بسم الله الرحمن الرحيم
إن شاء الله الموضوع هيتكلم عن حكايات مجنونة من الأدب الساخر .. و كل فترة كده هنقول حدوتة .. أوعدكم إننا هنتسلى جامد قوي و هنضحك من قلبنا كمان و هنستفيد من الأحداث اللي بتحصل .. و يمكن كمان ناخد بالنا من حاجات مكناش بناخد بالنا منها قبل كده .. أتمنى الموضوع يعجبكم و يخفف عليكم جو توتر الامتحانات ..
البداية النهادرة .. و عنوان القصة "
من لم يمت بالمغص .. مات بغيره "
لم نفهم سر المسألة إلا بعد الحادث الثالث .. ففي المرة الأولى عندما كنا عائدين من الإسكندرية بسيارتي ، و اصطدمت السيارة بلوري ، كانت النتيجة إصابتنا جميعا بكسور و ارتجاجات في المخ ، أنا و زوجتي و أخي و كانت الوحيدة التي خرجت سليمة من الحادث هي حماتي - تسعين عاما - و التي أصيبت فقط بكسر في كعب حذائها !
و في المرة الثانية عندما ذهبت حماتي لزيارة صديقة لها في دار لرعاية المسنين انهارت الدار على رؤوس الجميع ،و لم يخرج منها أحد حيًا غير حماتي و كانت إصابتها طفيفة .. مجرد تمزق في ذيل فستانها .
و في المرة الثالثة عندما شب حريق في دار السينما التي تعرض أفلامًا هندية في حيّنا و التي كانت حماتي تذهب إليها ثلاث مرات في اليوم ، لم ينج أحد من الحريق غير حماتي طبعًا ، و التي لم يحترق منها شيء غير " أعصابها " . و ذلك لأن الحريق منعها من مشاهدة نهاية الفيلم و معرفة ماذا ستفعل البطلة عندما تكتشف أن حبيبها هو أخوها ، و أن أمها ليست أمها و أن الشرير الوحيد في الفيلم هو أبوها .
و هكذا تأكدنا أن حماتي من النوع غير القابل " للكسر " و أن عزرائيل ربما عقد معها معاهدة عدم اعتداء بشكل ما بحيث لا يقترب منها قبل أن تتم المائتين من عمرها .. و لما كانت حماتي من النوع الذي يتفنن في ابتكار وسائل غير مسبوقة في العكننة عليّ و تحويل حياتي إلى جحيم ، لذلك لم يكن لديّ شك أيضًا في أن ماتبقى من عمري لن يزيد على بضع سنوات قليلة سأقضيها موزعًا ما بين مستشفيات تعالج ضغط الدم و القلب و السكر و غيرها .. و لم يكن لدي شك أيضًا في أنه يومًا ما ستقف حماتي لتتقبل فيّ العزاء و الجميع يدعون لها بالعمر الطويل و تحمل المصاب الأليم !
و لكني فوجئت بحماتي ذات يوم تشكو من ألم في بطنها فظننتها تمزح ، فأي مغص يمكن أن يصيب امرأة تقهر النيران و الانهيارات و الزلازل و الحوادث ، و تدمن أفلام " أميتاب باتشان " ؟
و لك تحت إلحاح زوجتي اضطررت إلى نقل حماتي إلى أقرب مستشفى حكومي و ضد رغبة زوجتي التي أرادت نقل أمها إلى مستشفى خاص أو إلى عيادة طبيب متخصص .. فأكدت لها أن أمها " تتدلع " بادعاء المغص ، فأي شيء يمكن أن يؤثر في أمعاء أو معدة امرأة لا يؤثر فيها شرب " ماء النار " الكاوية و لو على سبيل الخطأ ؟
و لكن بواب المستشفى أخبرنا أننا جئنا بعد مواعيد العمل الرسمية و أنه لا يستطيع فتح بوابة المستشفى بعد الخامسة مساء .. و ثار و أرغى و أزبد ضد هؤلاء الذين لا يحلو لهم المرض إلا بعد المواعيد الرسمية !
و لما قامت الورقة الخضراء ذات الخمسة جنيهات بالتفاهم رفع يده بالتحية لنا و الدعاء للمريضة بالشفاء ، و عندما تجاوزنا أسوار باب المستشفى و حماتي تتساند على أيدينا .. و فوجئنا بها في لحظة خاطفة تختفي فجأة كما لو أنها طارت في الهواء أو ابتلعتها الأرض .. و بنظرة سريعة أدركت أن ما ابتلع حماتي ليس سوى بلاعة منزوعة الغطاء .. فلما أسرعنا لاستدعاء أحد عمال المستشفى ليتدلى داخل البالوعة مربوطًا من الحبال وسط صراخ زوجتي على أمها .. فوجئنا بحماتي تخرج من البلاعة و ليس بها غير كسر في ساقها .. في حين لم يخرج العامل الذي هبط لإنقاذها حتى هذه اللحظة !
و لما أسرعت إلى الطبيب النوباتشي لعلاج ساق حماتي و تجبيسها ، زأر في وجهي كوحش جريح بأنه لن يتزحزح من أمام التلفزيون قبل أن يشاهد فريق الأهلي و هو يسجل هدف التعادل في فريق الزمالك .. لاعنًا هؤلاء المرضى قليلي الذوق الذين لا يحلو لهم المرض إلا في أوقات مباريات فريق الأهلي و هو مهزوم بالذات !
و لما كانت النتيجة في النهاية هي فوز الزمالك ، لذلك اضطررنا للإستعانة بطبيب زملكاوي راح يضع الجبس حول قدم حماتي و هو يبكي تأثرًا ليس حزنًا على ما أصابها ، بل فرحة بفوز نادي الزمالك ، و فوزه هو شخصيا بعشرة جنيهات كان قد تراهن بها مع " ترسناوي " لا ناقة له في المباراة و لا جمل !
و تمددت حماتي بساق في الجبس داخل إحدى حجرات المستشفى و قد عاودتها آلام المغص ، ثم انقطع صراخها فجأة ليس بسبب اختفاء المغص بل بسبب سقوط جزء من سقف الحجرة فوق رأسها .. و لو لم نسرع لحملها خارج الغرفة لانهار فوقها بقية السقف .
و هكذا تم عمل جبيرة جبس حول رأس حماتي لعلاج الكسر الذي حدث في جمجمتها .. و لما تركنا الحجرة للحظات بحثًا عن طبيب يعالجها من المغص ، عدنا لنجد فأرًا في حج جحش صغير و قد راح يلتهم أصبع قدم حماتي المكسورة و هي لا تستطيع حتى إبعاده بسبب الجبيرة حول رأسها و ساقها .. و فر الفأر بغنيمة عندما شرعنا في مطاردته ، عبر سرداب ضيق محفور في نفق الحجرة لعله كان ينتهي في حجرة مدير المستشفى !
فلما ضمد الطبيب الأصبع المأكول و لاحظ ضيقًا في تنفس حماتي أسرع بوضع كمامة أكسجين فوق أنفها و فهما و عندما تنبه إلى أن كمامة التنفس التي وضعها لحماتي كانت تمتد لأنبوبة بوتاجاز بدلا من أنبوبة أكسجين - بعد أن استمع إلى تحليل أسباب فوز الزمالك في التلفزيون - كان الأوان قد فات لأي عمل !
و لم يصدق أحد أن حماتي قد انتقلت للعالم الآخر لسبب تافه كهذا .. و عندما وفقت لتقبل العزاء في الفقيدة ، كانت تتلاعب على شفتي ابتسامة غامضة ..
حسنًا .. إن أحدًا لم يفكر لماذا أصررت بالذات على نقل حماتي إلى ذلك المستشفى الحكومي بالذات عندما أصابها المغص .. فهل أدركتم السر الآن ؟؟؟
ألقاكم الحلقة الجاية إن شاء الله من سلسلة " حكايات مجنونة من الأدب الساخر " .. و الحلقة ستكون بعنوان " تيجي تصيده .. يصيدك !! " ..
أسعد الله أوقاتكم بكل خير و دمتم في رعاية الله ..