النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: خدعوك فقالو .... دي بدعة! (كلام من علماء مصر)

  1. #1
    Pharma Student
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    1,318

    افتراضي خدعوك فقالوا .... دي بدعة! (كلام من علماء مصر)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ضيق بعض الناس علينا ما وسعه الله وحرموا وبدعوا بدون علم
    ولأن الله رزقنا بعلماء قدروا الله حق قدره ورأوا ما تسير إليه الدعوة في بلادنا فقد اهتموا بتوضيح معني البدعة في ديننا الحنيف
    ولن أطيل في الكلام
    أولا حلقة خدعوك فقالوا دي بدعة للداعية مصطفي حسني

    الرابط


    وهذا نقل من دار الإفتاء المصرية في الكلام عن البدعة أرجو أن يقرأه من يخالفني في الرأي بترو وسعة صدر


    ما هو معنى البدعة، وكيف تعامل علماء الأمة مع البدعة، وما هو الفهم الصحيح لقضية البدعة ؟ لمعرفة معنى البدعة ومفهومها الصحيح، لابد أن نتعرف على معناها في اللغة، وكذلك معناها في الاصطلاح الشرعي، ونبدأ بالمعنى اللغوي.
    البدعة في اللغة :
    هي الـحَدَث وما ابْتُدِعَ من الدِّين بعد الإِكمال. ابن السكيت: البِدْعةُ كلُّ مُـحْدَثةٍ. وأَكثر ما يستعمل الـمُبْتَدِعُ عُرْفًا فـي الذمِّ. وقال أَبو عَدْنان: الـمبتَدِع الذي يأْتـي أَمْرًا علـى شبه لـم يكن ابتدأَه إِياه. وفلان بِدْعٌ فـي هذا الأَمر أَي أَوّل لـم يَسْبِقْه أَحد. ويقال: ما هو منّـي ببِدْعٍ و بَديعٍ... وأَبْدَعَ وابْتَدعَ وتَبَدَّع : أَتَـى بِبدْعةٍ، قال الله تعالـى: {ورَهْبانِـيَّةً ابْتَدَعوها}([1]) ... وبَدَّعه: نسَبه إِلـى البِدْعةِ. واسْتَبْدَعَه: عدَّه بَديعًا. والبَدِيعُ: الـمُـحْدَثُ العَجيب. والبَدِيعُ: و الـمُبْدِعُ. و أَبدعْتُ الشيء: اخْتَرَعْتُه لا علـى مِثال([2]).
    البدعة في الشرع :
    هناك مسلكان للعلماء في تعريف البدعة في الشرع :
    المسلك الأول : وهو مسلك العز بن عبد السلام؛ حيث اعتبر أن ما لم يفعله النبي بدعة وقسمها إلى أحكام حيث قال : «فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله . وهي منقسمة إلى : بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعةبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة : فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة»([3]). مكروهة، و
    وأكد النووي على هذا المعنى؛ حيث قال : «وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها : ما يكون حسنا، ومنها : ما يكون بخلاف ذلك»([4]).
    والمسلك الثاني : جعل مفهوم البدعة في الشرع أخص منه في اللغة، فجعل البدعة هي المذمومة فقط، ولم يسم البدع الواجبة، والمندوبة، والمباح،ة والمكروه بدعًا كما فعل العز؛ وإنما اقتصر مفهوم البدعة عنده على المحرمة، وممن ذهب إلى ذلك ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ ويوضح هذا المعنى فيقول : « والمراد بالبدعة : ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة »([5]).
    وفي الحقيقة فإن المسلكين اتفقا على حقيقة مفهوم البدعة، وإنما الاختلاف في المدخل للوصول إلى هذا المفهوم المتفق عليه وهو أن البدعة المذمومة التي يأثم فاعلها هي التي ليس لها أصل في الشريعة يدل عليها وهي المرادة من قوله : «كل بدعة ضلالة»([6]).
    وكان على هذا الفهم الواضح الصريح أئمة الفقهاء وعلماء الأمة المتبوعون، فهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه فقد روى البيهقي عنه أنه قال : « المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتابًا، أو سنة، أو أثرًا، أو إجماعًا فهذه بدعة الضلالة، والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة»([7]).
    وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه : « ليس كل ما أبدع منهيًّا عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرًا من الشرع »([8]).
    وقد نقل الإمام النووي رحمه الله عن سلطان العلماء الإمام عز الدين بن عبد السلام ذلك ؛فقال : « قال الشيخ الإمام المجمع على جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته، أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد : (البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ... إلخ)([9])، وقال كذلك في مكان آخر ،في حديثه عن المصافحة عقب الصلاة - وسوف نفرد لها فتوى رقم 66 - : «واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها»([10]).
    وقال ابن الأثير : «البدعة بدعتان : بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله ؛ فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه ؛فهو في حيز المدح ،وما لـم يكن له مِثال موجود كنَوْع من الـجُود والسّخاء وفِعْل الـمعروف فهو من الأَفعال الـمـحمودة.
    ولا يجوز أَن يكون ذلك فـي خلاف ما ورد الشرع به؛ لأَن النبـي قد جعل له فـي ذلك ثوابًا، فقال : (مَن سنّ سُنّة حسَنة كان له أَجرُها وأَجرُ مَن عَمِلَ بها)، وقال فـي ضدّه: (مَن سَنَّ سُنّة سيئة كان علـيه وِزْرها ووِزْر مَن عَمِلَ بها)، وذلك إِذا كان فـي خلاف ما أَمر الله به ورسوله، ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه : (نعمتِ البِدْعةُ هذه)، لـمّا كانت من أَفعال الـخير وداخـلة فـي حيّز الـمدح سَماها بدعة ومدَحَها؛ لأَنَّ النبـي لـم يَسُنَّها لهم، وإِنما صلاَّها لَـيالِـيَ ثم تركها ولـم يحافظ علـيها ولا جمع الناس لها، ولا كانت فـي زمن أَبـي بكر؛ وإِنما عمر رضي الله عنه جمع الناسَ علـيها وندَبهم إِلـيها؛ فبهذا سماها بدعة، وهي علـى الـحقـيقة سنَّة؛ لقوله : (علـيكم بسنّتـي وسنة الـخُـلفاء الراشدين من بعدي)، وقوله : (اقْتَدُوا باللذين من بعدي : أَبـي بكر وعمر)، وعلـى هذا التأْويل يُحمل الـحديث الآخَر: (كلُّ مُـحْدَثةٍ بدعة)، إِنما يريد ما خالَف أُصولَ الشريعة ، ولـم يوافق السنة»([11]).
    كيف تعامل العلماء مع مفهوم البدعة :
    وتعامل جمهور الأمة من العلماء المتبوعين مع البدعة على أنها أقسام كما ظهر ذلك في كلام الإمام الشافعي، ومن أتباعه العز بن عبد السلام، والنووي، وأبو شامة. ومن المالكية : القرافي، والزرقاني. ومن الحنفية : ابن عابدين. ومن الحنابلة : ابن الجوزي. ومن الظاهرية : ابن حزم. ويتمثل هذا الاتجاه في تعريف العز بن عبد السلام للبدعة وهو : أنها فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله . وهي منقسمة إلى بدعة واجبة ، وبدعة محرمة ، وبدعة مندوبة ، وبدعةبدعة مباحة([12]). مكروهة ، و
    وضربوا لذلك أمثلة : فالبدعة الواجبة : كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله، وذلك واجب؛ لأنه لا بد منه لحفظ الشريعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والبدعة المحرمة من أمثلتها : مذهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، والخوارج. والبدعة المندوبة : مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التراويح جماعة في المسجد بإمام واحد. والبدعة المكروهة : مثل زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف. والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصلوات، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس. واستدلوا لرأيهم في تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة بأدلة منها :
    (أ) قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة في المسجد في رمضان : «نعمت البدعة هذه» .فقد روي عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر : «نعم البدعة هذه ،والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون» يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله. ([13])
    (ب) تسمية ابن عمر صلاة الضحى جماعة في المسجد بدعة، وهي من الأمور الحسنة. روي عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم، فقال : «بدعة»([14]).
    (ج) الأحاديث التي تفيد انقسام البدعة إلى الحسنة والسيئة، ومنها ما روي مرفوعًا : «من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة ،فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» ([15]).
    ومما سبق يتضح أن هناك رؤيتين : رؤية إجمالية : وهي التي ذهب إليها ابن رجب الحنبلي رضي الله عنه وغيره، وهي أن الأفعال التي يثاب المرء عليها ويشرع له فعلها لا تسمى بدعة شرعًا، وإن صدق عليها الاسم في اللغة، وهو يقصد أنها لا تسمى بدعة مذمومة شرعًا. ورؤية تفصيلية وهي ما ذكره العز بن عبد السلام رضي الله عنه وأوردناه تفصيلاً.
    ما ذُكر ينبغي للمسلم أن يحيط به في قضية باتت من أهم القضايا التي تؤثر في الفكر الإسلامي، وكيفية تناوله للمسائل الفقهية، وكذلك نظره لإخوانه من المسلمين، حيث يقع الجاهل في الحكم على الآخرين بأنهم مبتدعون وفساق والعياذ بالله بسبب جهله بهذه المبادئ التي كانت واضحة، وأصبحت في هذه الأيام في غاية الغموض والاستغراب، نسأل الله السلامة، والله تعالى أعلى وأعلم

    ([1]) الحديد : 27 .

    ([2]) لسان العرب، ج8، ص 6، مادة (بدع).

    ([3]) قواعد الأحكام في مصالح الآنام، للعز بن عبد السلام، ج2 ص 204.

    ([4]) فتح الباري، لابن حجر، ج2 ص 394.

    ([5]) جامع العلوم والحكم ،لابن رجب ص 223.

    ([6]) أخرجه أحمد في مسنده، ج3 ص 310، ومسلم في صحيحه، ج2 ص 592.

    ([7]) رواه البيهقي بإسناده في كتاب " مناقب الشافعي " ،ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية، ج9 ص113.

    ([8]) الإحياء، لأبي حامد الغزالي، ج2 ص 248.

    ([9]) تهذيب الأسماء واللغات ،ج1 ص 22.

    ([10]) الأذكار، للنووي ص 382.

    ([11]) النهاية، لابن الأثير ،ج1 ص80 .

    ([12]) قواعد الأحكام في مصالح الآنام، للعز بن عبد السلام، ج2 ص205.

    ([13]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج2 ص707.

    ([14]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج2 ص630، ومسلم في صحيحه، ج2 ص917.

    ([15]) أخرجه ومسلم في صحيحه، ج2 ص705.








    المصدر موقع دار الإفتاء

    -----
    وأيضا هذا كلام عن البدعة في موقع دار الإفتاء
    ومجمله أن الترك ليس مسلكا في التحريم أو التبديع
    فليس كل ما تركه النبي صلي الله عليه وسلم وجب علينا تركه

    يستدل كثير من المتشددين على عدم جواز أمور كثيرة يقوم بها المسلمون بحجة أن النبي لم يفعلها وأصحابه رضي الله عنهم، فهل ترك النبي وأصحابه لأمر يدل على عدم جواز فعله ؟
    إن موضوع هذا السؤال ألف فيه الشيخ العلامة السيد عبد الله بن الصديق الغماري رسالة سماها : «حسن التفهم والدرك لمسألة الترك»، وقد افتتحها بأبيات جميلة ؛حيث قال :
    الترك ليس بحجة في شرعنا
    لا يقتضي منعا ولا إيجابا
    فمن ابتغى حظرًا بترك نبينا
    ورآه حكمًا صادقًا وصوابا
    قد ضل عن نهج الأدلة كلها
    بل أخطأ الحكم الصحيح وخابا
    لا حظر يمكن إلا إن نهي أتى
    متوعدا لمخالفيه عذابا
    أو ذم فعل مؤذن بعقوبة
    أو لفظ تحريم يواكب عابا
    ولقد اتفق علماء المسلمين سلفًا وخلفًا شرقًا وغربًا على أن الترك ليس مسلكًا للاستدلال بمفرده، فكان مسلكهم لإثبات حكم شرعي بالوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو الحرمة هو : 1- ورود نص من القرآن. 2- ورود نص من السنة. 3- الإجماع على الحكم. 4- القياس. واختلفوا في مسالك أخرى لإثبات الحكم الشرعي منها : 5- قول الصحابي. 6- سد الذريعة. 7- عمل أهل المدينة. 8- الحديث المرسل. 9- الاستحسان. 10- الحديث الضعيف، وغير ذلك من المسالك التي اعتبرها العلماء، والتي ليس بينها الترك.
    فالترك لا يفيد حكمًا شرعيًّا بمفرده، وهذا محل اتفاق بين المسلمين، وهناك من الشواهد والآثار على أن الصحابة رضي الله عنهلم يفهموا من تركه التحريم ولا حتى الكراهة، وذلك ما فهمه الفقهاء عبر العصور. وقد رد ابن حزم على احتجاج المالكية والحنفية على كراهة صلاة الركعتين قبل المغرب بسبب أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونها، حيث قال ما نصه : «وهذا لا شيء؛ أول ذلك أنه منقطع؛ لأن إبراهيم لم يدرك أحدًا ممن ذكرناه، ولا ولد إلا بعد قتل عثمان بسنين، ثم لو صح لما كانت فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما، ولا أنهم كرهوهما، ونحن لا نخالفهم في أن ترك جميع التطوع مباح»([1])، فلم يتوقف كثيرًا ابن حزم أمام ترك الصحابة لصلاة الركعتين، وقال أن تركهم تلك الصلاة لا شيء، طالما أنهم لم يصرحوا بكراهتها، ولم ينقلوا ذلك.
    وهذا مسلكه مع ترك الصحابة لعبادة، وكان ذلك عين موقفه من ترك النبي لعبادة أصلها مشروع حيث قال في الكلام على ركعتين بعد العصر : «وأما حديث علي بن أبي طالب فلا حجة فيه أصلاً؛ لأنه ليس فيه إلا إخباره رضي الله عنه بما علم؛ من أنه لم ير رسول الله صلاهما، وهو الصادق في قوله، وليس في هذا نهي عنهما، ولا كراهة لهما؛ [وما] صام عليه السلام قط شهرًا كاملًا غير رمضان؛ وليس هذا بموجب كراهية صوم [شهر كامل تطوعًا]»([2])، فلقد فهم من ترك النبي صيام شهر كامل غير رمضان، ما لا يدل على حرمة ولا كراهة صيام شهر كامل غير رمضان، حتى وإن كان النبي لم يفعله.
    وقد ثبت أن النبي ترك الخطبة على المنبر، وخطب على الجذع، ولم يفهم الصحابة أن الخطابة على المنبر بدعة ولا حرام، فقاموا بصنع منبر، له ([3])، وما كان لهم أن يقدموا على فعل حرمه النبي فعلم أنهم كانوا لا يرون الترك بدعة.
    وقد ترك النبي في الصلاة بعد رفع الرأس من الركوع : «ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا ... » إلى آخر الحديث، ولم يفهم الصحابي أن مجرد تركه للدعاء في الصلاة يوجب الحظر، وإلا كيف يقدم على شيء وهو يعتقد حرمته، ولم يعاتبه النبي على المسلك ،فلم يقل له مثلا: «أحسنت ولا تعد» أو نهاه عن إنشاء أدعية أخرى في الصلاة، وكما نعلم فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والحديث رواه رفاعة بن رافع الزرقي، قال : كنا يومًا نصلى وراء النبي فلما رفع رأسه من الركعة قال : « سمع الله لمن حمده ». قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال : «من المتكلم؟». قال : أنا. قال «رأيت بضعة وثلاثين مَلَكًا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول »([4]). وعقب الحافظ ابن حجر هذا الحديث بقوله : «واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور»([5]). فإن كان هذا الحال في إنشاء ذكر غير مأثور في الصلاة، فالأمر خارج الصلاة أوسع من باب أولى.
    ولم يفهم سيدنا بلال رضي الله عنه من ترك النبي لصلاة ركعتين بعد الوضوء عدم جواز ذلك، بل قام بذلك، ولم يخبر النبي وإنما لما سأله النبي قائلًا : «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة» . قال : ما عملت عملاً أرجى عندي، أنى لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلى .قال أبو عبد الله : دف نعليك يعنى تحريك([6]).
    فنحن نعلم أن الصلاة بعد الوضوء سارت سنة بعد إقرار النبي لها، ولكن نستدل بفهم الصحابة بجواز إنشاء أدعية وصلوات في أوقات تركها النبي ونستدل كذلك بعدم إنكار النبي على هذا المسلك والأسلوب، وعدم نهيهم عنه في المستقبل.
    فمما سبق نعلم أن مطلق الترك من النبي والصحابة، وحتى القرون الثلاثة الخيرية، لا يفيد شيئًا، لا تحريم ولا كراهة ولا غيرهما، وهذا ما فهمه أصحاب النبي في حياته، ولم ينكر عليهم فهمهم، وفهمه العلماء من بعدهم، نسأل الله أن يفهمنا ديننا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلى وأعلم.


    -----------------------------------
    ([1]) المحلى بالآثار، لابن جزم، ج2 ص22.

    ([2]) المصدر السابق، ج2 ص36.

    ([3]) روى ذلك البخاري في موضعين : ج2 ص908 ،وج3 ص1314.

    ([4]) أخرجه أحمد في مسنده، ج4 ص 340، والبخاري في صحيحه، ج1 ص 275، وأبو داود في سننه، ج1 ص 204، والنسائي في سننه، ج1 ص 222، ومالك في الموطأ، ج1 ص 211، والبيهقي في الكبرى، ج2 ص 95.

    ([5]) فتح الباري، لابن حجر، ج2 ص 287.

    ([6]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص366، ومسلم في صحيحه، ج4 ص1910.
    -----
    وتطبيق لهذا الكلام علي قضية المصافحة عقب الصلاة


    اطلعنا على الطلب المقيد برقم 1693 لسنة 2005م المتضمن ما يأتي :
    هل المصافحة عقب الصلاة بين المصلين من تمام الصلاة ؟ أم هي مكروهة ؟ أم هي بدعة ؟

    الـجـــواب
    فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
    المصافحة عقب الصلاة دائرة بين الإباحة والاستحباب ، ولكن لا ينبغي أن يَعتَقِدَ فاعلُها أنها من تمام الصلاة أو سُنَنِها المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
    والقائلون بالاستحباب يستأنسون بما رواه البخـاري في صحيحه عن أَبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنـه قَـالَ : " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ ، فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ ، وَقَـامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ " قَـالَ أبـو جحيفة : " فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي ، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ " .
    قال المحب الطبري [ ت 694 هـ ] : " ويُسْتَأْنَسُ بذلك لما تطابق عليه الناس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات ، لا سيَّما في العصر والمغرب ، إذا اقترن به قصدٌ صالحٌ ؛ من تبركٍ أو تودُّدٍ أو نحوه " ا هـ .
    واختار الإمام النووي [ ت 676 هـ ] في " المجموع " أن مصافحة من كان معه قبل الصلاة مباحة ، ومصافحة من لم يكن معه قبل الصلاة سُنَّة ، وقال في " الأذكار " : " واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء ، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه ، ولكن لا بأس به ؛ فإن أصل المصافحة سُنَّة ، وكونُهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرَّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يُخْرِجُ ذلك البعضَ عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها " ا هـ ، ثم نقل عن الإمام العز بن عبد السلام [ ت 660 هـ ] أن المصافحة عَقِيبَ الصبح والعصر من البدع المباحة .
    وأما ما ذهب إليه بعض العلماء من القول بكراهة المصافحة عقب الصلاة فإنهم نظروا فيه إلى أن المواظبة عليها قد تُؤَدِّي بالجاهل إلى اعتقاد أنها من تمام الصلاة أو سننها المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع قولهم بكراهتها فإنهم نَصُّوا – كما نقل ابن علان عن المرقاة – على أنه إذا مَدَّ مسلمٌ يدَه إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد ؛ لما يترتب عليه من أذًى بكسر خواطر المسلمين وجرح مشاعرهم ، ودفعُ ذلك مقدَّمٌ على مراعاة الأدب بتجنب الشيء المكروه عندهم ؛ إذ من المقرر شرعًا أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
    وعلى ذلك : فإن المصافحة مشروعة بأصلها في الشرع الشريف ، وإيقاعُها عقب الصلاة لا يُخْرِجُها من هذه المشروعيَّة ؛ فهي مباحة أو مندوب إليها – على أحد قولي العلماء ، أو على التفصيل الوارد عن الإمام النووي في ذلك – مع ملاحظة أنها ليست من تمام الصلاة ولا من سُنَنِها التي نُقِل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومةُ عليها ، وهذا هو الذي لاحظه من نُقِل عنه القولُ بالكراهة ؛ فتكون الكراهة عنده حينئذٍ في هذا الاعتقاد لا في أصل المصافحة ، فعلى من قلَّد القول بالكراهة أن يُراعيَ هذا المعنى وأن يُراعي أدب الخلاف في هذه المسألة ويتجنب إثارة الفتنة وبَثَّ الفُرقة والشحناء بين المسلمين بامتناعه مِنْ مصافحة مَنْ مَدَّ إليه يده من المصلين عقب الصلاة ، ولْيَعْلَمْ أن جبر الخواطر وبَثَّ الألفة وجَمْعَ الشمل أحبُّ إلى الله تعالى من مراعاة تجنب فعلٍ نُقِلَتْ كراهتُه عن بعض العلماء في حين أن المحققين منهم قالوا بإباحته أو استحبابه .
    والله سبحانه وتعالى أعلم
    -----
    ومن الأمثلة الأخري للأشياء التي حرمها شيوخ القنوات الفضائية الفرح بمولد النبي صلي الله عليه وسلم والاحتفال به



    تحتفل الأمة الإسلامية كل عام بالمولد النبوي الشريف، ونرى من يعترض على ذلك الاحتفال، ويقولون أنه بدعة، فما حقيقة ذلك ؟ لقد كان المولد النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشري جميعه، وعبر القرآن الكريم عن وجود النبي بأنه « رحمة للعالمين »، وهذه الرحمة لم تكن محدودة؛ فهي تشمل تربية البشر ،وتزكيتهم، وتعليمهم، وهدايتهم نحو الصراط المستقيم ،وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان، بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }([1]).
    والاحتفال بذكرى مولده من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له ومحبَّة النبي أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه أنه قال : «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده»([2])، وأنه قال : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»([3]).
    قال ابن رجب: « محبَّة النبي من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدَّم عليهما محبَّة شيء من الأمور المحبَّبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ }([4]).ولما قال عمر للنبي : أنت أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء إلاَّ من نفسي ،قال: « لا يا عمر، حتَّى أكون أحبَّ إليك من نفسك» ؛فقال عمر: والله أنت الآن أحبُّ إليَّ من نفسي، قال: «الآن يا عمر»([5]).
    والاحتفال بمولده هو الاحتفاء به، والاحتفاء به أمر مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فعرَّف الوجود بأسره باسمه، وبمبعثه، وبمقامه، وبمكانته، فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله، وفرجه، ونعمته على العالمين، وحجته.
    وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بأنواع شتى من القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين من الحفاظ مثل: ابن الجوزي، وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي رحمهم الله تعالى.
    وألف في استحباب الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف جماعة من العلماء والفقهاء، بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، وقد أطال ابن الحاج في [المدخل] في ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر في ذلك كلامًا مفيدًا يشرح صدور المؤمنين، مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه المدخل في ذم البدع المحدثة التي لا يتناولها دليل شرعي.
    قال خاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي في كتابه «حسن المقصد في عمل المولد» ،بعد سؤال رفع إليه عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول : ما حكمه من حيث الشرع، وهل هو محمود أو مذموم، وهل يثاب فاعله ؟ قال : « والجواب عندي أن أصل عمل مولد الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ، وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك ؛هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صـاحبها ؛ لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهـار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
    وقد رد السيوطي على من قال : « لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة » بقوله: « نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود » مبينًا أن إمام الحفاظ أبا الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى قد استخرج له أصلاً من السنة، واستخرج له هو - يعني السيوطي- أصلاً ثانيًا موضحًا أن البدعة المذمومة هي التي لا تدخل تحت دليل شرعي في مدحها أما إذا تناولها دليل المدح فليست مذمومة.
    روى البيهقي عن الشافعي رضي الله عنه ،قال :« المحدثات من الأمور ضربان : أحدهما : أحدث مما يخالف كتابًا، أو سنة، أو أثرًا، أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعم البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى»([6]).هذا آخر كلام الشافعي.
    قال السيوطي: « وعمل المولد ليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي، وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان، فهو إذن من البدع المندوبة ،كما عبر عنه بذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام ».
    وأصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة؛ لأن ولادته أعظم النعم علينا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، وهذا ما رجحه ابن الحاج في المدخل حيث قال : « لأن في هذا الشهر مَنَّ الله تعالى علينا بسيد الأولين والآخرين، فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير وشكر المولى على ما أولانا به من النعم العظيمة ».
    والأصل الذي خرج عليه الحافظ ابن حجر عمل المولد النبوي ؛هو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا : هذا يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله تعالى، قال الحافظ: « فيستفاد منه فعل شكر الله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر يحصل بأنواع العبادات كالسجود، والصيام، والصدقة ،والتلاوة، وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم؟».
    ويؤكد الحافظ ابن حجر على مظاهر ذلك الاحتفال، فيقول : «فينبغي أن نقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة، والإطعام، وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وما كان مباحًا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به ».
    ونقل السيوطي عن إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري من كتابه «عرف التعريف بالمولد الشريف» قوله : «إنه صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في النار كل ليلة اثنين لإعتاقه ثُوَيْبَةَ عندما بشرته بولادة النبي فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي فما حال المسلم الموحد من أمة النبي يسر بمولده، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنة النعيم.
    وأنشد الحافظ شمس الدين الدمشقي في كتابه المسمى مورد الصادي في مولد الهادي:
    إذا كان هذا كافرا جاء ذمه وتبَّت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الاثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا؟ اهـ([7])
    كما يمكن الاستدلال بعموم قوله تعالى : { وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ }([8])، فلا شك أن مولد النبي من أيام الله فيكون الاحتفال به ما هو إلا تطبيقًا لأمر الله، وما كان كذلك فلا يكون بدعة، بل يكون سنة حسنة، حتى ولو لم يكن على عهد رسول الله .
    ونحن نحتفل بمولده ؛ لأننا نحبه، ولِمَ لا نحبه وقد عرفه وأحب كل الكائنات؛ فهذا الجذع وهو جماد أحب النبي وتعلق به واشتاق إلى قربه الشريف بل وبكى بكاء شديدًا تشوقًا للنبي وقد تواتر هذا الخبر، وصار العلم به محتم، وروي عن أكثر من صحابي من أصحاب رسول الله ؛أنه عندما كان النبي يخطب قائمًا معتمدًا على جذع نخل منصوب، فإذا طال وقوفه وضع يده الشريفة على ذلك الجذع، ولما كثر عدد المصلين صنع له الصحابة منبرًا، فلما خرج من باب الحجرة الشريفة يوم الجمعة يريد المنبر، وجاوز الجذع الذي كان يخطب عنده إذا بالجذع يصرخ صراخًا شديدًا، ويحن حنينا مؤلمًا حتى ارتج المسجد وتشقق الجذع، ولم يهدأ، حتى نزل النبي عن المنبر وأتى الجذع، فوضع يده الشريفة عليه، ومسحه، ثم ضمه بين يديه إلى صدره الشريف حتى هدأ، ثم خيره بأن سارره بين أن يكون شجرة في الجنة، تشرب عروقه من أنهار الجنة، وبين أن يعود شجرة مثمرة في الدنيا، فاختار الجذع أن يكون شجرة في الجنة ،فقال : «أفعل إن شاء الله، أفعل إن شاء الله، أفعل إن شاء الله» ، فسكن الجذع، ثم قال : «والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لبقي يحن إلى قيام الساعة شوقًا إلى رسول الله »([9]).
    ومما سبق ذكره من أقوال الأئمة كابن حجر، وابن الجوزي، والسيوطي، وغيرهم، وتبين أن هذا حال الأمة من القرن الخامس الهجري، نرى استحباب الاحتفال بالمولد الشريف موافقة للأمة والعلماء، وأن يكون الاحتفال بما ذكر من تلاوة القرآن والذكر وإطعام الطعام، وألا يتطرق إليه مظاهر مذمومة كالرقص والطبل وما إلى ذلك، ولا عبرة بمن شذ عن هذا الإجماع العملي للأمة وأقوال هؤلاء الأئمة؛ وليس ذلك الاحتفال بكثير على النبي الرحمة المهداة حبيب رب العالمين، وفي الختام أذكر قول صاحب البردة :
    فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيبًا بارئُ النَّسمِ منزهٌ عن شريـكٍ فـي محاسنه فجوهر الحسن فيه غيرُ منقسمِ دعْ ما ادعتْهُ النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظمِ فإن فضل رسول الله ليس له حدٌّ فيعـرب عنه ناطقٌ بفـمِ
    والله تعالى أعلى وأعلم



    الهوامش:
    -------------------------
    ([1]) الجمعة : 3.
    ([2]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14، ومسلم في صحيحه ، ج1 ص 76.
    ([3]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص14.
    ([4]) التوبة:24.
    ([5]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج6 ص 2445.
    ([6]) المدخل إلى السنن الكبرى ،للبيهقي ،ص206 .
    ([7]) كل ما سبق من النقل ذكره الإمام السيوطي في كتابه، حسن المقصد في عمل المولد، من ص 5 : 15،ونقل هذا الكلام بنصه ابن قاسم العبادي في حاشيته على تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي، ج7 ص 424.
    ([8]) إبراهيم : 5.
    ([9]) أخرج أصل الحديث جمع غفير من الحفاظ بألفاظ متقاربة، فأخرجه أحمد في مسنده، ج3 ص 293، والبخاري في صحيحه، ج3 ص 1313، والترمذي في سننه، ج5 ص 594، وابن ماجه في سننه، ج1 ص 454، والدارمي في سننه، ج1 ص 30، وابن حبان في صحيحه، ج14 ص 435، وابن أبي شيبة في مصنفه، ج 6 ص 319، والطبراني في الأوسط، ج2 ص367، وأبو يعلى في مسنده، ج6 ص 114.
    التعديل الأخير تم بواسطة Dr.A7med ; 03-01-2010 الساعة 11:24 AM

