بسم الله الرحمن الرحيم
قال لصاحبه وهو يحاوره :
حين يستريح قلبك للعطاء من أجل الله عز وجل ،
فسرعان ما تتوالد فيه مسراته ،
فإن للعطاء لذة خاصة ، تفوق لذة الآخذ بما أخذ ..!
ومن هنا كان الكرماء - ولا يزالون - يهتزون للعطاء اهتزاز الوردة لقطرات الندى تتفتح بها ، وتنتشي معها ..
وإنك لواجد هذه النكهة المتميزة من السعادة التي لا يذوقها إلا أصحابها ،
وغيرهم محجوب عنها حتى يكون منهم وفيهم ..
وروعة هذه اللذة تتجلى لك إذا استشعرت رضا الله عنك وحبه لك ،
ومباهاته بك في الملأ الأعلى ،
ومع هذا كله :
إعداده لك بيده سبحانه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ،
ولا خطر على قلب بشر ..
إنك لو تخايلت هذه الثمرات ومررتها على قلبك ،
فلا بد أن تجد نفسك تشتاق لمزيد من العطاء ،
ذلك لأنها كنوز ربانية لا تقدّر بثمن ،
وهي تجارة مضمونة ، وأرباحها مضاعفة وأكيدة ..
ولكن أكثر الناس عن هذه التجارة غافلون ، وهم في غيهم سادرون.
- -
إن قوافل النور لا تزال تسافر كل حين ،
لتوصيل عطاء المحسن إلى اليد التي تحتاجها ،
فلماذا لا تكون أحد المساهمين في حملة إنقاذ مسلم
من براثن القهر والقتل ،و الجوع والفقر والمرض ،
ومن القوى التي تتكالب عليه لكي تسلبه دينه ابتداءً وأرضه انتهاءً ..؟!
من يدري لعل دراهمك في هذا الميدان هي خير عمل تَقْدُمُ به على الله سبحانه ..
- -
إن الانشغال بعمل الخير والمساهمة فيه ، ومد يد العون للآخرين :
دواء لهموم كثيرة قد تعتري حياة الإنسان ، تكدّر عليه صفو أيامه ولياليه ..
وحين يعطي الإنسان ظهره للآخرين ، متشاغلاً بهمومه الصغيرة
وأهواء نفسه الأمّارة ،
فلابد أن تصيبه ألوان من الغموم والهموم وضنك الحياة ،
ولابد أن يجد في داخله فتوقاً وجروحاً متعددة ، قد لا يشعر بها في البداية
بسبب جرعة التخدير التي يصبها الشيطان في قلبه ،
غير أنه سيصل إلى اليوم الذي ستئن فيه كل خلية من خلاياه ،
وقد لا يدري المسكين سبباً لهذه المعاناة التي تعصره عصر الآلة لنصف برتقالة ،
فتظل عيناه تدوران في ذهول ، لاسيما وهو يرى كل شيء ميسراً بين يديه
ومع هذا لا يجد الراحة النفسية ، ولا يشعر بالسعادة الحقيقية ..
ولا يزال الخرق يتسع ، والدوائر تنداح ،
حتى إذا أُُلهِم أن يطلق يده في وجوه الخير ،
وينثر ما تجود به نفسه ، كما تنثر السماء الغيث على الأرض الميتة فتحيا ،
حتى إذا فعل ذلك شعر بما يشعر به المريض عند تماثله للشفاء ،
شعر أنه يخرج جديداً طازجاً على الحياة ،
ليصافح بعينيه مفردات الكون في حب ..!
- -
وقبل هذا كله ومعه وبعده تذكر ما أعد الله سبحانه للمنفقين ..
وتأمل هذه الآية العجيبة التي تدفع الإنسان العاقل دفعاً إلى البذل بسخاء :
( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له وله أجرٌ كريم )
لاحظ كلمة ( يقرض ) مع أن المال ماله هو سبحانه ..!
ويقرض من ؟؟ ( الله ) .. فهو قرض مضمون الأداء ..
وليس هذا فحسب بل ( يضاعفه له ) .. أضعافاً كثيرة
فتأمل كيف يهيج الله عباده للإنفاق .. سبحانه ما أعظمه ..
* * *