.. الحلقة الثانية ..
بعد انتهاءها من تناول الافطار .........جلست سوسن علي مقعد وثير في الشرفة الواسعة والتي تطل علي حديقة القصر ذات الالوان المتداخله......والتي تضفي عليها اشعة الشمس رونقا خاصا يجعلها بمثابة لوحة فنية .......وبدأ سيل من الافكار.............
تذكرت كيف كانت حياتها قبل الزواج من صدقي........كانت مجرد فتاة فقيرة وحيده يتيمة الاب وتراعي والدتها المسنة .......كانت تسكن في شقة متواضعة في منطقة القلعة .......كانت حياتها بسيطة ..خالية من ايه تعقيدات .........وعندما تقدم لها صدقي .......كان صاحب مشروع صغير........ولكن منذ زواجها به ..كان ذلك بمثابة (فتحة خير عليه)...........توسعت اعماله وتقدمت .......والمشروع الصغير اصبح شركة كبيرة .....ثم مجموعة شركات ...........وسريعا ما اصبح اسم (صدقي علوان ).....يحمل سحرا خاصا ...يجعل كل من يسمع به يبدي الاحترام والتقدير .........
كانت حياتهما جميلة ..........مستقرة.....ولكن كان ينقصها شيئا هاما .........بل انه في الواقع كان اهم شئ.............كان ينقصها طفل .........ذهبت هي وزوجها الي جميع اطباء مصر تقريبا........ولكن ما من فائده......بعضهم كان يقول ان العيب بها .......والبعض الاخر يقول ان العيب بزوجها........والبعض يقول انه ليس هناك مشكلة في الانجاب ......وانها مسألة وقت لا اكثر ولا اقل............لم يقصر ايا منهما في تناول الادوية ......... طوال 20 عاما بذلت اقصي مجهوداتها لتنجب صغيرا يملأ منزلها بالضحك والمرح ........
واخيرا.......وبعد ما اصابها من يأس واحباط جعلها تتوقف عن تناول العلاج.........شاء الله ان تضاء حياتهما بنور شمس ساطعة ...........كانت جميلة .....رقيقة .......لطيفة ........ناعمة ...........وفور رؤيتها قررت ان تطلق عليها اسم شمس.........كان الانسب لها ......كيف لا وهي صاحبة الوجه المشرق والعينان العسليتان .......والشعر الحريري.....
كبرت شمس......وكبرت معها مشاكلها...........بعدما وصلت لمرحلة المراهقة.....بدأت تكتشف انها الاجمل والاغني بين صديقاتها..........كانت مرغوبة من جميع شباب المدرسة الثانوية .........كان الجميع يتمني ان تنظر لهما شمس ولو لمرة واحده........كانت ممشوقة القوام .....شعرها كستنائي اللون يمتد طوله الي اسفل ظهرها بقليل.......كان خصلاته المموجة الرقيقة تنساب في نعومة......بشرتها كانت بيضاء كاللبن الحليب.......عيناها كبحيرتان ماء عذب ......تعكس اللون الذي يقع في المنتصف بين الاخضر والبني.......كل من كان يراها كان يقول انها ايه في الجمال............ولكن للأسف........كان هذا الجمال بمثابة نقمة عليها ..........جمالها والمدعم بغناها جعلها تنظر الي العالم من الاعلي ........كانت متكبرة........مغرورة.......
كان لوالدها دورا كبيرا في افسادها ........كان يحنو عليها كثيرا..........لا يعاتبها .........لا يقسو عليها ابدا حتي لو اخطأت............اصبحت لا تحترم كبيرا ......ولا تشفق علي صغير .......كل ماكان يهمها ان يبدي الجميع لها الاهتمام وينصاع لأوامرها ........عندئذ فقد تشعر بالرضا ..........
حاولت والدتها جاهده ان تسعي في تغييرها.....ولكن لا حياة لمن تنادي ........
قطع سيل افكار سوسن صوت الخادمة (فتحية ): ست سوسن..........فيه واحده عايزه حضرتك .......
نظرت سوسن الي فتحيه والتي وقفت ممسكة بجهاز اللاسلكي ثم قالت بهدوء: مين ؟؟ ......
وقبل ان تجيب فتحيه .....التقطت سوسن جهاز اللاسلكي ووضعته فوق اذنها وهي تقول: صباح الخير......مين معايا؟؟
اتاها صوت انثوي رقيق: ااخس عليكي يا سوسن.......انا توقعت انك هتتصلي بيا اول ما تقومي من النوم
سوسن وعلي شفتيها شبح ابتسامة: مين ؟؟......عبير؟؟
-ايوة ياختي ....عبير.....