  2. #2
    Pharma Student
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    الدولة
    في قلب أحبابي
    المشاركات
    312

    افتراضي

    لو صح الاحتفال بالمولد النبوي بهذه الطريقة اي بالاطعام والمديح لفعل ذلك الصحابة في حيا رسول الله وفي عهد الخلفاء الراشدين
    فلسنا افضل منهم حتي نكتشف اشياءا في الدين هم لم يكتشفوها
    وعامة جزاك اله خيرا واثابك عن نيتك

المواضيع المتشابهه

  1. إذا خدعوك فقالوا ...
    بواسطة a_fouda2 في المنتدى المنتـدى العـام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 27-09-2010, 11:12 AM
  2. لكل عملاء فوادافون النت ببلاش
    بواسطة M_S_SH في المنتدى قسـم الكومبيوتر والانترنت
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 16-04-2009, 01:53 AM
  3. هكذا قالوا فى الغناء....فتاوى علماء الأمة فى الغناء والموسيقى
    بواسطة خادم أبى القاسم في المنتدى المنتدى الاسلامى
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 01-03-2009, 12:35 AM
  4. خدعوك فقالوا
    بواسطة dr-aya في المنتدى المنتدى الأدبي
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 26-02-2009, 02:33 PM
  5. حلقات برنامج *خدعوك فقالوا*
    بواسطة * Esraa_resala * في المنتدى المنتدى الاسلامى
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-12-2008, 05:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •