النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أوقفوا استغباءنا رجاء

  1. #1
    Pharma Student
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    1,136

    افتراضي أوقفوا استغباءنا رجاء

    مقال الكاتب فهمى هويدى بجريدة الشروق




    لا يقنعنا كلام أى مسئول طال بقاؤه فى منصبه حين يقول إنه نبَّه إلى الفساد فى مصر فى حينه، لكن أحدا لم ينصت له. ذلك أنه ليس لدينا ما يدل على أنه نبه فعلا ــ ولكن الثابت أنه ظل جزءا من «العصابة» الحاكمة. واستمراره فى منصبه لعدد من السنوات رغم علمه بالفساد قرينه على أحد أمرين، إما أنه كان راضيا به وسكت عنه استجلابا لرضا السلطان، وهو ما لا يشرفه بأى حال، أو أنه كان شريكا فيه ومستفيدا منه، وهو ما يثبت بحقه الإدانة.

    أفهم أن يقول المسئول إنه لم يكن يعلم أو أنه شم رائحة الفساد لكنه ظل بعيدا عن دائرته، الأمر الذى يخرجه من دائرة الاتهام. أما تلك الادعاءات التى نسمعها هذه الأيام فلا يمكن أن تفسر إلا بحسبانها استعباطا واستهبالا واستغباء لنا.

    الحوار الذى أجرته صحيفة «المصرى اليوم» مع الدكتور فتحى سرور فى الأسبوع الماضى ليس النموذج الوحيد لهذه الحالة، ذلك أننى أزعم أن حالة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، المستشار جودت الملط أفدح وأسوأ. ذلك أن الجهاز الذى يديره له وظيفة أساسية هى أن يظل مفتوح الأعين على كل صور الفساد الموجودة فى البلد. وحين نرى الفساد بالحجم المهول الذى تكشف هذه الأيام، فإن المرء لا يستطيع أن يتصور أنه كان فى مصر طوال هذه المدة جهاز يحاسب أو يراقب.

    ما دفعنى إلى هذا الكلام وفتح ملف الجهاز أننى قرأت فى الأسابيع الماضية تصريحات للمستشار الملط تحدث فيها عن أنه كان يبعث بتقارير وملاحظات الجهاز إلى الجهات المسئولة، لكن أحدا لم يأخذ بها. وأمس قرأت على الصفحة الأولى من صحيفة «الدستور» أن الجهاز حذر قبل 12 عاما من فساد عقد بيع مائة ألف فدان فى توشكى لشركة «المملكة» التى يمثلها الأمير الوليد بن طلال، وأرسل بيانات بمخالفات العقد وتجاوزاته إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ولكن أحدا لم يحقق فى الأمر.

    فى الوقت ذاته، ثمة مذكرة قدمها ممثلون عن العاملين بالجهاز إلى رئاسة المجلس العسكرى تحدثت عن تعليمات أصدرها المستشار الملط بمنع فحص عقود تصرف هيئة المجتمعات العمرانية فى الأراضى الجديدة، التى وزعت ملايين الأمتار المربعة منها على أكابر النظام السابق. وكذلك عدم فحص حسابات الصناديق الخاصة لبعض الوزارات وعلى رأسها وزارة الداخلية التى كانت تحصل نحو مليارى جنيه سنويا. كما شملت التعليمات عدم تناول مخالفات كبار الشخصيات أو حسابات بعض الجهات التى توصف بأنها «سيادية».

    فى المذكرة وقائع مثيرة أخرى تحتاج إلى تحقيق، بعضها يتعلق بتقاضى بعض الوزراء أموالا بغير وجه حق والبعض الآخر يتعلق بوقائع احتكار أحمد عز للحديد أو يتعلق بإجراءات الخصخصة التى ضيعت على الدولة مليارات الجنيهات.

    معلوماتى أن التقارير التى كان يرسلها الجهاز إلى الجهات المعنية كانت «تصفى» حتى لا تتجاوز الخطوط الحمراء، أو تمس الأكابر. ومنها ما كان يحجب (كما كان يفعل الدكتور سرور فى استجوابات مجلس الشعب) ــ وبسبب المجاملات التى روعى فيها خاطر أركان النظام السابق ورئاسته، تم نقل تبعية الجهاز من مجلس الشعب إلى رئاسة الجمهورية. ولهذا السبب ذاته كوفئ المستشار الملط بالتمديد له نحو 12 سنة. من ثم فلم يكن غريبا أن يقول صاحبنا فى التقرير الذى قدمه إلى مجلس الشعب عن السنة المالية 2008 ما نصه: أن السيد رئيس الجمهورية يتابع مع الوزراء والمحافظين وجميع المسئولين بالدولة. ما يتعلق بحياة الناس وتوفير الحياة الكريمة لأبناء مصر، والتركيز على مشكلات المواطنين. فالشغل الشاغل للرئيس هو حياة المواطن البسيط، والرئيس يصرح ويوجه ويتابع مع المسئولين بالدولة كل ما يتعلق بحياة البسطاء والفقراء ومحددوى الدخل وما يستحقونه من حياة كريمة... إلخ.