سوسن وقد اتسعت ابتسامتها: ازيك يا عبير.....عاش من سمع صوتك .....بس خير......انتي بقالك كتير مسألتيش.....اشمعني كنتي مستنيه اتصال النهارده
عبير معاتبه: كده يا سوسن؟؟..........بقي معقولة تنسي
سوسن بجدية: انسي ؟؟..........انسي ايه؟؟
عبير بسرعة: عيد ميلادي يا هانم
سوسن: ليه؟؟.......هو النهاردة ايه؟؟...........ااااااااااااااه ........اسفة خالص يا عبير......نسيت والله
عبير بضحكة مستفزة: عموما انا هسامحك .....بس بشرط .......تيجي النهارده الحفلة ......وتعوضيني بهدية حلوة
سوسن بشرود: هدية ........؟؟...........ثم تابعت بجدية: اه يا حبيبتي طبعا........اكيد
عبير بسرعة: ماشي يا حبيبتي .......هستناكي النهارده باليل علي الساعة 8..........ثم تابعت بسرعة: اه .....وطبعا بلغي صدقي
سوسن : اه .....اكيد ان شاء الله
-مع السلامة
-مع السلامة يا حبيبتي
اغلقت سوسن الهاتف ......ثم دقت ازرار الهاتف بسرعة وسرعان ما اتاها صوت صدقي: الو .....
-ايوة يا صدقي..........بقولك.......عيد ميلاد عبير النهاردة .......وانا كنت ناسية......عايزة انزل اجيبلها هدية
صدقي ببرود: هتجيبيلها ايه؟؟
سوسن بسرعة: اي حاجة.......خاتم .......او عقد الماظ......
صدقي: بس ماعدقتش هتلاقي في الخزنة فلوس تكفي تمن حاجة الماظ........بقولك ايه ؟؟.....خوديلها حاجة من عندك ......انتي عندك الماظ كتير
سوسن : ليه بس يا صدقي ......مانجيب حاجة جديده احسن
صدقي بنفاد صبر: ياستي اديها حاجة من عندك .....وانا ابقي اجيبلك زيها.......
سوسن : طب اديها ايه بس؟؟
صدقي بعد ان زفر بحده: اي حاجة يا ستي.......سلام دلوقتي بقي علشان ورايا اجتماع
همت سوسن بقول شئ ....ولكن فاجئها صوت غلق الهاتف ........نظرت الي الهاتف بغيظ ثم تمتمت : بقي كده يا صدقي.......ماشي
ذهبت سوسن الي حجرتها وبحثت في صندوق مجوهراتها كثيرا.........واخيرا استقرت علي سلسلة رقيقة يتوسطها قلب رقيق من الالماس الخالص....فتمتمت : يارب تعجبك يا عبير ........
وضعت سوسن السلسلة في علبتها الانيقة ......فبدت الهدية كما لو كانت قادمة للتو من محل مجوهرات.........
في ساحة الجامعة .... جلست شمس فوق سيارتها الرياضية ..........وسط اصدقائها الثلاث ......والذين تفرقوا حولها...... لو نظرت الي هذا التجمع.......لأدركت علي الفور ان الشمس قد اختارت وجه شمس بالذات لتلقي بأشعتها عليه........فتضيف عليه جمالا فوق جمالها......
كانت شمس بالتأكيد هي من تسود هذا المجلس .......حركاتها...ضحكاتها ........صوتها ........كانوا عنوان لفتاة ارستقراطية .......تشعر بجمالها كثيرا......
ميس: بس انتي النهارده حلوة اوي يا شمس
شمس بغرور: مانا عارفة.....وايه الجديد
ميس : ياساتر........ده بدل ماتقوليلي شكرا
شمس بلا مبالاة : شكرا يا ستي
احمد: والله اللي بيعجبني في شمس انها علطول واثقة من نفسها
رانيا: بس الثقة لما بتزيد عن الحد ......بتتحول لغرور
احمد : وايه اللي مايخليش واحده زي شمس تتغر.......دي ممكن تقول للقمر قوم وانا اقعد مكانك
ميس ببرود: وهيرضي يقوم؟؟
احمد وهو يقترب من شمس ويبتسم بخبث: اكيد هيقوم........ولو ماقمش ....انا اللي هقومه بنفسي .....ولا ايه يا جميل؟؟
مطت شمس شفتيها ثم قالت ببرود: وليه تقوم القمر ......وانا الشمس؟؟
تعالت ضحكات احمد ثم قال: اموت انا .......
تبادلت ميس مع رانيا نظرة استياء ثم قالت محاولة تغيير الموضوع: والله يا جماعة انا حاسة بالذنب اني ماحضرتش المحاضرة
رانيا : اه ....وانا كمان
شمس ببرود: والله ما شفت اعبط منكوا.........حد يروح الجامعة علشان يحضر محاضرات؟؟
ميس: امال هنيجي ليه؟؟
شمس: علشان نضحك ونتبسط.......وبعدين ما احنا لسه في اول السنة......تلاقي الدكتور ماشرحش حاجة
ميس بابتسامة واسعة: قال يعني لما يشرح هتحضري.....
شمس بفتور : والله لو لقيت الدكتور ظريف ودمه خفيف هحضر......انما لو طلع شبه معتز ابو بدلة الحلاقين دي طبعا مش هحضر
تعالت الضحكات ثم قالت ميس بمرح: اه والله.......انا كل لما كنت اشوفه بس داخل .....كنت اتفتح في الضحك علطول ....معرفش ليه؟؟
رانيا : يابنتي .....ده هو علي بعضه كده كان نكتة .......يالا بقي الله يرحم ايامه........بس اتطمني يا شمس ......انا شفت الجدول .....مش بيدرسلنا خالص.......
شمس وهي تنظر الي ساعتها : ربنا يستر......
احمد: مالك يا شمس؟؟.........وراكي ميعاد ولا حاجة؟؟
شمس : لا بس انا لو روحت متأخر عن مواعيد المحاضرات ماما هتفتحلي محضر.......وانا مش ناقصة بقي
رانيا : ليه يا بنتي..........هي مامتك لسه زي ماهيا متغيرتش
شمس: اه ياستي.........مش عارفة الست دي فيه ايه بينها وبيني........علطول مش واثقة فيا ......رحتي فين؟؟........هترجعي امتي؟؟........بتكلمي مين؟؟.............كأني لسه عيله
ميس بمزاح: مانتي بصراحة يا شمس مايتوثقش فيكي.......
شمس بضجر: والله ما هي ناقصاكي يا ميس .........كفاية اللي انا فيه ..........زكان نفسي ربنا يرزقني بأم طيبة كده شبه بابا
رانيا: يابنتي ما مامتك طيبة ........بس بتخاف عليكي
شمس بضيق: طب ماهو بابا بيخاف عليا برضه........بس بيعاملني بالراحة خالص........
احمد : بصراحة يا شمس انا لو عندي بنت قمر زيك كده كنت خفت عليها.........بس معرفش باباكي سايبك كده ليه
همت شمس بقزل شئ ولكن قاطعها صوت رنين هاتفها
شمس ترد بسرعة: ايوة يا مامي..........ايه؟؟..........ايوة طبعا حضرت امال هلعب يعني؟؟......اه ......لا معرفش.........حفلة مين؟؟..........طنط عبير؟؟..........ياماما مش عايزة اروح......الست دي انا مش بطيقها......ايه هو اللي عيب؟؟.....بمزاجي اروح او ماروحش دي حرية شخصية......يامامي بتزعقي ليه دلوقتي؟؟..........الله.......ياستي براحتي........يووووووووووووووه بقي........طيب خلاص هشوف ......اقفلي بقي........سلام
شمس بضيق: اوووووووف...........انا زهقت من التحكمات دي ......بتاع ايه اروح احضر حفلة مش عايزة احضرها؟؟
ميس : فيه ايه يا شمس؟؟........فيه حد مايحبش الحفلات
- اه يا ستي......انا...........انا اصلا بكره الست دي ومش بحبها...
رانيا : ست مين؟
شمس: مش وقته..........انا لازم اروح دلوقتي........سلام
وبدون اي كلمة اضافيه قفزت سوسن بداخل سيارتها ............وهمت بتشغيل المحرك .....ولكن .....
شمس: يووووووه........ده ايه اليوم الملخبط ده؟؟....
رانيا: فيه ايه؟؟
شمس بضيق: العربية عملتها معايا تاني.......
ميس: يابنتي ماهو من كتر الدعك فيها .......هو اللي انتي بتعمليه فيها ده شوية؟؟
شمس: امال انا جايباها عربية رياضية ليه............علشان كل شوية تشلني ؟؟
احمد بهدوء: حاولي بس تاني
حاولت شمس كثيرا في تشغيل المحرك.......واخيرا دارت السيارة .......وانطلقت شمس بدون ان تتبادل كلمة واحده مع زملائها
وقررت ان تمر اولا علي ورشة لتصليح السيارات .........قبل ان تذهب لمنزلها ...........
يتبع......