للنسخ معنيان : أحدهما سائغ لا ريب فيه، وهو تخصيص عام أو تقييد مطلق أو إظهار حكم ما بطريقة التدرج
والثانى/محو حكم سابق بآخر لاحق ، وهو عند التحقيق العلمى لا وجود له فى القرآن الكريم
ومثال على ذلك،المرآه إذا فقدت زوجها وجبت عليها عدة وفاة مقدارها أربعة أشهر و 10 أيام (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا،فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف) لكن هذا الحكم عرض له إستثناء ضيق دائرته،فإن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل(وآولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)
كلتا الآيتين لها موضعها الذى تعمل فيه ، وحكمها باق إلى قيام الساعه
أما التدرج فى الكشف عن حقيقة حكم ،فإنه يبدأ تلويحاً يفهمه الأزكياء ، ثم تزداد الإبانه بما يكاد يوحى بالحكم، ثم يجئ الحكم حاسماً ، وقد تم تحريم الربا والخمر بهذا الإسلوب المتآنى وليس فى القرآن نص بآباحة الخمر أو الربا
وعندما يقول سبحانه (وما أتيتم من ربا ليربوا فى أموال الناس فلا يربوا عند الله) فذلك تمهيد لقوله فيما بعد(وأحل الله البيع وحرم الربا)
وعندما يقول (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) فذلك تمهيد لقوله (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه)
إن هذا التدرج كان الطريقه المثلى لفطام الناس عن رزائل ألفوها وأدمنوها ، وقد حاولت الولايات المتحده تحريم الخمر بقانون صارم مره واحده ففشلت، وتبين أن الشارع الإسلامى أذكى وأحكم
ومنفعة الميسر أن ربحه كان يرمى للفقراء ، ومنفعة الخمر مايشعر به الشارب من نشوه وغيبوبه ينسى فيها أحزانه...إلى حين
وكفة الأضرار أرجح
وبعض المفسرين رأى أن الأبيات الأخيره فى الخمر والربا ناسخه لما نزل قبلها، متوهماً أن بينهما تعارض وهذا خطأ فلا تعارض ولا نسخ
فالقائلون بالنسخ يتوهمو ويتورطون فى مهازل لأنهم بعيدون عن التفسير الموضوعى للقرآن الكريم
وعلى أى حال، فما من آيه قيل بنسخها إلا كان هناك قول آخر بآحكامها،حتى ما كان ظاهره النسخ مثل قوله تعالى(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً،فإن يكن منكم مائة صابره يغلبوا مائتين) قال كثيرون أن الحكم الشرعى أن يثبت الواحد لعشره من الأعداء ثم خفف بالثبات أمام إثنين
وقال المحققون أن الحكم الثابت أن يقف الواحد أمام عشره مادام قادراً صابراً أملاً فى النصر أو راغباً فى الشهاده على أن له رخصه أخرى إن عجز على أن يقف أمام إثنين ولا يؤذن له بترك العدو أبداً دون ذلك
قالوا والرخصه هنا كقصر الصلاه ، فالقصر فى الصلاه لا ينسخ الإتمام فى الإقامه
أما آية(ما ننسخ من آية.....) إتصل بها قوله تعالى (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل)؟؟ وهو تساؤل يجعلنا نقطع أن النسخ ليس فى آيات تكليفيه أو أحكام شرعيه وإنما هو فى حقيقة المعجزه التى تصحب رسالات المرسلين
ومادام لم يرد قول بنسخ إلا ورد معه قول بإحكام فلنستبعد إبطال الآيات
ولنقر أنه لا نسخ فى القرآن الكريم أبداً إلا ما كان بمعنى تخصيص العام أو التدرج فى إظهار الحكم
عن كتاب (مائة سؤال عن الإسلام)
للشيخ محمد الغزالى