    كان يمكن السكوت على ذلك الكلام لو أن الرجل التزم الصمت ولم يقل إنه قام بما عليه فى مواجهة فساد النظام السابق، لكن أما وقد تكلم فربما كان مناسبا أن نذكره بما تناساه أو نسيه!
    إن من حقنا أن نسأله هو وأمثاله: إذا كنتم قد نبهتم حقا إلى الفساد وقوبلت رسائلكم بالتجاهل، فلماذا لم يغضب أحد منكم مرة لكرامته أو كرامة البلد الذى كان ينهب تحت أعينكم؟

  2. #2
    Pharma Student
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    1,136

    افتراضي


    بعد مقال الأمس : وقفوا استغباءنا رجاء

    نتابع مقال اليوم و هو لا يقل أهمية عن سابقه فهو يثبته بوقعة تاريخية

    المقال بعنوان : اختلفت معادن الرجال


    صدق أو لا تصدق. قدم رئيس ديوان المحاسبة استقالته من منصبه حين أدرك أن القصر يضغط عليه للتلاعب فى تقرير أعده للبرلمان، وانتقد فيه صرف خمسة آلاف جنيه لأحد رجال الحاشية بغير مستندات. أرجوك لا تتسرع فى التفاؤل أو إحسان الظن واقرأ الحكاية أولا. فالرجل الذى فعلها هو محمود «بك» محمد محمود، والقصة كلها وقعت فى سنة 1950، وقد سجلها صاحبنا بخط يده فى وثيقة من أربع صفحات تحتفظ بها مكتبة الإسكندرية، وخلاصتها كالتالى: أبلغ محمود بك بأن الملك مستاء من «تلسين» رئيس ديوان المحاسبة عليه فى عدة أمور، كان من بينها علاقة القصر ببعض الأنشطة والمشروعات مثل الضريبة على الإيراد العام ويخت المحروسة (الخاص بالملك) وشركة طيران سعيدة. نفى رئيس الديوان الادعاء. وقال لفؤاد سراج الدين باشا وزير الداخلية، الذى نقل إليه الرسالة انه لا يجد سببا لاستياء القصر سوى أمر آخر مختلف تماما، هو أن تقرير الديوان الذى كان تحت الطبع انتقد صرف مبلغ خمسة آلاف جنيه لكريم ثابت باشا ـ المستشار الصحفى للملك. من ميزانية مستشفى المواساة. ذلك أن ممثلى ديوان المحاسبة استكثروا صرف المبلغ الكبير (آنذاك) للدعاية، خصوصا أنه لا توجد مستندات خاصة بمفردات المبلغ أو الأوجه التى أنفق فيها. وهو ما اعتبره الديوان مخالفة ما كان له أن يسكت عليها. أضاف محمود بك أنه لا يشك فى أن كريم ثابت هو الذى أوغر صدر الملك عليه فافترى ما افتراه. حينئذ ألح عليه فؤاد باشا أن يزور رئيس ديوان الملك، حسن باشا يوسف. وفى ذلك اللقاء طلب منه حسن باشا صورة مما تضمنه تقرير الديوان بخصوص واقعة صرف الخمسة آلاف جنيه، ثم أضاف قائلا: إذا قدمت إليك المستندات الخاصة بصرف المبلغ، هل يوضح ذلك الأمر ويصبح الموضوع منتهيا؟ عندئذ رد محمود بك قائلا: إنه أبدى رأيه بخصوص الموضوع فى التقرير المقدم إلى البرلمان، ومن ثم فتبرير ما جرى ينبغى أن يكون أمام البرلمان.


    فى اليوم التالى أبلغه حسن باشا يوسف بأن الملك تفهم الأمر وأدرك أن موقفه سليم، فشكره «محمود بك» على ذلك وقال إنه قرر الاستقالة من منصبه. لكن حسن باشا ألح عليه أن يبقى، وفعل ذلك أيضا فؤاد باشا سراج الدين، ومصطفى النحاس باشا الذى قال له إن هناك أمورا تحتاج إلى بعض السرية، وانه لا غضاضة فى حذف ما ورد بشأن مستشفى المواساة من التقرير. لكنه ــ محمود بك ــ تمسك بقرار الاستقالة، وقال للنحاس صراحة إنه لا يستطيع أن يستمر فى منصبه لأنه لم يعد مطمئنا إلى أنه لن يطلب منه تغيير أو حذف أى شىء يسجله فى التقرير.


    أوراق محمود بك تحدثت عما هو أبعد من ذلك. إذ ذكر أنه فى لقائه مع رئيس ديوان الملك تحدث عن تجاوزات مالية فى وزارة الحربية بخصوص تجهيزات حملة فلسطين، مضيفا أن بعض كبار موظفى وزارة الحربية يحاولون تنحيته عن منصبه بسبب هذا الموضوع. وفهمنا من تلك الأوراق أن تجاوزات أولئك الكبار فى وزارة الحربية كانت من بين المخالفات التى تضمنها تقرير ديوان المحاسبة.


    لم تمر استقالة محمود بك، لأن مصطفى بك مرعى عضو مجلس الشيوخ قدم استجوابا للحكومة فى 8/5/1950 حول أسباب استقالة رئيس ديوان المحاسبة. وهاجم الحكومة بشدة بعدما ذكر أن التجاوزات المالية التى أثبتها تقرير الديوان وراء تلك الاستقالة. وبعد ذلك غادر مصر إلى أوروبا بدعوى الاستشفاء. المهم أن إثارة الموضوع أحدثت ضجة كبيرة فى الأوساط السياسية لأنها استدعت ملف الأسلحة الفاسدة، وكانت تلك الأجواء هى التى وفرت مناخا مواتيا لتحرك الضباط وقيامهم بثورة 23 يوليو.


    لقد رويت القصة بمناسبة ما أثير عن التعديلات التى ظل رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يدخلها على تقارير الجهاز لنحو 12 عاما لاستجلاب رضى الرئيس السابق والاحتفاظ بمنصبه، مما أسهم فى استفحال الفساد الذى صرنا نصدم بما ينشر عنه هذه الأيام، لست آسى على الزمن الذى مضى، لكننى أتحسر على اختلاف معادن الرجال.

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •