَرَى وُجـوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً . ما في قُلــوبِ النَّــاسِ مِـــنْ غَلَــيانِ


    نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو . كَتموا وكانَ المَـوْتُ في إِعْــلانــي


    وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي . بِالثَّــــوْرَةِ الـــحَــمْقاءِ قَـدْ أَغْراني؟


    أَوَ لـــَمْ يَــكُنْ خَيـْراً لِنفسي أَنْ أُرَى . مثلَ الجُمـوعِ أَســيرُ فـــي إِذْعـــانِ؟


    ما ضَــرَّني لَوْ قَدْ سَـكـَتُّ وَكُلَّما . غَلَبَ الأســى بالـَغْتُ فــي الكِتْمانِ؟


    هـذا دَمِي سَيَـسِيلُ يَجْـرِي مُــطْفِئاً . مــا ثــارَ فـي جَنْبَـيَّ مِــنْ نِيــرانِ


    وَفــؤاديَ الـمَوَّارُ فـي نَـــبَضاتِـهِ . سَيَـكُــفُّ فــي غَــدِهِ عَـنِ الْخَفَقانِ


    وَالظُّلْــمُ باقٍ لَــنْ يُحَــطِّمَ قـَيْدَهُ . مَوْتـي وَلَــنْ يُـودِي بِـهِ قُــرْبــاني


    وَيَـسيرُ رَكْـبُ الْبَغْـيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ . شاةٌ إِذا اْجْـــتُـثّـَتْ مِـنَ القِـطْـعانِ






    هذا حَديـثُ النَّفْـسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ . بَشَرِيَّـتـي وَتَمُــورُ بَعْــدَ ثَــوانِ


    وتقُـولُ لـي إنَّ الـحَـياةَ لِـغـايَـةٍ . أَسْــمَــى مِنَ التّـَصْــفـيقِ ِللطُّغْيانِ


    أَنْفاسُكَ الحَــرَّى وَإِنْ هِـيَ أُخمِـدَتْ . سَتَـظَـــلُّ تَعْــمُــرُ أُفـْقَـهُــمْ بِدُخــانِ


    وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ . قَسَـماتُ صُــبْـحٍ يَتَّقِيــهِ الــْجـاني


    دَمْــعُ السَّـجـينِ هُـناكَ في أَغْلالِهِ . وَدَمُ الشَّـــهـيــدِ هُنَــا سَيَــلْتـَقـِيـــانِ


    حَتَّى إِذا ما أُفْعِـمَتْ بِـهـِمـا الرُّبـا . لـم يَـــبْـــقَ غَيْـرُ تَمَرُّدِ الـفَيَــضــانِ


    ومَـنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا . بَــعْــدَ الــْهُـــدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ


    إِنَّ اْحْتِدامَ الـنَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى . أَمْرٌ يُثيرُ حَـــفِيــظَـــةَ الْبـــُرْكانِ


    وتتابُـعُ القَـطَراتِ يَـنْزِلُ بَعْدَهُ . سَيْـــلٌ يَليــهِ تَــدَفُّــقُ الطُّــوفــانِ


    فَيَمُـوجُ يقـتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً . أقْــوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّــلْــطـــانِ


    * * * *


    أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي . أَمْ سَــوْفَ يَــعْــرُوها دُجَــى النِّسْيانِ؟


    أمْ أنَّنـي سَـأَكـونُ في تارِيخِنا . مُتــآمِـــراً أَمْ هَـــــادِمَ الأَوْثـــانِ؟


    كُلُّ الَّذي أَدْرِيـهِ أَنَّ تَـجَـرُّعـي . كَـــأْسَ الْمَــذَلّــَةِ لَيْـــسَ في إِمْكاني


    لَوْ لَـمْ أَكُـنْ في ثـَوْرَتي مُتَطَلِّبـاً . غَـــيْــرَ الضِّياءِ لأُمَّـــتي لَــكَــفاني


    أَهْوَى الْـحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا . إِرْهـــابَ لا اْسْتِـــخْــفافَ بِالإنْسانِ


    فَإذا سَقَـطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي . يَغْــلي دَمُ الأَحْــرارِ فــي شِــريــاني


    * * * *


    أَبَتاهُ إِنْ طَـلَعَ الصَّبـاحُ عَلَى الدُّنى . وَأَضــاءَ نُــورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَــكــانِ


    وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَـيْنَ غُصُونِهِ . يَوْماً جَديــداً مُــشْـــرِقَ الأَلْــوانِ


    وَسَمِـعْـتَ أَنْـغـامَ الـتَّـفـاؤلِ ثـرَّةً . تَــجْــري عَـلــَى فَــمِ بـــائِعِ الأَلبانِ


    وَأتـى يَـدُقُّ- كـمـا تَـعَـوَّدَ- بـابـَنــا . سَــيَـدُقُّ بابَ السِّـجْــنِ جَــلاَّدانِ


    وَأَكُـونُ بَـعْـدَ هُـنَـيْهَةٍ مُتَأَرْجِـحَاً . في الْحَبْلِ مَـشْــدُوداً إِلـــى العِــيـدانِ


    لِيَكُـنْ عَـزاؤكَ أَنَّ هَـذا الْـحَـبْـلَ ما . صَنَــعَتــْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَـــدانِ


    نَسَجُوهُ في بَلَـدٍ يَـشُـعُّ حَـضَـارَةً . وَتُضــاءُ مِــنْــهُ مَشــاعِـــلُ الْعِرفانِ


    أَوْ هَـكـذا زَعَـمُـوا! وَجِيءَ بِهِ إلى . بَلَدي الْجَريــحِ عَــلَــى يَــدِ الأَعْــوانِ


    أَنا لا أُرِيـدُكَ أَنْ تَـعيـشَ مُـحَـطَّماً . فــي زَحْمَــةِ الآلامِ وَالأَشْـــجــانِ


    إِنَّ ابْنَـكَ المَــصْـفُودَ في أَغْــلالِـهِ . قَــدْ سِــيقَ نَـحْوَ الــْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ


    فَـاذْكُــرْ حِكـاياتٍ بِـأَيَّـامِ الـصِّبا . قَدْ قُلْـتَـها لي عَـنْ هَـــوى الأوْطـــانِ


    * * * *


    وَإذا سَـمْـعْتَ نحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى . تَبْـــــكــي شَــبــابــاً ضاعَ في الرَّيْعانِ


    وتُكَـتِّمُ الـحَـسـراتِ في أَعْـماقِها . أَلَـمَــاً تُـــوارِيـــهِ عَـــنِ الــجِــيــرانِ


    فَاطـــبْ إِلـيهـا الصَّـفْـحَ عَنِّي إِنَّنـي . لا أَبْـــــغي مِــنَهـــا سِــوى الــغُفـْرانِ


    مازَالَ في سَمْعــي رَنـيـنُ حَديثِها . وَمـقـالِـــهــا فــي رَحْــمَـــةٍ وَحنـــانِ


    أَبُنَــيَّ: إنِّـي قـد غَــدَوْتُ عـلـيلةً . لم يـــبـقَ لــي جَــلَـــدٌ عَلــى الأَحْـزانِ


    فَـأَذِقْ فُـؤادِيَ فـرْحَةً بِالـْبَحْثِ عَنْ . بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْـكَ مِــنْ عِـصْــيــانــي


    كـانَـتْ لــهـا أُمْـنِـيَـةً رَيَّــانَـةً . يا حُـسْـــنَ آمــــالٍ لـــــَهــــا وَأَمــانـــي


    غزلـَت خيوط السعد مخضلا ولم . يكــن إنـــتـقاض الــغـزل فــي الحسبان


    وَالآنَ لا أَدْري بِــأَيِّ جَــوانِـحٍ . سَــتَــبـيــتُ بَــعْــدي أَمْ بِــأَيِّ جِــنــانِ


    * * * *


    هــذا الـذي سَـطَرْتُـهُ لـكَ يا أبــي . بَــــــعْــضُ الـــذي يَـــجْـري بِفِكْرٍ عانِ


    لكنْ إذا انْتَـصَرَ الضِّيـاءُ وَمُـزِّقَتْ . بَيَدِ الْجُــموعِ شَـــريـــعـةُ القُـــرْصـــانِ


    فَلـَسَـوْفَ يَـذْكُـرُني وَيُكْـبِـرُ هِمَّتي . مَـنْ كــانَ فــي بَلـَدي حَـــلــيـفَ هَــوانِ


    وَإلــى لِــقاءٍ تَــحْـتَ ظِلِّ عَدالَةٍ . قُـــدْســــِيَّـةِ الأَحْـكـامِ والـــمـــِيــــزانِ






    كُتبت عام 1955 - للشاعر هاشم الرفاعي وهو في سن العشرين من عمره القصير



    رحمة الله على هاشم الرفاعي الذي قُتل وعمره 24 عامًا



    للمزيد عن الشاعر





  2. #2
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    افتراضي



  3. #3
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    الدولة
    Mansoura
    المشاركات
    1,631

    افتراضي


    جزاكَ الله خيـرًا يا دكتور..

  4. #4
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    4,276

    افتراضي

    شكرا لمشاركة حضرتك في مسابقة ألغاز لغوية ..

    تمنياتي لحضرتك بمزيد من الفوز و التقدم ..

    تقبلي مروري و خالص التحية ..



ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •